تقارير تكشف ملاحظات مثيرة لحكومة السودان حول هدنة مع الميليشيا    شاهد.. المذيعة تسابيح خاطر تعود بمقطع فيديو تعلن فيه إكتمال الصلح مع صديقها "السوري"    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شاهد بالفيديو.. البرهان يوجه رسائل نارية لحميدتي ويصفه بالخائن والمتمرد: (ذكرنا قصة الإبتدائي بتاعت برز الثعلب يوماً.. أقول له سلم نفسك ولن أقتلك وسأترك الأمر للسودانيين وما عندنا تفاوض وسنقاتل 100 سنة)    رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية يهاجم تسابيح خاطر: (صورة عبثية لفتاة مترفة ترقص في مسرح الدم بالفاشر والغموض الحقيقي ليس في المذيعة البلهاء!!)    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    البرهان يؤكد حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع برنامج الغذاء العالمي    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    ميسي: لا أريد أن أكون عبئا على الأرجنتين.. وأشتاق للعودة إلى برشلونة    رئيس مجلس السيادة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    رونالدو: أنا سعودي وأحب وجودي هنا    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    مان سيتي يجتاز ليفربول    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعتذار واجب لكل إمرأة سودانية .. بقلم: البروفيسور عبدالرحمن إبراهيم محمد
نشر في سودانيل يوم 08 - 03 - 2016

هذه قصيدة تنشر لأول مرة كاملة. فقد نشرت منها بعض أجزائها فقط، لأننى كنت أحتفظ بها كاملة لنشرها كجزء من كتابى بنفس العنوان "إعتذار واجب لكل إمرأة سودانية". ولكننى اليوم فى هذا العيد العالمى ليوم المرأة رأيت الإلحاح على نشرها وقد تكرمت بعض شاباتنا بنشر تلك الأجزاء التى نشرت منها من قبل على صفحات "الفيس بوك".
واليوم بمناسبة اليوم العالمى للنساء، ونزولا عند رغبتهن، أنشرها كاملة. وكنت قد كتبتها حينما تبارى بعض سفراء السودان فى التغزل بوزيرة خارجية دولة موريتانيا المتزوجة دون مراعاة لمتطلبات الإنصياع لأوامر الله ولا مشاعر زوجاتهم وأسرهم ولا حرمة بروتوكولات وزارة سيادية ولا إحتراما لشعب كريم يفترض فيهم أنهم يمثلوه. فقد تباروا بالتشهير بإمراءة متزوجة أولا ومسئولة سيادية فى بلادها المحافظة ثانيا. فما راعوا حقها كإنسانة مالها فى كونها أنثى يد؛ ولكنها وقعت فى إنتباه مجموعة من المهووسين. فلم يراعوا لها أو لزوجها وكرامته، ولا أهلها وعشيرتها التى عرضوها للتجريح والإساءة الإجتماعية البالغة؛ مما يعرف عن أهل تلك الديار. وماتفكروا لحظة فى كل التداعيات الكارثية لمغامرتهم تلك التى يتحرج منها حتى المراهق الأشر. فرأيت فى ذلك مالم يره غيرى، كما يبدو. رأيت سقوطا مؤلما على خمسة عشر صعيدا خلفها ذلك الفعل الشائن.
وأنا حين أكتب ما يستتبع من سطور لا أفعل ذلك نكاية بأحد منهم أو تشفى شخصى فيهم. فأنا لا أعرف أحدا منهم، ولم تشأ الأقدار أن أعرف شيئا عن أخلاقياتهم ومثلهم. ولكنى أعالج فعلا إجتماعيا أتوه نهارا جهارا وعلى رؤوس الأشهاد. بل بالغوا فى إذاعته ونشره وبثه عبر وسائط الإعلام فى كل أرجاء الدنيا وأصقاع الأرض. وعليه فإن ما أكتبه يسعى لأن يبين فداحة الفعل وشائن التعاطى معه، حتى ولو كان ذلك خطأ غير مقصود، أو أنهم لم يتدبروا توابعه وإسقاطاته. فإن الرجل العاقل يفترض فيه أن يزن أفعاله قبل الإتيان بها. وتلك حكمة يجب أن يتحلى بها كل الرجال ناهيك عن من هم فى مقامهم من مسئولية ومناصب حساسة. لذا فأنا أعالج الأمر كظاهرة إجتماعية سيئة وخطاء أخلاقي فادح وجرم ديني بين وجرح نفسى ممض، ناهيك عن من أتى به؛ وإن كان من أتوا به أوجب للمحاسبة والمساءلة. فهؤلا يتوقع منهم الحكمة والوعى والحصافة والإتزان.
