إلى بناتى وأبنائى وأخواتى وإخوانى، فخرنا بكم وبوقفتكم لا مثيل له. لأن فخرنا صدى عميق وتجسيد لكل معانى الحب النوبى للأرض والتاريخ والحضارة والثقافة والتفانى وحب الأخوان والأخوات والأمهات والآباء والعمات والخالات والجدود والجدات والأزواج والأهل، وأمهاتنا النخيل، وأرضنا التبر، ونيلنا العذب،وجبالنا الشوامخ. حب يحكى عظمة أمة ظلت تصارع الظلم والإجحاف لما يزيد عن القرن وربع فى تكافلوترابط رغم بعد الشقة وفرقة شتات الأسر ما بين مصر والسودان، فى مناطق كريهة موحشة. ورغم الكارثة من يوم أن إنفجرت الفجيعة منذ مائة وستة وعشرين عاما يوم وقف الخديوى توفيق معلنا قيام سد أسوان،مازلتم صامدون متكافلون متآذرون. وكانت المأساة التى لا تنتهى كأطول وأقسى كارثة فى تاريخالبشرية. فقد طمر تاريخ أول حضارة بشرية على وجه الأرض، وتقطعت صلات وشردت أسر وتقسمت بين مدن وأرياف مصر وقرى ومدن السودان فى أربع هجرات بترت صلتهم بأرض لم يعرفوا غيرها، وحياة يوميةما مارسو سواها، وتاريخ ظل متواترا لأكثر من سبعين ألف سنة. والآن تريد حكومة القهر والظلم والجهلوالخرافة أن تقضى على ما تبقى من تلك العظمة، بدعوى إنشاء سدود للتنمية، وماهى إلا من أجل رشاوى يقبضونها ومنتجعات يبيعونها للدخلاء الغرباء، وليذهب أهل الأرض إلى الجحيم. فخرافة التنمية لا تخدع طفلا . فكيف تنمى بالدمار والتشريد؟ وما ملحمتى إلا رصد لتلك العظمة والشرف والتاريخ والإنجازات العلمية والفكرية والهندسية والزراعية مما شكل الأساس لكل المعارف والعلوم والفكر والفنون والأبداع الإنسانى النبيل، مضاهاة لما ظل يعانيه النوبيون فى عذاب أسطورى. فأسمحو لى بأن أعيد نشر مخاص فكرى وعصارة إحساسى ورحيق مشاعرى فى ملحمتى النوبية التى كتبتها إبتهاجا بإنطلاق إذاعة كدنتكار، وضمنتها كل خلجات نفسى،سائحا بين عظمة تاريخنا وفداحة مآسينا، وإستشرافا لمستقبل مشرق. فإلى بناتى وأبنائى وإخواتى وأخوانى وإعمامى وعمامتى وخيلانى وخالاتى إينما كانوا أطباء وجراحين فى أرقى مستشفيات العالم أوأساتذة فى أعرق الجامعات أو فى وكالات الفضاء والمؤسسات العالمية، أو بوابين فى أزقة وحوارى مصرأو فى مطابخ الخليج أو فى حقول خشم القربة أو فى باب جهنم بكوم أمبو أو صمودا فى جبال أرض التبر أو فراشين فى الفنادق أو بحارة فى سفن تجوب أعالى البحار والمحيطات أو المنتشرين فى أصقاعالمعورة، كم أنا فخور عزيز بكم وببذلكم فى عطاء دافق وحب لا ينضب. يامن تعلمنا منهم البذل والعطاء والتضحية من أجل مستقبل أبنائهم وبناتهم، حبى لكم لا تحده حدود، وفخرى بكم لا يدانية فخر. فما يظنه الجاهلون من ترابطنا وتعاطفنا وإلتصاقنا ببعضنا عنصرية منا، إنما هو ظاهرة إنسانية عميقة يسميها علم النفس الإجتماعى "بالمواساة الجماعية" من خلال العلائق والممارسات الحياتية وفى خضم العطاءالذى لم ولن يتوقف فى كل شبر من أرض الوطن بتجرد وإلتزام رغم جراحاتنا. فتقبلوا منى ملحمتى النوبية عربون مودة ودليل إلتزام، وأنتم تقفون وقفتكم المصيرية، كما وقفتم فى وجه كل غازى ومتكبر جبار،تماما كما تقهقر الأسكندر الأكبر، وسقط رأس الإمبراطور أوغسطس مداسا لمدخل باب الكنداكة. وكنت مبشارة كسر حاجز الخوف الذى مهد لأنتصار ثورة أكتوبر يوم تظاهرتم ضد نظام الدكتاتورية العسكرية.
