لا يُنكر أحدٌ أن هنالك بعض التطورات المشهودة في ما يتعلق بإحداث مُقارباتٍ بين المؤتمرين الوطني والشعبي، وقد مهدت لهذه المقاربة دعوة الأخ الرئيس عمر البشير الأحزاب والقوى السياسية إلى الحوار الوطني يوم الاثنين 27 يناير 2014 من خلال خطاب "الوثبة" الرئاسي، حيث بدأ أصحاب أشواق وتُشوقات وحدة الإسلاميين في المؤتمرين الوطني والشعبي في التمهيد بلقاءاتٍ مستمرةٍ لمزيدٍ من التقارب بين الحزبين اللذين كانا حزباً واحداً قبل المفاصلة في ديسمبر 1999. وأحسبُ أن التصريحات الصحافية للدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي التي نُشرت في صحف أمس (الأحد)، التي أكد من خلالها التزام حزبه بمواصلة الحوار الوطني والانخراط في ترتيباته كافة حتى النهاية، أبانت حقيقة التواصل الذي لازم لقاءات قيادات الحزبين طوال الفترة الماضية. ولم تأتِ قناعة الدكتور حسن الترابي وحزبه بأهمية الحوار الوطني إلاّ من خلال مرئيات مستقبلية للعمل في التأثير على مُخرجات ومآلات الحوار الوطني، باعتبار أن التقارب بينهما سيكون طريقاً مُعبداً لمُعالجة كثيرٍ من قضايا السودان المأزومة. ولم يُخفِ الدكتور الترابي حيثيات هذا التقارب الذي تتواصل اجتماعات الحزبين على المستويات كافة منذ ديسمبر الماضي، وصولاً إلى توافقٍ حول كثير من القضايا العالقة بينهما. فكان الدكتور الترابي يُمهد الأسباب للحوار والتقارب من أن ما يحدث في دول الربيع العربي، خاصةً مصر وليبيا وسوريا يجعل السودانيين يفكرون ملياً عن مصير بلادهم، والعمل على تفادي مصائر تلكم البلدان التي عصفت بها الأهواء، وساد فيها عدم الاستقرار. وبالأمس القريب، قدم الدكتور الترابي حيثياتٍ عقلانيةً جديدةً في مقاربة المؤتمرين الوطني والشعبي، وذلك من خلال الرد الحاسم على سؤال يتردد لدى كثيرٍ من مراقبي الشأن السياسي السوداني داخل السودان وخارجه، عن حماسته لهذا الحوار، ومن أن الحوار الوطني ما هو إلاّ ذريعة لتوحيد الصف الإسلامي، والعمل على إعادة المنظومة الإسلامية، سيرتها الأولى تحت مسمى جديد وبشخوص قُدامى وجُدد، حيث قال: "إن الحوار أفضل الوسائل المتاحة لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة". أما عن التقارب، فقال دون أي لَجاجةٍ أو مُماحكةٍ، مجيباً على سؤال يتردد أيضاً كثيراً هذه الأيام عن التقارب بين المؤتمرين الوطني والشعبي، على فقه "قطعت جُهيزة قولَ كلِّ خطيبٍ"، "وما الغرابة في ذلك ألا يتقارب الآخرون ويتحالفون". وأشرح من عندي، أن هذه الإشارات الذكية، والتلميحات اللماحة، يقصد بها أن بعض الأحزاب وعلى رأسها حزب الأمة القومي، يتحدث أنصاره ليل نهار عن وحدة الحزب، وجمع الكلم، ولم الشمل، في الخرطوم والقاهرة، ولم يُعِب عليهم أحد مسعاهم في تحقيق وحدة حزبهم، حتى أن المعارضة تتحدث عن تحالفاتٍ ومنظوماتٍ تنسيقيةٍ، لتقوية مواقفها المعارضة ضد الحكومة، ألا يحق أن يبحث الأخ مع ابن عمه كيفية مواجهة الخطر، ومع شقيقه كيفية التصدي للكارثة. ولكن مع هذا وذاك ما زال الحديث عن هذا التقارب يُؤطِّره صدق النيات وعزيمة الإرادات في إنجاح الحوار الوطني، والعمل مع الآخرين لتسريع خُطى هذا الحوار، للعمل على إجراء بعض التعديلات الدستورية، وتأجيل موعد الانتخابات العامة، إلا إذا كانت الانتخابات الرئاسية ضرورةً حتميةً لدعم مُخرجات الحوار الوطني ومآلاته، وتأكيد سرعة إنفاذه. أخلصُ إلى أن تقارب المؤتمرين الوطني والشعبي بات غير مستبعدٍ في ظل الوحدة التي يسعى إليها جميعُ الأطراف. كما أن مشاركة الدكتور حسن الترابي في الجلسة الافتتاحية لأعمال المؤتمر الرابع لحزب المؤتمر الوطني، والجلسة الافتتاحية لأعمال الهيئة التشريعية العاشرة، أكدت بما لا يدع مجالاً للشك، أن أشواق الإسلاميين في التقارب والوحدة أصبحت واضحةً للعيان، تحتاج إلى قليلِ ترتيباتٍ وموافقاتٍ، وتتطلب بعض التنازلات من كلا الحزبين لإحداث التقارب المنشود، ومِنْ ثَمَّ الوحدة المأمولة. فليعمل الصادقون على الإسراع بخُطى الحوار الوطني، وفي الوقت ذاته، الإسراع المتأني في انبثاق منظومة إسلامية جديدة تكون خير بديلٍ لمنظومة المؤتمرين الوطني والشعبي. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ". وقول الشاعر العربي، زُهير بن أبي سلمى: وَمَنْ لَمْ يُصَانِعْ في أُمُورٍ كَثِيرةٍ يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوْطَأْ بِمَنْسِمِ وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