فعلى الصعيد الأول رأيت كيف تدوس مراهقة الشيوخ تلك على أوامر الله عز وعلا وتعاليم رسوله الكريم (صلى الله علية وآله وصحبه وسلم) رغما عن أنهم يمثلون نظاما يدعى رفع لواء الإسلام بضجيج غير مسبوق. فكيف لنا أن نثق فى صدق نوايا هؤلاء القوم وهم يتمشدقون بأنهم يمثلون دولة "لا إله إلا الله" و "هى لله". فالله قد حدد بوضوح حرمة التشبيب بالنساء وإفشائه وإذاعته. وقد إستشهد العلماء بقول الله عز وعلا فى سورة الأحزاب الآية 58 "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد إحتملوا بهتانا وإثما مبينا". وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إذاعة وصف الزوج لزوجتة. فكيف بهؤلاء يصفون مفاتن إمراءة متزوجة. وقد ذكر بحر علوم الشريعة موفق الدين بن قدامة: بأن "التشبيب بإمراءة معينة والأفراط فى وصفها حرام بإجماع". وقد وافقه جمع العلماء بأن التشبيب غزلا فى إمراءة غريبة محرمة على المتشبب حرام قطعا، لما يجره من إيذاء لها ولأهلها وهتك خصوصيتها والتشهير بها وجعلها موضع القيل والقال.
والصعيد الثانى الذى أجرموا فيه هو حقها كإنسانة متميزة حققت نجاحات أهلتها لشغل موقع سيادى بكفاءة. فجردوها من كل ذلك وشيئوها كمبتغى حسى وتجسيدا لأنوثة تثير فيهم غرائز رجال ظلوا على مراهقتهم منذ أن بلغوا الحلم. فكما رأت صحيفة "السراج" الموريتانية أن قصائد التغزل بالوزيرة الشابة كان "تصرفاً غير لائق ومهين، و... رؤية دونية للمرأة التي جاءت تمثل بلدها". بل كما قالت الصحيفة "أنه من غير اللائق وفق الاعراف الدبلوماسية والحركات النسوية العالمية أن تتحول سيدة تقوم بتمثيل بلادها إلى مجرد إمرأة مثيرة لغرائز اللوعة والوجد." ولكن الدبلوماسيون المراهقون ما رأوا أن فى فعلتهم تلك إحتقارا للمرأة وإغتصابا نفسيا ومعنويا لها. ومافكروا لحظة، من وهم شبقهم المسرف تزييفا، كيف يكون وقع ذلك على نفسها، ومدى أساها وتجريح مشاعرها وهمها فى التعامل مع زوجها وأبنائها وأهلها وزملائها ومرؤوسيها، كما سنرى فى الآتى من تحليلنا.
وفوق ذلك فقد خالفوا شرع الله فى ذلك بتجريد المرأة من أدميتها المتساوية مع الرجل التى كرمها الله بها إذ قال فى الآية الأولى من سورة النساء: "يا أيها الناس إتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا ونساءا واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". وأضاف المولى عز وعلا إكراما للإنجاز غض النظر عن الرجل والمرأة فى الأية 97 من سورة النحل: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون". وفى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذى رواه أبو داؤود تأكيد لهذه المساواة والتقدير: "إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم". فكيف بهؤلاء لايرون فى المرأة إلا جسدها ومفاتنها التى نهى الله عن النظر إليها تلذذا بهيميا وتشيئا لها؛ وقد ساواها الرسول فى أبعاد إنسانيتها وآدميتها بالرجل وجعلها صنوا له؟
والوزيرة المظلومة مالها يد فى أوهام عشعشت فى عقولهم كنظرة دونية لكل إمرأة -- لايرون فيها غير أنوثتها الحسية، فيجردونها من عقلها المفكر وإنسانيتها المتفاعلة. وهى نظرة أجملها الفيلسوف الفرنسى فوكو فى أن مفهومى الجسد والجنس فى حقيقتهما نتاج ثقافة-حضارية، وليس ظاهرة طبيعية، وهدفها المعرفى هو سيطرة القوة على الجسد بإخضاعة فى وداعة إستكانة مذلة، وبالتالى ضمان نمو تلك القوة وتمددها إعتمادا على تلك المعرفة والتى تبسط لها القوة الفرصة للتمدد. فتظل العلاقة بين المعرفة والقوة علاقة تبادلية تنمى كل منهما الأخرى فى تمدد إضطرادى. وهى فى رأيى ممارسة لتلك الأيدولوجية المترسبة فى اللاوعى فى مسعى الرجال، الذين يتمتعون بسلطة القهر والإخضاع، لإثبات قوتهم، بما لهم من صلاحيات ثقافية-حضارية فى المجتمع، بتحديد مكان المرأة وتعريفها ودورها بما يخدم أحساسهم بالتفوق والسيطرة. ففى حالة هؤلاء السفراء، فإنهم من صنف ذلك النوع من الرجال الذين لاتعنيهم مشاعر المرأة. يتباهون برجولتهم الزائفة على حساب كل أنثى – ماهمهم. وهم فى واقع الأمر يعانون من أعراض مرض نفسى خطير يسمى "الممارسة السرية العقلية". وهى من ضروب استبطان المراهقة ونزواتها، وإندغامها فى الكيان والشخصية والميول.