لكم ولأمتنا المجد والسؤدد وأعاد الله علينا قادم الأيام وأرض النوبة فرحة جزله رغم أنها تئن من ضربمعاول البناء مستشرفة إشعاع "بعث جديد لماض تليد"". ---------------------------------- بوسطن - الولاياتالمتحدة الأميريكية 25 فبراير 2016 ---------------------------------- علمهم معنى الحب النوبى ^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ ............................................. فرحٌ يَسبِقُ نَبضى يتَوسّد عينىَ دمعاً كحَبَابِ الدُر ....... والنشوة ُ تجتاح كيانى بشرى مولودٍ بعدَ خريفِ العُمر ....... صوتُ النوبةِ قد دَوّى يُعلى الحقَ، ويبعثُ فينا الفخر ....... فاحكى يا صوتَ النوبةِ ... عن عظمةِ قوم ٍ شُم ٍ كخلودِ النهر ....... فسّر للأجيال ِ وللعالم ِ معنى الحبِ الأزلى ِ لأرض ِ التبر ....... أسّرد تاريخَ المجد ِ فخاراً فى نَصِّ الإنجيل وآيات ِالسفر ....... وأذكرَ آثام البطش نزيفا ساد عقودَ الشدةِ والعُسر ....... وتَفُّرق ِ شَملِ الأحبابِ شَتاتاً بالتهجير وفى الغُربةِ والِمهجَر ....... أعوامَ جحيم ٍعدَمىٍّ جُرِّعنا فيها الحنظلَ والعَلقمَ والمر ....... وضَياعُ تراثٍ كان نضاراً وقلائدَ عِز ٍ فى جيد ِ الدهر ....... لكن ياصوتى جَلجِل أكد أن النوبة َ شعبٌ صلبٌ لايُقهر ....... إزأر بجهير ِالصوت ِ: خَلُودٌ أمتُنا لن تفنى حتى الحشر ....... لن نركعَ؛ لن نتراجعَ أو نتنازلَ أبدا للغاصب ِ عن شبر ....... كالنخل ِ المُتَأصل عُمقاً فى رَحم الأرض مديداً بالساق وبالجذر ....... كالبركل ِ زادَ شموخاً وتمددَ أوتاداً ضاربة ً فى أحشاء ِ البر ....... كعُروق ِ الكنداكةِ تسرى نبضاً دفاقاً فى صُمِّ الصخر ....... إحكى صوتُ النوبةِ ... عن عظمةِ قوم ٍ شُم ٍ كخلودِ النهر ....... غَنِّى أ ُهزُوجةَ وجدى فى غسق ِ العتمةِ أو فى ضوءِ الفجر ....... رجّع نَغمَ الطنبور ِ حنيناً فى قمم ِ جبال ِ العزةِ والسحر ....... وفى وديانِ الوفرةِ فى أرجاءِ الصحراءِ وفى ثَبج ِ البحر ....... إملأ أصقاعَ العالمِ نوراً يتموسَقُ أملا ً وبشائرَ بالخير ....... إرفع إسمَ النوبةِ نفّاذا يتضّوعُ حُباً كنفيس ِ العطر ....... علّم أبنائى وبناتى معنى العزةِ... قُدهُم بنشيدِ النصر ....... إحفظ لغة الأجداد حِداءً للمستقبل والماضي-إثراءً للعصر ....... قد علمنا العالم هندسة، دينا، فلسفة.. وأصول الشعر ....... ولولا ساقية الأجداد لما كانت ساعاتٌ لاسفنٌ لاعرباتٌ تُقطر ....... و اليوم نساءٌ ورجالٌ منا كالماضى رادو الطب وعمق الفكر ....... مهلا، ياصوتَ النوبةِ ذكّر بالجُرمِ المشهُودِ دليلاً للقهر ....... أروى عن كجبارَ وأربعةٍ من فلذاتِ الأكبادِ بعُمرِالزهر ....... أغتيلوا بدم ٍ بارد فأغتيلت أحلامُ الأهلِ بطلقاتِ الغدر ....... لاتنسى معجزةََ النخلِ تحور للإجسادِ دروعاً خلفَ الظهر ....... والصخر تصلَّب يحميهم فيَرُد رُصاصَ العارِ إلى