لم تكن تصريحات بعض قيادات المؤتمر الشعبي حول استعداد بعض قادة الحركات المسلحة للمشاركة في الحوار الوطني، خبراً عادياً لا يستوقف المراقب للشأن السياسي السوداني. وأحسبُ ذلك كذلك لجملةِ أسبابٍ، منها أن المؤتمر الشعبي بدا للكثيرين أكثر حماسةً من المؤتمر الوطني، صاحب الدعوة الرئاسية إلى الحوار الوطني. وذهب بعض قيادييه إلى أبعد من الحماسة لانعقاد الحوار الوطني إلى الدرجة التي أعلن عنها الأخ كمال عمر عبد السلام أمين الأمانة السياسية في المؤتمر الشعبي، أن حزبه متمسكٌ بالحوار الوطني حتى ولو تم اعتقال الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، كنايةً عن أنهم جعلوا ضرورة انعقاد الحوار الوطني في قلب رجلٍ واحدٍ من رجالات ونساء الحزب. ولم يكن غريباً أن تتكاثر التصريحات عبر الوسائط الصحافية، معلنةً موات الحوار الوطني، لا سيما بعد خطاب الأخ الرئيس عمر البشير في ختام اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني، إذ فُهمت العبارة التي جاءت في ثنايا خطابه من أن المؤتمر الوطني لم يجعل من الدعوة إلى الحوار الوطني مخرجاً له، ولكنه أراد بها أن يجد مخرجاً لأحزاب المعارضة، ومؤكداً في الخطاب ذاته، أن دعوة المؤتمر الوطني للحوار الوطني لم تصدر عن ضعف، بل كانت حريصة على مشاركة الجميع في معالجة قضايا البلاد. ولكن المتفائلين من أمثالي لم ينظروا إلى هذه العبارات بنظرة تشاؤمية، ولكنهم فسروها، باعتبارها من العبارات حمالة الأوجه التي يمكن للمتفائل بضروريات الحوار الوطني أن يفهمها استقواء الرئيس بالحزب، وتأكيد عدم ضعفه الذي حتّم عليه اللجوء إلى دعوة رئاسية لكافة الأحزاب والقوى السياسية - حكومةً ومعارضةً - إلى الحوار الوطني. ويمكن أيضاً أن نفسرها تفسيراً تفاؤلياً من أنها هدفت إلى تطمين المتشككين من حقيقة الدعوة الرئاسية التي جاءت في خطاب "الوثبة" يوم الاثنين 27 يناير 2014، والتأصيل لهذه الدعوة جاء في لقاء الأخ الرئيس عمر البشير مع ممثلي الأحزاب والقوى السياسية - حكومةً ومعارضةً - يوم الأحد 6 أبريل بقاعة الصداقة، مُبشراً بتوجيهات رئاسية عن توسيع مواعين الحريات، خاصةً حرية الممارسة السياسية الحزبية، وحرية التعبير وحرية الصّحافة، وإن شابها بأخرة انتكاسة لا يمكن إغفالها في مسارات الحريات التي انطلقت بقوةٍ، واندفعت بحماسةٍ، ولكن لا يجدي كثرة البكاء على اللبن المسكوب، بل علينا تخطي هذه المرحلة الانتكاسية بآفاق أرحب، تهيء أجواءً من الحريات، وصالح المناخات؛ لتسريع خطى الحوار الوطني. أخلصُ إلى أن ما كشفه الأخ الشيخ إبراهيم السنوسي نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي في تصريحات صحافية مؤخراً، من أن هناك أنباء عن استعداد بعض قادة الحركات المسلحة للمشاركة في الحوار الوطني، مؤكداً استمرار مساعي المؤتمر الشعبي في إقناع الحركات المسلحة للمشاركة في الحوار الوطني. وأتفقُ معه في ما ذهب إليه أنه من المهم جداً، مشاركة الحركات المسلحة في الحوار الوطني من مشاركة القوى السياسية بالداخل، لأنّه بإلقاء السلاح يمكن أن تتواصل القوى السياسية في حوار وطني، وفقاً لأجندات وطنية لمعالجة قضايا البلاد والعباد. فمن خلال مشاركة الحركات المسلحة بالخارج في الحوار الوطني، يمكننا أن نزاوج بين مواصلة الحوارات الوطنية، واستغلال سوانح السلام والاستقرار في تحقيق تنمية مستدامة، وازدهار لوطننا السودان. وفي رأيي الخاص، أن هذه البُشريات حرصنا في "التغيير" على أن نجعلها تتصدر أخبارنا في الصفحة الأولى؛ لأننا لا زلنا نؤمن إيماناً قاطعاً، بأنه دون انعقاد الحوار الوطني، لا يمكن أن يتعافى جسد هذا الوطن من آلامه ومصائبه. فلنتفاءل خيراً، من باب تفاؤلوا خيراً تجدوه، ونعمل جميعاً على تسريع خُطى الحوار الوطني، وعدم تثبيط الهمم، وإحباط المعنويات التي رفعتها إمكانية انعقاد حوار لتوافق وطني، من أجل معالجة الوضع السياسي والاقتصادي الراهن المأزوم. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ". وقول الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشّافعي: الناس بالناس مادام الحياءُ بهمُ والسعد لا شك تارات وهباتُ وأفضل الناس ما بين الورى رجلُ تُقضى على يدهِ للناس حاجاتُ