رصد طائرتي شحن روسيتين متجهتين إلى «الدعم السريع» عبر مطار الكفرة    4 مواجهات في دوري النخبة اليوم    وزير الداخلية يترأس وفداً رفيعاً في زيارة ميدانية إلى محلية شرق النيل لتسريع إعادة التأهيل وتطوير الخدمات الشرطية    شاهد بالفيديو.. الحسناء "منوش" تواصل لفت أنظار جمهور مواقع التواصل بالسودان بتفاعلها من إحدى أغنيات الفنان حسين الصادق    فولكر بيرتيس مبعوث الأمم المتحدة المبعد من السودان: النرجسية والإرباك    كاف يختار عبد العزيز ياسر وعمر حامد لنهائيات الشان    عثمان ميرغني يكتب: عودة الاعيسر    إدارة ترامب ترحّل مهاجرين إلى إسواتيني.. آخر ملكية في أفريقيا    خيوط مهمّة..تطوّرات بشأن الهجوم المسلّح في دنقلا    التعادل يفرض نفسه على قمة إشراقة والمريخ    اللجنة المشتركة بين الهلال والمريخ .. بيان مشترك    الأمل عطبرة يقدم إسترحام في العقوبات الصادرة بحقه واللجنة تجتمع الأربعاء برئاسة البحر    شاهد بالفيديو.. في لقطة مؤثرة.. لاعب المريخ يجهش بالبكاء ويفشل في إكمال حديثه عقب تسجيله أغلى هدف لفريقه    شاهد بالفيديو.. الفنان سجاد بحري يظهر غاضباً ويهدد 45 مليون سوداني: (بسببكم أصيب شريف الفحيل بالجنون والنفسيات لأنه ضعيف لكن أنا بخليكم تلقطوا أكياس في الشارع وبلاش كلام فارغ)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة ندى القلعة تبدي إعجابها بطفل صغير اقتحم المسرح وقدم فواصل من الرقص على طريقة "الصقرية"    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة ندى القلعة تبدي إعجابها بطفل صغير اقتحم المسرح وقدم فواصل من الرقص على طريقة "الصقرية"    شاهد بالصور.. "البندول" يفاجئ جمهوره ويستعد لإكمال مراسم زواجه ب(الحناء) والفنانة إيمان الشريف أول المهنئين له: (سر بالي سيرنو سار الدهب الغالي سيرنو)    عطل فني يتسبب في انقطاع جزئي للتيار الكهربائي ببورتسودان    عملية نصب كبرى تطال سودانيين وأصحاب بصات في مصر    فينيسيوس ينوي "خيانة" ريال مدريد.. والتوتر يشتعل    هجوم مسلح على قسم شرطة دنقلا العجوز والبنك الزراعي    السودان..كامل إدريس يعيّن 5 وزراء جدد في حكومة الأمل    المجلس القومي للأدوية والسموم يبيد ادوية منتهية الصلاحية بكسلا    الخرطوم..خبر حزين لمواطني بحري    الإفراط باستخدام الهواتف المحمولة يضعف مهارات تعلم اللغة عند الأطفال    بقرار من إدارة ترامب.. "ناسا" تخفي تقارير عن التغير المناخي    اعتصام في حلة يونس غرب بربر احتجاجاً على أحواض السيانيد ومخاوف من كارثة بيئية    بعد خسائر بملايين الدولارات.. "شارع الحرية" بالخرطوم يستعيد نشاطه    أقوى 5 جيوش بحرية على مر الزمان؟    الأزرق… وين ضحكتك؟! و كيف روّضتك؟    مدن سودانية تنهض من رماد الحرب والخرطوم تتراجع    عاجل..اندلاع حريق جديد في مصر    5 طرق بسيطة لاكتشاف تطبيقات التجسس على جهازك    المباحث الجنائية المركزية ولاية الخرطوم تكشف غموض جريمة مقتل مواطن ونهب هاتفه بالحارة 60 وتوقف المتهم    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    كنانة ليست مجرد شركة أو مصنع لإنتاج السكر والإيثانول    شاهد بالفيديو.. تجار شارع "الحرية" بالخرطوم يستعدون لفتح محلاتهم التجارية بعد اكتمال الترتيبات وبدء وصول البضائع وأكثر من 80 تاجراً يعلنون جاهزيتهم للإفتتاح بعد أيام قليلة    ((مختار القلع يعطر أماسي الوطن بالدرر الغوالي)) – غنى للعودة وتحرير مدني وغنى لاحفاد مهيرة – الدوحة الوعد الآتي (كتب/ يعقوب حاج أدم)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الخرطوم توقف عدد من المتهمين بجرائم النهب بمحلية كرري    د.ابراهيم الصديق علي يكتب: إلى البرهان : من القولد إلى البطانة..    