جُندِ الشر* ....... ماوجِلَ صِحابٌ بَعدَهُمو فكلُ شبابِ النوبةِ أشبالُ هِزبر .............. تتقمصهم روحُ الأسلافِ ونارُ قلوبٍ تُشعِلُ جوفَ الصدر ....... فيَنداح لَهيبُ الثورةِ فى مهدِ البشريةِ طلباً للعزةِ والثأر ....... إسمعنا قول التاريخ بأنا: "قومٌ بالسلمِ أوالحربِ ننالُ النصر" ....... ومآل الباغين حَتَامٌ رغم الجبروتِ بعزمِ الأهلِ هو الدحر ....... فكم من غازٍ شرسٍ نكل تقتيلا ً وأشاع صنوف الذعر ....... فتلقاهُ الموتُ ذليلاً بسِهام ٍتتصيدُ منهُ الحدقةَ والنحر ....... أقصص ياصوتى عن موطن أمى وأبى عن أرض الطهر ....... لا تنسى أبداً خَبِّرنا عن نزفِ الروح وأكبادٍ أدماها القهر ....... ذكرنا ألمَ التهجير ِ القسرىِّ مثنى ورباع وبطشاً فى مصر ....... من أرض الإجداد إلى أرض التيه نُفُوا لا شجرٌ فيها لا طير ....... يا رجع جراحى ذكرنا بذئابٍ نهشت أحشاء رضيع ذى شهر ....... وعَذارى رُمنَ الماء لعُرس فَتَخَطّفَهُن التمساحُ بشطِ النهر ....... وعجوزٌ ماتت كمدا فرفاتُ حشَاها جَرفتهُ الأمواهُ مع القبر ....... وشيخ عزق الأرض دُهُوراً، قَتَّلهُ المرضُ وأحزانُ الفقر ....... وملايينُ النخلِ تَداعت تحتَ هديرِ الماءِ وقصفِ الصخر ....... والسُودانُ تطابق ظلماً فالقربة سرطان تدعمه أوبئة كثر ....... يكفينا ذلا ماعانينا خجِلت أنفسُنا منا فكَرِهنا الصبر ....... من بعد اليوم كفانا لن ننسى أنفسنا من أجل الغير ....... فالظلم تمدد ماأجدى نُكرانُ الذاتِ وجَهدٌ بالحقلِ وفى القفر ....... سَندُكُ جِدارَ الصمتِ بعزم ٍ نوبىٍ ليفيقَ الحالمُ بالقصر ....... بَشّر بالفرحِ القادم فيضاً يغشى القِممَ وأعماقاً بالغور ....... حتما ً سنُعيد بهاءَك ياحلفا ورُبعوكِ تزدانُ حدائقَ خُضر ....... ويعودُ بأرضكِ نخلٌ يحملُ أطناناً من أشهى أنواع ِ التمر ....... ويعودُ المجدُ لنا أعيادا ً تُهدى فرحا ً كلَّ سِنِّى العمر ....... نتَحلَّقُ حَولكَ طرباً ياقُسطل كَرمةَ مروى ياكوكةَ والدِر ....... نتلذذ ُ بالتاركينج ِ و بالإتر وسبائطُ رطبٍ وقرَاصُ طحين البُر ....... بناتك بالحكمة يا مروى علما وسموقاً ضاهين الأنجم والبدر ....... أبناؤك عادوا يانبتة يبنُونَكِ صِرحاً لا بردٌ يثنيهم لا حر ....... مددنى ياصوتَ النوبةِ فوقَ أثيِركَ مَزهواً بجباهِ السمر ....... لو مِتُ اليومَ سعيدٌ فالحبُ تجّسدَ صَوتكِ يا أرضَ التبر --------------------------------- (*)يقول شهود العيان أن يومها إنهمر وابل الرصاص وكانت أغلب الإصابات فى الظهر. ولولا جذوع النخيل لكانت مذبحة أصيب ومات فيها المئات من المتظاهرين العزل. إضافة إلى أن إرتداد الرصاص(روكوشيه) على مطلقية بعد إصطدامه بالصخور حد من قدرة الجنود على إطلاقه خوفا على أنفسهم. -------------------------------- عبدالرحمن إبراهيم محمد الرياض، 7 يوليو 2011
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.