مما لا ريب فيه، أنّ تحذير كل من السيد الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، والأخ الدكتور غازي صلاح الدين العتباني رئيس حركة "الإصلاح الآن"، من أن يستغل الإسلاميون رُدهات الحوار الوطني من أجل توحيد الإسلاميين. وقد يفهم المرءُ توجسات السيد الصادق المهدي لتوحيد الإسلاميين، واتخاذ الحوار ذريعةً لتحقيق هذه الوحدة، بحُجية أن ما ادعاه من أن توحيد الإسلاميين يُعيد الإنقاذ سيرتها الأولى، أو كما قال صراحةً، إن توحيد الإسلاميين إلى عشريتها الأولى، والمعنى واضح كما يقول أستاذي البروفسور الراحل عبد الله الطيب – طيّب الله ثراه -. ولكن الأمر يستشكلُ على المرءِ فهم تحذيرات الأخ الدكتور غازي صلاح الدين العتباني؛ لأن في الوحدةِ، إمكانية توحيد الأهداف والغايات بالنسبة للإسلاميين، في تحقيق مُخرجاتٍ ومآلاتٍ للحوار الوطني، يتراضون عليها، ومن ثمَّ يشكلون رأياً عاماً مؤيداً لها بالنسبة لبقية الأحزاب والقوى السياسية، توافقاً واتفاقاً، وليس تراضي اذعانٍ وإرغامٍ. وأحسبُ أن تحذيرات الأخ الدكتور غازي صلاح الدين، تجيءُ بعد مخاطبة الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الرابع لحزب المؤتمر الوطني، في أرض المعارض ببري بالخرطوم يوم الخميس الماضي. وعلى الرُّغم من أن كلمته كانت مُقتضبة، لم تتعد بضع دقائق، على عكس توقعات الحاضرين، وأنا من بينهم، إلا أنها كانت حمالة أوجهٍ ومضامين، لا يغفل عنها أمثال الأخ الدكتور غازي صلاح الدين، منها التعاطف الكبير الذي أبداه الدكتور الترابي مع عملية الحوار الوطني، مُعرباً عن تفاؤله بالوصول إلى الوحدة بين الفرقاء السودانيين، مشيراً إلى رجاءات وتفاؤلات في المرحلة المقبلة. ولم يخف الدكتور الترابي في كلمته أشواق وتشوقات الإسلاميين في الوحدة، بأن يُشيرَ إليها بأسلوبه المعهود، الذي فيه التلميحات تغلب على التصريحات، من ذلك قوله: "إن الابتلاءات والمكائد التي تحيط وتتربص بالوطن، شجعت على التحاور والتشاور من أجل التوحد (الوحدة)"، مؤكداً أن هذه الابتلاءات قدمت لهم الموعظة بضرورة التحاور والائتلاف. وغير بعيدٍ عن الإذهان، قول الأخ الرئيس عمر البشير "إن ذلك بات يشكل خطراً على النسيج والترابط الاجتماعي، والأمن القومي، مما يستدعي وقفةَ مراجعة تراعى مصلحة الوطن وأمنه واستقراره". وفي رأيي الخاص، أنه من الضروري أن يحرصَ المشاركون في الحوار الوطني - إسلاميون وغير إسلاميين - على مُعالجة الوضع السياسي والاقتصادي الراهن المأزوم، وألا يكون أكبر هم الإسلاميين استخدام الحوار الوطني ذريعةً لتوحيدهم، ولكن هذا لا يمنع إذا تحققت مقاربات في مواقفهم داخل أروقة الحوار الوطني، وأدت إلى توحيدهم من أجل الوطن والمواطنين، بما في ذلك مواقف حركة "الإصلاح الآن"؛ لأنها إحدى شقائق الإسلاميين، مهما تباينت الرؤى، واختلفت الوسائل، واتفقت الأهداف، ولكن من الضروري اتخاذ الحوار الوطني سبيلاً لإحداث قدرٍ كبيرٍ من التوافق الوطني للأحزاب والقوى السياسية - إسلامية كانت أم غير إسلامية - لأن الهدفَ من الحوار هو الوصول إلى ما ذهب إليه الأخ الدكتور غازي صلاح الدين، من حيث تراضي الجميع على غاياته. وينبغي أن يخلص الحوار إلى عقدٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ واجتماعيٍّ جديد، بين السودانيين جميعاً؛ لإعادة تأسيس البُنيات والنُّظم السياسية، بما ينشئ دولة عادلة، ونظاماً حراً وفاعلاً، بحيث تجري على أساسه توافقات وطنية، تُفضي إلى انتخاباتٍ حرةٍ ونزيهةٍ، وفقاً لدستورٍ مؤقتٍ، يرتضي نتائجها السودانيون بثقةٍ واطمئنانٍ. أخلصُ إلى أنه لا ينبغي التحذير من توحيد الإسلاميين، إذا كان يصب في مصلحة العباد والبلاد، بل يكون الحوار الوطني ملتقىً لتوحيد رؤى وأفكار الأحزاب والقوى السياسية، حول المعالجات الكفيلة بإخراج الوطن من الوضع الرّاهن المأزوم. وجميلٌ إذا شهد الحوار الوطني، تآلف أحزاب منشقة، عادت اللُّحمة بين فصائلها المنشقة، لأسباب شتى، سواء أكانت أحزاب إسلامية أم غير إسلامية، في سبيل توحيد الكلمة، وتحقيق الهدف المنشود، المتمثل في الإصلاح والعدل والحرية، وأن يكون مبتغى توحيد هذه الأحزاب والقوى السودانية، إنشاء دولةٍ عادلةٍ، ونظامٍ حرٍّ وفاعلٍ، يرتضيه كلُّ الفرقاء من أجل سودان الغد. ولنستذكر في هذا الخصوص، قولَ الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". وقول الشاعر العربي أبي عمرو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد: وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة ً على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد فذرني وخُلْقي أنني لكَ شاكرٌ ولو حلّ بيتي نائياً عندَ ضرغد فلو شاءَ رَبي كنتُ قَيْسَ بنَ خالِدٍ ولو شاءَ ربي كنتُ عَمْرَو بنَ مَرثَد فأصبحتُ ذا مال كثيرٍ وزارني بنونَ كرامٌ سادة ٌ لمسوّد