بارا، هذه البلدة الرائعة، التي عرفت بالخضرة والجمال والوجه الحسن والهواء العليل والماء العذب والتربة الخصبة، هي عبارة عن واحة كبيرة ترقد على سطح حوض بارا الجوفي، وتحيط بها الكثبان الغنية بالسيلكون. ومع أننا لا نعلم كثيراً عن نشأتها، إلا أن بارا تعد، واحدة من أقدم المدن في السودان ويرجع تاريخها إلى القرن الثامن الميلادي، وكانت تشكل جزءاً من مملكة المسبعات وشهدت أحداثاً تاريخية مهمة بسبب وقوعها في وسط الطريق الذي يربط غرب السودان بوسطه مما أدى إلى احتدام الصراع للسيطرة عليها بين سلاطين الفور ومملكة الفونج . يتكون مجتمع بارا من عناصر متجانسة أتت من كل بقاع السودان لتشكل نسيجاً اجتماعياً تربط بينه أواصر الرحم والقربى والعلاقات الاجتماعية والمنافع والمصالح المتبادلة والتسامح، ولذلك ظلت آمنة مستقرة على مر العصور والأزمنة رغم تبدل الأحوال والنظم السياسية في البلاد، فهي تجمع بين خصائص المدينة وسمات القرية إذ يتعارف سكانها ويتواصلون في الأفراح والأتراح دون تمييز بين مواطن أصلي أو وافد وهذه ميزة متفردة في حد ذاتها. وبحسب طبيعتها الجغرافية، تصلح بارا لممارسة الزراعة والرعي والتجارة وربما الصناعة مستقبلاً، الأمر الذي جعل أصناف متنوعة من البشر تحط الرحال وتضع عصا الترحال بها متخذة من هذه البلدة المعطاءة مستقراً لها. بارا كانت حتى عهد قريب مقراً لمجلس ريفي دار حامد وتوجد بها "محكمة زانوق" ناظر عموم دار حامد الشيخ محمد تمساح، رحمه الله تعالى، وبهذه الصفة كانت تتبع لها محاكم أخرى في كثير من قرى المنطقة بما فيها محكمة المدينة برئاسة الشيخ الوقور الطاهر ود إسحاق. وكغيرها من المدن الإقليمية، ظلت بارا مركزاً حضارياً استقطب مؤسسات التعليم والصحة وفروع دواوين الحكم الأخرى لتقدم الخدمات المختلفة للمواطنين وتضم مركز الشرطة والمستشفى وإدارات الزراعة والخدمات البيطرية والأجهزة القضائية والإدارية وهي لذلك تعد ضمن مدن السودان الصغيرة ولم نسمع بأنها قد كانت قرية في يوم من الأيام؛ ولهذا السبب ينطبق عليها ما ينطبق على مدن السودان الأخرى من أنظمة وقوانين تنظم الحياة والعمران، بحيث تكون السكنى والإقامة فيها متاحة لكل سوداني بغض النظر عن الجهة أو القبيلة! وبما أن بارا لم تتطور بالشكل المطلوب حضرياً وعمرانياً، فقد آن الأوان لأتخذ مكانتها وسط المدن الأخرى في البلاد ويشملها التخطيط وتوضع لها الخطط الإسكانية دون تدخل من أية جهة ، فهذه المدينة الآن يتوقع لها أن تكون محطة أساسية على الطريق المزمع إنشاؤه ليربط كل غرب السودان، بل إفريقيا الغربية بوسط السودان وبميناء بورتسودان على البحر الأحمر في أقصى شرق البلاد؛ ولهذا ينبغي أن تستعد بارا لاستقبال حركة نقل واسعة النطاق تتطلب توفر خدمات متنوعة مثل المطاعم والفنادق والمرافق العامة والمكاتب وغيرها من المتطلبات العمرانية التي لا يمكن أن تقام إذا ظلت المدينة على وضعها الراهن. بارا يمكن أن تتحول إلى منتجع سياحي جاذب للسياح من كل بقاع السودان نظراً لما تتمتع به من جو رائع وأرض يمكن أن تزرع بها الحدائق والمنتزهات وتقام عليها كل مقومات ومتطلبات السياحة؛ خاصة إذا علمنا أنها سوف ترتبط بطرق المواصلات السريعة بعد اكتمال الطريق المذكور وبالتالي يمكن الوصول إليها بكل سهولة ويسر وكل ذلك لن ير النور إلا إذا خضعت المدينة للتخطيط وأدخلت عليها الخدمات الضرورية بشكل دائم ومنتظم. ليس هذا فحسب بل، إن التخطيط سوف يرفع من قيمة الأرض، مما سيعود بالفائدة على جميع المواطنين. ولكل هذه الأسباب نأمل أن تستمر حكومة الولاية في خطتها الرامية لتخطيط مدينة بارا بغض النظر عن الأصوات التي تنادي بغير ذلك لأن المصلحة العامة مقدمة على المصالح الفردية الضيقة التي لا تهم إلا أصحابها فقط. من جانب آخر، كانت بارا ولا تزال مركزاً تجارياً مرموقاً تجلب إليه البضائع من كل أنحاء البلاد، وهي أيضاً مركز معروف لبيع المحاصيل مثل السمسم والكركديه والصمغ العربي والمواشي والخضر والفواكه والبصل ولذلك من المتوقع أن يعود هذا النشاط لسابق عهده؛ إذا خطط سوق المدينة حتى يستوعب الحركة التجارية الكبيرة المرتقبة نتيجة لموقع بارا على الطريق الذي سيكون ممراً دولياً للناس والبضائع والأفكار القادمة إلينا من كل غرب أفريقيا وشمالها ويمكن أن تتحول لمركز للتبادل التجاري بين السودان ودول الجوار، الأمر الذي يتطلب إقامة مكاتب تجارية ومستودعات ضخمة في هذه المدينة، بالإضافة إلى الوحدات السكنية والتجهيزات الأخرى مثل محطات الاتصال والوقود وورش الصيانة ومتاجر بيع قطع الغيار ومصانع صغيرة للتعبئة وغيرها من مستلزمات التجارة الحديثة التي تليق بمثل هذا النشاط المرتقب. هذه دعوة لنجعل من بارا واحة للتعايش السلمي بين أهلها دون إثارة لنعرات لا طائل من ورائها، ونحولها لجنة من جنان الله على الأرض فهي مدينة ليست قرية ويجب تخطيطها كغيرها من المدن ونتمنى أن يقود هذا التوجه كبارنا من أهل المنطقة!