3 طرق لإخفاء تحركاتك وخصوصياتك عن "غوغل"    أم درمان.. سيولة أمنية وحوادث عنف بواسطة عصابات    تدشين حملة التطعيم ضد الكوليرا بمحلية سنار    تدشين حملة التطعيم ضد الكوليرا بمحلية سنار    قد يكون هنالك طوفان ..راصد جوي يُحذر من ظاهرة "شهيق الأرض": تغيرات كوكبية قد تهدد المياه والمناخ    هبة المهندس مذيعة من زمن الندى صبر على الابتلاء وعزة في المحن    المباحث الجنائية بولاية الخرطوم تضبط متهمين إثنين يقودان دراجة نارية وبحوزتهما أسلحة نارية    حريق بالقاهرة يعطّل الاتصالات ويصيب 22 شخصًا    نانسي عجاج: لستُ من ينزوي في الملماتِ.. وللشعب دَينٌ عليّ    بشرط واحد".. فوائد مذهلة للقهوة السوداء    بالفيديو.. شاهد لحظات قطع "الرحط" بين عريس سوداني وعروسته.. تعرف على تفاصيل العادة السودانية القديمة!!!    عَودة شريف    مأساة في أمدرمان.. تفاصيل فاجعة مؤلمة    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على أجنُح غيمة .. بقلم: عبد الله الشقليني
نشر في سودانيل يوم 11 - 02 - 2015

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
اخترت العنوان من شِعر الدكتور تاج السر الحسن . ربما هو مرحلة شِعرية في فتوتها . أراها خير وصف لمشاعر تشابكت ، لا أعرف لها وصفاً ، ولا تعريف . أحاسيس متناقضة ومتآلفة ، فيها الذي يُلامس مرحلة زهو الشباب ، من القدرة على الفعل ، لا يحُد فعلك عندها إلا القناعة. لا أعرف كيف أكتُب ، وعن ماذا أكتب ؟ . لقد تلاقت كل النقائض ، ببعضها . وحده ريق طعم الصداقة حلواً كنتُ أتعرف عليه . ما كنتُ أعرف أن الجسد والذهن أضعف بكثير من أحلامنا . أنا في ذات المركِب، وذات العواصف الهوجاء تأتي علينا من كل صوب .
انتهى يوم العمل في الرابعة مساء. بحثت كثيراً عن مكان موعدنا ، رغم أني حضرت المكان من قبل مرةً ، بل أنا اخترته في مدينة عشت فيها مُقيماً ثلاثة عشر عاماً . أعرف أن موهبة استدراك الأمكنة ليست بالضرورة لمن يمتهنون صناعة التماثيل التي يسكن إليها البشر في عملهم أو هناء الأسرة إن تيسر الهناء .
جلستُ في خاتمة المطاف أمام المائدة. كان شوقي أن أشرب أنخاب الحديث العذب من أصدقاء مهّد لنا الزمان أن نلتقِ من بعد فرقة أعوام، بل منذ ثمانينات القرن الماضي !. لم يتغير الماء من تحت الجسر ، بل انهدّ الجسر على رؤوسنا .
مضى اليوم أسرع مما كُنت أتصوّر . بعد وجبة الغداء ، عُدنا أدراجنا إلى البيت الذي يستضيفهم أهله ، ثم زرنا صديق مُشترك في مسكنه ، ثم جلسنا . افترق بعضنا وصرت أنا وصديق العُمر نجلس في سيارة متجاوِرَين وتحدثنا .
لا الماضي ولا الحاضر يتسع لنا لنتبادل أنخاب الحضور ، فالمَهاجر مفتوحة على كل شيء . آخر ما توقعت أن يعود بعض صديقي إليَّ ، لا كله كما اعتدتُ دائماً . البعض الآخريختبئ ويحتاج لحفريات ناعمة وعميقة لكي يعودني .ليس أصعب من البحث في غموض رمادي عن بضاعة ناصعة وهشّة . تبحث أنت عن فخار قابل للكسر في مجاهل أرضٍ فسيحة .
من يقدر على هذا الحذر وتلك المخاطر ؟.
(2)
قلتُ أحاول أن أستجْمِع بعض ما بيننا ،ما صار عصياً على النسيان . صار الماضي أيقونة متوهجة حين انعطف العُمر . ثقيلةٌ تلك الذكريات في ميزان الحياة و قريبة إلى النفس و بعيدةٌ عن الأهواء العابرة . غُبار يهيجه الزمان الذي انفتح على كل الاحتمالات . وقف الدمع على أطراف المحاجر لامعٌ كالندى . ثم تدرّج في الانتظار حتى جفّ ، وعُدنا سيرتنا الأولى .انحلّت الأربطة:
قلت له مُمازحةً : ما حاصل ضرب (5) في (6) ؟
قال : ثلاثين
قلت : و (6) في (6) ؟
قال : 35
ضحِكت .
(3)
استدركتُ أنه لم يفتنا الكثير ، فقارب المعرفة المُضْمَر سوف ينقذني من العُجْمَة التي ألمّتْ بي، وصعوبة استدراك الحميمية التي تتلاعب بها الأقدار. وبدأت أختبر مقدرتي .
