أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"القرآن دستور الأمة" و"الحاكمية لله": وجهان لشعار داعشي واحد .. بقلم: أمين محمَد إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 08 - 11 - 2016

أبو بكر الرازي حامل لواء العقل و العقلانية، في محاجاته الكلامية وتلاسناته الساخرة ضد السلفية:"الباري عزً اسمه، إنما أعطانا العقل، وحبانا به لننال ونبلغ به من المنافع العاجلة و الآجلة، غاية ما في جوهر مثلنا نيله و بلوغه .... وبه أدركنا الأمور الغامضة البعيدة منا الخفية المستورة عنا .... وبه وصلنا إلي معرفة الباري عزً وجل الذي هو أعظم ما استدركنا. و إذا كان هذا هو مقداره، أي العقل، ومحله وخطره وجلالته، فحقيق علينا ألا نحطه عن رتبته وننزله عن درجته، و لا نجعله، وهو الحاكم محكوماً عليه، و لا وهو الزمام مزموماً، .. و لا، المتبوع تابعاً".
و بألسنة حداد يسلق ويصلي السلفيين ويصفهم بلحى التيوس، المتصدرين المجالس، يمزقون حناجرهم بالأكاذيب والخرافات، وحدثنا فلان عن فلان بالزور والبهتان! والرازي بهذا الوصف والتشبيه لا يذهب بعيداً عن معنى:"يتلون كتاب الله طياً لا يتجاوز حناجرهم".
فالسلفيون قديماً وحديثاً، لا يقبلون حقيقة موضوعية توصَل إليها العقل الإنساني بغير طريقهم، ويتحزبون لتفسيرهم للنص أكثر من مضمون وجوهر النص، ومع الزمن يحل التفسير محل النص.
نقد، محمد إبراهيم، في حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية، الشركة العالمية للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الثانية عام 2000م، ص 80.
في خطاب ألقاه في احتفال بحفظة القرآن، بمدينة بور تسودان، في خواتيم العام الماضي، قال رئيس دولة وحزب المؤتمر الوطني (بحسب وسائط اعلام نظامه) بأن: "القرآن دستور الأمة". و نشير إلي أن هذا الشعار ومعه توأمه السيامي "الحاكمية لله" يشكلان وجهان لمبدأ داعشي واحد، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإننا نحاول في ثنايا هذا المقال، دحض وتفنيد هذين الشعارين، ونردهما ( أدناه بتفاصيل أكثر) إلي مصدرهما في تخريجات و مزايدات الخوارج، ثم أيديولوجية حكام بني أمية، ومنها تسللا إلي أيديولوجية الإخوان المسلمين، في مبادئ دعوة مؤسس حركة الإخوان المسلمين الإمام حسن البنا 1928م: "الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، و الإسلام هو ألا حكم إلا لله "، ثم فيما نقله سيِد قطب عن تخريجات أبو الأعلى المودودي.
و نبدأ بالقول بأنه ليس في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أي نص يشير صراحة أو ضمناً إلي أن القرآن دستور بالمعنى الذي يكاد يجمع عليه فقهاء القانون الدستوري، في تعريفهم للدستور، تعريفاً يفند ويدحض وينفي بذاته، زعم الإمام البنا بأن القرآن دستور. فالدستور وثيقة قانون أساس ناظم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، بصفتيهما التعاقدية كأصيل و وكيل و تحدد حدود التزامات طرفي العلاقة و واجباتهما و حقوقهما، كما تحدد كيفية و أسس إختيار الحاكم، وحدود سلطاته وصلاحياته و كيفية ممارسته لها و وسائل وآليات محاسبته وعزله، في حال إخلاله بشروط عقد التفويض والإنابة .... إلخ.
