مفردة قد لا يعرفهما الكثيرون بالشكل الكافي. فهي تخص مجتمعاً له زمنه الخاص وأسئلته المختلفة، وحيواته الممتدة العريضة. مفردة الزنق نسخت مفردة الكتمة التي عاشت لسنوات في القمة. بينما تحولت في الفترة الأخيرة إلى استخدام أكثر عمومية، فيما تأتلق مفردة الزنق بداخل عالمها الخاص ولم تخرج إلى الزمن العمومي إلا بالقدر اليسير. الزنق.. ليس سوى كلمة حفلة القديمة، أو مفردة طرب في أزمنة قريبة، حينما خرج إلى الوجود حذاء تايتنك المأخوذ اسمه من الفيلم الشهير، نهاية القرن العشرين ومستهل القرن الحادي والعشرين، وعودة البنطلون الشارلستون لساحة الموضة مجددا عند طلاب الثانوي. وللزنق؛ أسئلة كثيرة وأهواء مختلفة، ومصدرون للتقليعات والموضات. آخر جيل الكتمات ومفردها (كتمة)، كان هو عازف الأورغن الشهير أيمن الربع، إذ كانت له حياة صاخبة في الأزقة وحيشان البيوت، واشتهر بشكل كبير في أم درمان، في أحياء العباسية وبانت والعرضة وحي الضباط وغيرها من أحياء أم درمان. إذا ما تتحدث عن مجتمع الزنق، فالثابت أنه يضم فئات كثيرة: المغنون (فنانات وفنانون في الغالب لا تتعدى شهرتهم، مجتمعاتهم المصغرة)، فنيو الساوند سيستم، عازفو الأورغن وهم كتلة واحدة. بعض المنخرطين فيه من القوات النظامية، (المثليون جنسياً)، بعض النساء اللواتي يبعن الشاي في أسواق الحواري وهم كتلة ثانية. مجتمع الزنق يبدو من أكثر المجتمعات تنافسًا وتحرراً، ولا يخلط منتموه، بين الحرية الشخصية والعلاقة الرأسية لهم مع الخالق، ويتمظهر الدين في حياتهم كقيمة عليا ومقدسة، وبينهم متدينون، رغم أن أحدهم قد يكون ميله وفعله الجنسي، مخالفا لنوعه سواء أكان ذكرا أو أنثى، وبالتالي يكون متناقضا مع قيم الدين العليا ذاتها، أو كونه مغني أو صعلوك يتذمر منه المجتمع ويتكاره مع الدين، من باب أن الموسيقى والغناء من المكروهات. زمن الزنق الخاص، بشكل مختصر؛ هو أسئلة الحياة وجملة الاهتمامات، وقيمة الصداقات، الخيانات التنافسات، التباهيات، من منظور القيم، التي تخص مجتمعه. الزنق هو مجتمع ليلي بالأساس، لارتباطه بالحفلات بالدرجة الأولى، وبالسهر إلى الساعات الأولى من الصباح، وتُستمد القيمة الفردية فيه، من درجة الفاعلية فيه، فبينما يستمد الجنود النظاميون المنخرطون فيه نفوذهم، من احتفاء (الزنق) كمجتمع بما يطلقون عليهم (الحكومة) والمقصود بها بالطبع هؤلاء، فهم لو شئت يمثلون القمة، بفعل (طبنجاتهم) مسداساتهم وقدرتهم على ضغط مجتمع الزنق بأكمله عبر التهديد والوعيد. الجمال أو الاستايل بالنسبة لنساء ورجال الزنق على السواء، يشكل سلطة تقيميية عالية، درجة الشهرة، المكان مهم جداً، فمجتمع الزنق لا يُعير بالقبيلة ولا ترد في خاطره تقريباً، لكنه يشدد على المكان، والمقصود به المدينة والحي، فكلما كنت من حياً معيناً زاد تقييميك، والعكس صحيح، بينما هو في حقيقته مجتمع عاصمي بامتياز، وقليلا ما يتم اختراقه من خارج المكان. لتزنق، إذا جاز التصريف اللغوي للكلمة، فهذا يتوقف بالطبع على رغبتك الشديدة، وأن تكون لك إحدى المميزات المذكورة آنفاً، ويتوقف ذلك أيضاً على كم المهارات التي تمتلكها، وقبولك داخل المجتمع الذي لا يحفل ب(الفارات)، وهم طبقاً لتصورات هذا المجتمع، كل من لا يرى الدنيا حلوة وكشافتها ضاربة، وغير حفي بالبهجة. البهجة هذه إذن، هي إحدى أهم الأهداف التي يسعى هذا المجتمع لتحقيقها بين أفراده والذي يعيشه حياته، كأحد روافد المجتمع الكبير، ورغم كم البهجة الهجة الهائل الذي يضفي على حياة مجتمع الزنق رونقها، فهم يذمون ويقدحون الخيانة كأكثر شيء يُعكر صفو البهجة المنشودة، وترصد في حياتهم بوضوح ذمهم الدائم لتبدل الخوة كخيانة غير مغتفرة (أعلى سلم الخيانات)، إذ يسعى هذا المجتمع للوصول بالصداقة والتي تُسمى ب(الخوة)، إلى لحمة أبدية. [email protected]