والصعيد الثالث الذى أجرموا فيه هو حق زوجها المكلوم الذى إرتبط بها. ولاشك أنه تأذى من تشبيب الرجال بعرضه وزوجته التى صارت فى كنف رباطهما الزوجى المقدس. فلم تطرف لهم طرفة. ولم يفكروا حتى فى كيف يمكن أن يكون وقع ذلك الأمر عليه. فكيف بالله عليكم أن يستمرئ هؤلاء العصاة التغزل فى إمراة متزوجة؟ أيرضون ذلك فى نسائهم أو بناتهم؟ فإن لم يرضوه، فلم يفعلوه فى نساء الرجال؟ وإن رضوه فقد وقع فيهم حكم الإسلام ورسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه: "لا يدخل الجنة ديوث". أوكانوا يقبلون لو تغزلت زوجاتهم فى وزير خارجية المغرب أو إثيوبيا؟ إذا، كيف أتو بذلك الفعل؟ وهو مخالفة بينة للشرع لا لبس فيها؛ وهم الذين يمثلون دولة تدعى إقامة دين الله فى الأرض! فكيف تسمح لهم أنفسهم ودولتهم بإنتهاك حرمة إمرأة مسلمة محصنة؟
وقد نهى الله سبحانه وتعالى حتى عن النظر إلى النساء، خاصة المتزوجات بنصوص صريحة لا لبس فيها ولاغموض. وقد عز القائل فى الآية الثامنة والثمانين من سورة الحجر: "لاتمدن عينيك إلى مامتعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم وأخفض جناحك للمؤمنين". وأكد ذلك مرة أخرى فى سورة طه فى الآية العشرين "ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى." صدق الله العظيم.
وهؤلا لم ينظروا فقط بل تمعنوا وتفحصوا وتغزلوا فى مفاتن تلك المرأة فى إغتصاب معنوى؛ ضاربين بعرض الحائط قول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه؛ وقد وقع عليهم حكم الزنا بذلك، كما رواه أبو هريرة فى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب على ابن ءادم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناها النظر." وقد نصح خله ورفيق دربه وأبن عمه الكرار على، كرم الله وجهه، قائلا: "يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَة"ُ
ومن عجائب الأمور أن الذين يشمعلون فى جلد الفتيات وإهانة النساء بأنهن لا يرتدين الزى الشرعى صمتوا صمت القبور على هذه الفعائل الشائنة. فما سمعنا من يتنطعون بحماية الفضيلة وشرع الله يتفوهون ولو بكلمة تستنكر إشاعة ذلك الحرام من القول والنظر والتشبيب. ولم ينبس أدعياء الدين ودعاة الفضيلة والطهارة ببنت شفهة. ولو شاءت الأقدار وكانت المتغزلة إمرأة لقامت الدنيا ولم تقعد وأهدرت أطنان الأحبار فى إصدار الفتاوى والمقالات لإنعدام الحياء وإنحطاط النساء والفسق والفجور. وفى تدبيج الخطب من على المنابر تنعى لنا التراث والعفة والطهر.