سألت نفسي :
لِمَ اختارنا هذا الداء الذي يحاول أن يبعدنا عمن نُحب ؟
هل يتسنى له أن يحيط بنا إحاطة المعصم رغم استماتته ليفعل ؟ ،
وهل مفاتيح الأغلال لما تزل بين أيدينا ، ندخل المساكن التي نُحب ، ونغلقها علينا وفق ما نشتهي ونقول ما نريد لا نخشى أحد ؟
ما كُنا نعتقد أن فُحولة الذاكرة سوف يختبئ وميضها ، يوماً بعد يوم .
ما أتعسني هذه الليلة !.
(4)
قلت له :
- أتَذكُر حين كتب الشاعر " محمد المكي " مقالاً عَجولاً يتمنى لك الشفاء قبل فترة ، ورد الدكتور حسن موسى قارئاً للمقال العَجول وأقام عليه بنية النقد الجديد بما اختلف الناس حول رؤاه أو اتفقوا وعنونه : " أشغال العمالقة ".وجديد الأسلوب وصعوبة ألا نتأمل الغايات ونَقنَع بالوسائل ،مما تحدث عنه مقال الشاعر أو سكت عنه في مقاله العَجول ،وكيف تناول نقد الدكتور حسن النص دون النظر كثيراً إلى غايات النص، ومبرراته. وتشعبت القضية بين مؤيد وناعٍ. وأنت سيدي لم ترد ،سوى بالقليل حين ذكرت أن الشاعر صديقك ؟ .
قال لي :
- محمد المكي الشاعر ؟
قُلت :
- نعم هو . وكتب الشاعر رداً بمقال نعت فيه الدكتور :" آية اللؤم العظمى " .
قال :
- متى تم ذلك ؟ أفي صحيفتنا الإلكترونية ؟!
قُلت :
- ولماذا لم ترُد ؟
قال :
- أنا لا أذكر الموضوع .
(5)
كنتُ على وشك أن أقول له إن الشاعر الكبير عندما سألوه في مقابلة في تلفزيون السودان مؤخراً عنك ، ردَّ : " لقد نسيته " . ويومها دارت رأسي بما ثَقُلت ، ولكن داهمني الصمت. وبدأت موضوعاً آخر :
قلت له :
- أتذكر مقالك المميز عن فكر محمود محمد طه ، ومنهاجه ؟
قال :
- محمود محمد طه مُفكر كبير ، وأذكر جلوسنا معه في بيته وحواراتنا معه ، فهو لا يشبه أبناء جيله ، ويتفهم الفنون بوعي .
قلت :
- أتذكر مقالك ؟
قال :
- أين هو ؟
قلت :
- مسجّل في المدونة .
قال :
- مُدونتنا ! .. لا أتذكر ولكني أحب أن أقرأه . أين أجده ؟
(6)
موجٌ طاف بذهني ، ولكن يبدو أن " التُسنامي " أكبر من كل شيء كان يحيط بنا . لم تتغير ملامح تلك النظرة الحنون من عينيه ، وهو يحاول جُهده أن يكون معي ، وهي الخِصلة التي عرفتها عنه أول يوم عرفته فيه منذ أربعين عاماً ، ولن تُنمحي تلك السنوات . أرقبها نافرة منطلقة كالخيول في بسطة الأرض الخضراء ،ومن مواضينا التي تأبى على النسيان .
(7)
أذكر في سبعينات القرن الماضي حين جاء هو مُنهكاً ذات مساء قادماً من مستشفى الخرطوم، دخل من الباب وجلس متعباً على السرير وتمدد بملابسه .
قال :
- حاولت كل جُهدي أن تبقى أمي تتنفس وتحيا ، ولكن آخر المطاف هزمني السُكري اللعين حين استوطنها ، وفارقتها نسمة الحياة إلى غير رجعة .
ونحن بين الدهشة والطمأنينة والحزن الذي تفرق بيننا ، علمنا أن كل ما بيد صديقنا ليفعل ، قد فعل . والآن استسلم جسده للنوم القسري رغم أنفه . تركناه نائماً وغادرنا بهدوء إلى مدينة " بحري "حيث تقاطر الجميع لإجراءات الدفن .
(8)
بدأت الآن استدرِك نظرات العينان اللامعتان لابنته ، بين الفينة والأخرى ، تترك القلب يغوص بين الجنبين .
قلت له :
- ألم تزل يا صديقي دمعتك قريبة من مقلتيك ؟ .
تجاهل هو سؤالي.
بدأت أحكي متواصلاً بلا فواصل ، لعل الذاكرة عنده ترتجّ . كان يسألني ويعقّب كأنه أمسك بالخيط ، قبل أن تتسرب الذاكرة . وبدأ يستجمع كل الدُرر التي تُخبئ هذا العالم الجميل الذي هبَّت عليه عاصفة ، شتت الأوراق ، ولكن الجزع قويٌ،لم تهزمه العواصف الجائرة بعد. يذكر هو أيام الصبا الباكر وشِعر البداوة الذي كان ينشده والده في خمسينات القرن الماضي . يعود إلينا بالطفولة ومقتبل الشباب ، وقصص لم نعرفها من قبل عنه .
مهما اختبأ الماضي ، فهو عصيّ على النسيان .
عبدالله الشقليني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.