قال الزول الساي ، الما بقعد ساي ، وما بسكت ساي : زمان ، عندما كنا صغاراً في حي النصر بمدينة كوستي ، لم يكن لدى الناس جوالات ولا آيبادات ولا سماسونات ولا يحزنون وبالتالي لم يكن هناك أي إنشغال ببرامج شخصية خاصة، كنت عندما أعود للمنزل من المدرسة أقذف الخرتاية في أقرب ركن ثم أطير للشارع لألعب البلي أو الكومبليتة مع أولاد الحلة أو أطارد الكلاب والحمير التي يرميها حظها العاثر في طريقي، ومن وقت لآخر كنت أقوم مع أفراد الشلة الصغيرة بممارسة أغرب هواية على الإطلاق وهي هواية التحرش بالمجانين ، كان عدد المجانين قليلاً جداً آنذاك ، كانوا يعدون على أصابع اليد الواحدة، من وقت لآخر كنا نقوم برحلة طويلة مشياً على أقدامنا الصغيرة ثم نقترب من مبنى مهجور منعزل يقع بالقرب من محلج القطن ، وهناك كان يقبع أحد المجانين محاطاً بسقط المتاع ، كنا نعرف أنه مجنون تماماً لأنه كان يتكلم دائماً مع نفسه بصوت عال ويشير بيديه في جميع الاتجاهات، كنا نقترب منه اقتراباً خطيراً ثم نتحرش به وكان يقوم بمطاردتنا بعنف، ذات مرة ، وأثناء مطاردة جنونية ، كاد أن يمسك بي لولا أنني طرت في الهواء عديل كده! كان برنامج التحرش بذلك المجنون يزودنا بإثارة غير طبيعية ولهذا كنت أقوم من وقت لآخر بالصياح في وجه الشلة الصغيرة : يلا نمشي نشاغل مجنون المحلج! زمان، عندما كنا صغاراً ، وفي حي خليوة بمدينة عطبرة ، كنت أنا وإبن خالي عصام ، نقوم من وقت لآخر بالتحرش بإحدى المجنونات التي كانت تتكلم مع نفسها وتشير بيديها في جميع الاتجاهات، ذات مرة توغلنا في خور يقع مباشرةً جوار حائط منزلها ، فما كان منها إلا أن طاردتنا بفأس ولم ننجو منها إلا بالطيران السريع والاختفاء المفاجيء في أقرب زقاق! الآن ، كل من هبّ ودبّ أصبح يحمل جوالاً ، المشاة ، قائدو السيارات ، الرجال والنساء وحتى الأطفال الصغار أصبحوا يتكلمون مع أنفسهم في الجوالات ويصيحون ويؤشرون بأيديهم في جميع الاتجاهات وهم يسيرون في الشوارع ، الآن ، اختلط حابل العقلاء بنابل المجانين وأصبح من المستحيل لأي شخص عاقل أن يفرق بالعين المجردة بين العقلاء والمجانين ، ذات مرة ، كانت سيارتي واقفة أمام أحد الاشارات ، كان السائق القابع داخل السيارة المتوقفة إلى جواري يجلس أمام المقود وهو يتكلم ويصيح ويشير بيديه في جميع الاتجاهات ولم يكن معه أحد في السيارة ولم يكن في يده أي جوال ! استعذت بالله العلي العظيم من الشيطان الرجيم وقررت أن أعمل حسابي من مجانين الطريق العام لكن مخاوفي تبخرت دفعة واحدة عندما رأيت خيطين صغيرين معلقين بإذنيه فعندها أدركت أن جوال السائق المشبوه يقبع بعيداً عن يديه وإذنيه! أخيراً لا بد من طرح هذا السؤال المجنون: ماذا لو قُدر لنا أن نعيش طفولتنا في عصر الجوالات هذا؟! لو حدث ذلك لانقرضت هواية التحرش بالمجانين وانعدمت المطاردات المجنونة فالأن أصبح الجميع يبدون كالمجانين وأصبح إثبات العكس مستحيلاً في كل الأحوال ! فيصل الدابي/المحامي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.