والأدهى من ذلك كله أن أحد القائمين على أمر الدين فى العالم بأسره وهو مدير إدارة المنظمات الدولية بالأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة جاراهم فى فعلتهم بنظم منه. ومن المحزن حقا أنه، بحسب إفادة بعض أجهزة الإعلام التى نقلتها المواقع ألألكترونية، أنه أرسل قصيدته تلك "سرا إلى وزيرة الشؤون الخارجية والتعاون الدولى الموريتانية وأوصى أن تبقى قصيدته طى الكتمان."! فيا للأسف! فبدلا عن أن يقوم بتقريع المتشبيبين كواجب دينى ويصدهم عن فعلهم المحرم ذاك، جاراهم وفاقهم بأن بعث بقصيدته إلى المتشبب بها شخصيا. ولكن ليس مستغربا منه أن يفعل ذلك وهو واحد من بطانتهم وعصبة نفاقهم. أليس فى فعلته تلك إغواء وغزل ومراودة عاطفية يرفضها الشرع ويستهجنها الضمير وتأباها الرجولة والشهامة والنخوة؟ فقولوا لى بربكم كيف يمكن أن يؤتمن مثل هذا على أمر الإسلام على نطاق العالم كله؟
وتزامن ذلك مع موجة كانت قد إرتفعت فيها الدعوة إلى أن "زواج الموريتانيات أحلى زواج" و "زواج المغربيات أحلى زواج" و "زواج الألمانيات أحلى زواج"... وكل نساء الأرض تمجيدا لهن ماعدا السودانيات، عزنا و فخر بلادنا. فكانت تلك المقالات والقصائد سبرا لعمق دور المرأة السودانية التاريخى والإجتماعى والإقتصادى و السياسى والثقافى والفنى والأدبى، ومضاهاة ذلك بالتاريخ الإنسانى والدين الإسلامى والتحليل النفسى المجتمعى. وفى تلك المقالات والقصائد، التى أنتوى نشرها فى كتاب كما ذكرت، تحليل للتبخيس المتواصل للمرأة السودانية والإساءة إليها وتجريحها وإهانتها وتجريدها من إنسانيتها، فى الوقت الذى يتنامى فيه قدرها وهى تتقدم الصفوف فى عطاء مميز وتجرد. ولكننى اليوم أكتفى بهذه القصيدة إلى أن يأذن الله بنشر المخطوطة؛ متمنيا أن تتملك نساؤنا الثقة فى أنفسهن وعزتهن وجلال قدرهن وتقديرنا لهن فى هذا اليوم الذى يحتفى فيه العالم بيوم النساء العالمى. وما هذه إلا مجرد تعبير عن ذلك التقدير لأمهاتنا وزوجاتنا وإخواتنا وبناتنا، لهن العزة والمجد.
___________________________
إعتذار واجب لكل إمرأة سودانية
----------------------------------------------
عزيزاتى أسوقُ أساىَ معذرةً ولبُ القلبِ مُنْفطرُ
أُغالِبُ دمْعَةً حَرَّى تؤكدُ أن العقلَ مُنشَطِرُ
دركا تدَنَّينا وأرْضُنا انقسمتْ ونارالحَربِ تسْتعِرُ
وسُودانُنا فى كلِ المحافلِ فاشلٌ، وجهٌ كالحٌ كدِرُ
والعارُ يكْسُونا بهِ سُفَراءُ سوءٍ خَيرُهُم ضَررُ
وفودُ تبريرٍ للقتلِ والتعذِيبِ دورٌ خَائِنٌ قذرُ
ساقِطُ القولِ شِيمَتهُم وجرائِرُ الإسفافِ غَيرَهُ كُثُرُ
فُجُورُ فِعالٍ لا حَياءَ لهم وشِعرٍ شَابهُ العُهْرُ
مَرضَى دواخِلُهم بتشْبِيبٍ وفُسقٍ عافهُ الشعرُ
يزدَرُون كِتابَ اللهِ معصيةً وإنكاراً لما به أُمِروا
حرامٌ قولهم شرعا نهتْ عن فِعلِهِ الآياتُ والسورُ
لا تمُدَّن عينيكَ إلى مامَتعنا به" قالتِ الحِجرُ" 1
وطهَ و"ما متعنا به أزواجاً" لدُنيا حَياتِهمْ زَهرُ 2
حَدُ الفضح والتشْهيرِتعزيرٌ وعليهمُ الجلدُ والزجرُ
فَخياتِى لبِنطالٍ جُلِدنَ أذىً بظُلمٍ صَاغَهُ القهرُ
فاقتْ وَضَاعتهُمْ قاعَ حضيضٍ كُلَّ ماغاصَ ينحدرُ
يَنْسِون من بَطرٍ فى العيشِ شَعباً ناشَهُ الفقرُ
