على الرغم من أنها تكاد تكون الولاية السودانية الوحيدة الآمنة والصابرة عبر العصور إلا أنها قد فقدت الأمل واصيبت بالإحباط الشديد من طول إنتظارها لمشاريع التنمية التي تنتشلها من التخلف والفقر كما يدعي المسؤلون عبر وسائط الإعلام المختلفة ومنذ الإستقلال والذي مضت عليه مايقرب من الستين عاما القليل منها تقلدت السلطة خلالها أنظمة حكم ديمقراطية وأغلب الفترة حكمت فيها أنظمة عسكرية وقد ترك النظام الإستعماري بالمنطقة بنيات تحتية لاغبار عليها وقد أدت دورها على الأقل في تلك المرحلة وحتى بداية عهد مايو ومن تلك البنيات التحتية نظام الحكم المحلي والذي قسم الولاية الشمالية التي كانت تمتد حدودها من ولاية الخرطوم وحتى حدود جمهورية مصر العربية وكانت المديرية الشمالية مقسمة إلى مراكز إدارية غطت كل أريافها وكانت تقوم بتقديم أفضل الخدمات في مجال الصحة والتعليم والإرشاد الزراعي والبيئة والأمن وغيرها وكانت الإدارة الأهلية هي الساعد الأيمن لسلطات المراكز الإدارية في حفظ الأمن وتقديم بعض الخدمات مثل حل منازعات السكان وتزويد السلطات المحلية بالمعلومات المطلوبة وكانت مدارس المديرية الشمالية من أميز مدارس السودان وكانت أعداد الطلبة الذين يجدون فرصة القبول في المدارس العريقة مثل وادي سيدنا وغيرها كبيرة بجانب معدل النبوغ الكبير بين طلبة المديرية الشمالية والذين أثروا كليات جامعة الخرطوم العلمية وغيرها وكانت مستويات المعيشة طيبة حيث يعتمد معظم السكان على الزراعة خاصة الخضر والفاكهة واشجار النخيل حيث تشكل التمور الثروة الرئيسة غير أن ماساعد على إستقرار سبل المعيشة هو إكتمال المنظومة الزراعية والتي كانت تشمل بجانب الزراعة تربية الحيوانات والتي كانت تشكل مصدر دخل للمزارعين إضافي بجانب المحاصيل الزراعية على الرغم من أن وسائل الري كانت بدائية وهي الساقية إلا الإنتاجية كانت كبيرة بسبب الخبرة الزراعية والتفرغ للعمل الزراعي والذي أصبحت تشاركه اليوم أنشطة هامشية مثل السمسرة والبحث عن الذهب وغيرها وكانت الحركة التجارية مزدهرة والأسواق تعج بالبضائع من خارج وداخل السودان والأسعار مستقرة وأذكر أننا كنا صغارا ويتم إرسالنا للدكان لأحضار بعض الأغراض ومنها السكر والشاي وأذكر أننا كنا ومنذ أن كنا في المرحلة الأولية وحتى الثانوي كانت نفس الأسعار لم تطرأ عليها زيادة وكل تلك الظروف كانت سببا في إستباب الأمن وإستقرار الناس وعدم التفكير في الهجرة خارج الولاية والتي أصبحت تضم اليوم حوال600 ألف نسمة بسبب تردي الخدمات والأحوال المعيشية وتدني الدخل وأصبح معظم السكان يعتمدون على عطايا أبنائهم المغتربين والمهاجرين في أصقاع الدنيا مما جعل الأمهات اللاتي كن في السابق يقلن لأولادهن عبر التلفون(ياوليدي تعال نحن مشتهنك) أصبحن اليوم يقلن لأولادهن(ياولدي عافين منك ماتجي) واليوم نسمع من المسؤلين ببشريات التنمية ومشاريع القمح وغيرها والإستثمار القادم للولاية من الداخل والخارج وكلها في الخيال وقام سد مروي وإستبشر الناس خيرا بتطور الزراعة وقامت إمتدادات المشاريع الزراعية القديمة في القرير واللار والكاسنجر والغابة وغيرها والعمل فيها مكانك سر ولا أحد يفصح عن سبب تقاعسها وتم تشييد مطار ضخم في مروي وظن الناس بأنه سوف يكون منفذ لتصدير المحاصيل الزراعية لدول الجوار وظل المطار قابعا في الصحراء يسكن به البوم ولا حركة تم تشييد مستشفى ضخم بمروي وعلى أحدث المواصفات وظن الناس بأنه سوف يكون بديلا عن السفر للعلاج في الأردن ومصر ولندن وظل المستشفى مغلقا وربما أصاب التلف اجهزته المتطورة والتي قيل بأنها كلفت حوالي 9مليون يورو ولا أحد يقول البغلة في الإبريق حتى شوارع الزلط التي ربطت الولاية بالعاصمة ماهي جدواها إذا لم تكن معبرا للشاحنات التي تنقل منتوجات الشمالية لبقية أسواق السودان وخارجه كل الحركة في الشوارع عبارة عن بصات وملاكي تنقل الركاب ليستقروا في العاصمة التمور التي تشكل المصدر الأول لدخل مواطني الولاية أصابها الكساد والبوار والحيشان مليئة بمحصول العام السابق والمحصول الجديد على الأبواب والديون تقلق مضاجع الكثيرين بسبب ما دفعوه من أسعار لشراء التمور حيث كانت عند الحصاد حوالي 300 جنيه للجوال والآن السعر أقل من 150 جنيه وبعض أشجار النخيل أصابها المرض ونسمع حاليا عن حرائق للكثير من أشجار النخيل في منطقة المحس أين التخطيط والتنمية والولاية أصبحت طاردة للعنصر البشري والذي يشكل الركيزة الأولى للتنمية والولاية تزخر بالثروات الزراعية والمعدنية وفوق ذلك الثروات السياحية التي لم تجد من ينميها وهي لاتحتاج إلى جهد كبير مثل الزراعة ليتنا عدنا إلى عهد الستينات وماقبلها- ولا حياة لمن تنادي أين المسؤلون والفيضانات تهدد السكان حاليا ونسمع عن التحوطات والإستعداد ونخشى أن يكون مثل إستعداد ولاية الخرطوم التي غرقت في شبر مية ولكم الله يأهلنا في الشمالية والذين كان لكم القدح المعلى في بناء كل مناطق السودان حتى نسيتم مرتع صباكم للهملة والضياع ونسأل الله السلامة [email protected]