فى بلدٍ يَمُوتُ الناسُ جُوعاً وكم أفنَاهُم العُسْرُ
لابؤسٌ يُحَرِّكُهم قلُوبٌ من جُمادٍ صَلدةٌ صَخْرُ
أخلاقُ رِعَاعٍ ولفظٌ عنهُ ينأى الفاسِقُ الأشِرُ
مُرَاهَقةٌ تأذَّى من خَطبِ وقْعَتِها الأبناءُ والأُسَرُ
ياويلَ زوْجَاتٍ وفَينَ لهُمْ أهانُوهُنْ وماشَعرُوا
أدْموا لهُنَّ كرَامةَ الإحساسِ تجريحاً بما نشرُوا
قلبى عَليْهِنَ أسىً، كَسْرُ الكرامَةِ مالهُ جَبْرُ
كمْ سَهِرنَ طِوالَ ليالٍ ملؤَها الإحْبَاطُ والضَجرُ
حَرقُ الحَشا ونزفُ دُموعٍ بطولِ الليل تنهمرُ
يخفُونُ بالتشْبِيبِ أسرارَ الخِباءِ وكُلُّها وِزْرُ
كحُكمِ العظمِ فى العذرىِّ: عجزٌ زادهُ الخَوَرُ 3
سفاسفةً لاضَميرَ لَهُم بعِنةِ فكرٍ مالها عُذرُ
خِدجُ الحِجَى بلْ عُمْىُ البصِيرَةِ مالَهُم نَظرُ
نَضارُ البانِ فى بلَدى وهُمْ يَستهْويهُمُوا العُشرُ
لا تحْزنَّ خَيَّاتى فَهُمو الهوامُ والجُرذانُ والحَشَرُ
وغباءٌ تآذت من صُمخِه البُغْلانُ والحُمْرَانُ والبقرُ
لك يا بنت مكناس معذرة فأهلُك العُلماءُ والخِيَرُ
وأنتِ فى حِفظٍ يابنتَ الكرام وصَونٍ أصله الطهرُ
فرَبْعُ شنقيطَ دارُعلمٍ وهدىً ومَابِه غَدْرُ
خِزيًا تَنطَّع السَفهاءُ مِنَّا فجئناكُمُ للدارِ نعتذرُ
نَرُومُ الصَفحَ إذ قدْ ذاعَ قِيحُ القولِ والخبرُ
لكنْ ماهَمَّنى أبَداً إن كُنتِ فاتنةً أو للدُنا بدرُ
أو نَفرٌ تغَزَّلَ فيكِ شعراً ممن دِينُه المَكرُ
فَنِساءُ قوْمى لامَثيلَ لَهُنْ بِهِنَّ العِزُ والفخْرُ
ووطنى أحَبُ إلىَّ من روحى فَدَاه القلبُ والبصرُ
لبنَاتِنا شَهِدتْ بناتُ الحورِ وأمَّنَ الجنُ والبشرُ
بهِنَّ تَغَّنتْ طيورُ الشوقِ ألحاناً وصفَّق النهرُ
وكخَطوِهِنَّ ارتَقى رقصُ الفراشِ فأيْنَعَ الزهرُ
واحتذتْ من سَنا أرواحِهِّن بريقها الأفلاكُ والقمرُ
جمالُ مَفَاتن قِدٍ وسحرُ لحاظٍ زانَها الحَورُ
أجَلُّ إناثِ الأرضِ خَيَاتِى وكُلْ ما أنْجَبَ الدهرُ
قاتَلنَ العِدى عَبرَ الزمانِ ودوماً حَفَّهُنْ نصرُ
قَاومْنَ الطُغاةَ مضاءةً ماشابَهُنْ خَوْفٌ ولاذُعرُ
حَفِظنَ تراثًا للورى مَثلاً تزهوبه الأمجادُ والعِبرُ
بعزمٍ زَرَعْنَ بلاداً رَوتها الأنهارُ والآبارُ والمطرُ
دأباً عَمِلنَ بليلٍ وإصباحٍ ما عاقَهُنْ بردٌ ولاحرُ
وكمْ أجْيَالاً رَعَينَ بحِنكةٍ فحارتِ الآسادُ والنُمُرُ
نشدن مراقىٍ للمعارفِ والعُلومِ عُلاً فأذعَن القدرُ
الطبُ بالجَهدِ دانَ لهنَّ والإعِمارُ والتعدِينُ والفِكرُ
طرَقنَ بحُورَ النظمِ إبداعًا وانثالَ من إقلامِهنْ نثرُ
ياباسِقاتَ النخلِ مُثمرةً بكُّن تَزَّينَ الطلعُ والتمرُ
ويانَديَّاتَ اللِّين سَامقة أنتُنَّ حَقا للمُنتهى سِدرُ
فكل نساء الأرض أحجارٌ وأنتُنَّ الياقوت والدررُ
---------------------------------------------
سورة الحجر - سورة 15 - آية 88 -1
"لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين"
2- سورة طه - سورة 20 - آية 131
"ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى"
3- إشارة إلى كتاب صادق جلال العظم الذى طرح فيه رأيه فى شعر الغزل: فى الحب والحب العذرى
--------------------------------------------
عبدالرحمن إبراهيم محمد
بوسطن الولايات المتحدة
27 مارس 2010
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.