نضيف إلي ذلك أن المفكرين و الفلاسفة، في قد أفاضوا التنظير لفقه الدستور وشرحه، و انتهوا إلي ما يشبه الإجماع، على رأي الفيلسوف الفرنسي، جان جاك روسو، القائل بكون الدستور، في حقيقته، "عقد اجتماعي"، بين الحاكم و المحكوم، يفوِض بموجبه المتعاقد الأول "المحكوم"، "الحاكم" المتعاقد الثاني، صلاحيات إدارة شئون مصالحه و أموره الحياتية. و وفقاً لهذا النظر، فإن الأصل، هو أن المحكوم هو صاحب الحق الأصيل، في إدارة شئون مصالحه و كافة أموره الحياتية بنفسه، و لكنه لضرورات اجتماعية موضوعية، معلومة يضيق المجال، للخوض في تفاصيلها هنا، يتنازل عن هذا الحق، لمن يأنس فيه الاقتدار و الكفاءة، في أداء أمانة التكليف، والقيام بموجبات الوكالة و التفويض. فيختاره بمحض إرادته الحرة، لينوب عنه و يقوم مقامه، بالشروط التي يقررها هو "حصراً"، كصاحب حق أصيل. و غني عن القول، أن النظر إلي الدستور، كعقد اجتماعي، مفهوم لم تستحدثه الفلسفات الغربية، الممتد تطورها من عصر الفلسفة اليونانية، و مرورا بالقرون الوسطي، وعصر التنوير و الليبرالية، و وصولاً للفلسفة المعاصرة. بل هو مفهوم قديم قدم تاريخ المجتمعات البشرية. وفي واقع الأمر، فإن ما توصلت إليه تلك الفلسفات، من مفهوم العقد الاجتماعي، هو حصيلة دراسة و تقصي الفلاسفة، لوقائع و حادثات التاريخ البشري، و منجزاته الفكرية والفلسفية. و لا يقتصر انطباق، ما تقدم ذكره، على الفقه العقلاني الوضعي حصراً، بل ينطبق أيضاً، على التشريعات ذات المرجعية الدينية، و منها الإسلام. و يعتقد كثيرٌ من المفكَرين، و العلماء المتخصصين، إلي أن الإسلام الدين لم يعرف الحكم بمعناه الدنيوي، كما عرفه الإسلام التاريخ، و أن ذلك هو سبب أخذ الاسلام بنظام الحكم، المستمد من جماع التقاليد و الأعراف القبلية، التي سادت في جزيرة العرب، قبل نزول الوحي، و انتشار الإسلام. و استدلوا على سداد و وجاهة اعتقادهم هذا، بغياب النصوص الشرعية المقدسة، عن الحكم بمعناه المذكور. فليس في مصدري التشريع الأساسيين، القرآن الكريم و السنة المطهر أية إشارة لنظام الحكم، بمعناه المتعارف عليه و المتداول، اليوم أو حتى في العهود المعاصرة لنزول الوحي أو السابقة له، أي كنظام إدارة شئون العباد الدنيوية المحضة، كطريقة اختيار الحاكم، و طبيعة علاقته بالمحكومين، و مدة حكمه، و كيفية عزله، ومصدر سلطاته .. الخ.
و من أراد الدليل على خلو آيات القرآن الكريم من ذكر الحكم بمعناه السياسي و سلطة إدارة الشئون العامة، فنحيله إلي كتاب الله الكريم، والسنة المطهرة ومصادر تفسيرهما الأثبات والأسس، فمن وجد فيهما نصاً يخالف ما انتهينا إليه، فليخرج بنصه و أدلته إلي الناس.
و يشير الأستاذ/ خليل عبد الكريم، في معظم مؤلفاته، أن الإسلام – الدين، و بخلاف الإسلام -التاريخ لم تتطرق نصوصه للحكم بمعناه السياسي المتداول اليوم، أي بمعنى إدارة شئون البلاد العباد، أي شئونهم السياسية - الاقتصادية - الاجتماعية و تصريف أمور الدولة واختيار الحكام وتحديد صلاحياتهم و تعيين كيفية محاسبتهم وعزلهم. أما الإسلام التاريخ، فقد واجهت دولته معضلة و إشكاليات الحكم بمعنى الإدارة والسياسة فكان لابد أن يتطرق له تنظيراً و تطبيقاً، لم يجد المسلمون في الإسلام الدين ما يعينهم عليهما، فأخذوا - بطبيعة الحال - من الأعراف والتقاليد القبلية، التي سادت في جزيرة العرب، قبل نزول الوحي، في كيفية اختيار زعماء وشيوخ القبائل وفي أساليب الإدارة والحكم واختيار القادة العسكريين. و يضيف الأستاذ العالم، خليل عبد الكريم، أن أخذ الاسلام بالأعراف والتقاليد القبلية فيما يتعلق بالحكم و الادارة منطقي جداً (في تقديره)، فتاريخ الإسلام، لم يكن نسخاً أو إلغاءً، لتاريخ القبائل العربية قبله، بل شكَل جزءاً لا يتجزأ، من ذلك التاريخ، و إمتداداً طبيعياً له. و ينتهي إلي أن الإسلام، قد أخذ في أسس اختيار الخلفاء، كل ما كان سائداً قبله من أسس اختيار شيوخ و زعماء وقادة القبائل، دون إدخال أي تعديل عليها سوى إحلاله أهل الحل والعقد من الصحابة، محل الملأ في قريش، و هم علية القوم في الجاهلية.
و لمن عازه الدليل أيضاً، على خلو النصوص المقدسة من أية إشارة إلي الحكم بمعناه السياسي المتداول اليوم، نشير إلي أحداث التنازع الضاري و الصراع حامي الوطيس، الذي وقع في سقيفة بني ساعدة، بين المهاجرين والأنصار، و كلهم من الصحابة (رضي الله عنهم). و كان صراعهم حول خلافة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، في قيادة دولته، عشية رحيله إلي جوار ربه - راضياً مرضيا - بعد أن بلَغ الرسالة و أتم البعثة و أنجز التكليف السماوي على أكمل وجه. و تجِمعُ مصادر التاريخ الإسلامي، على أن طريقة اختيار الراشدي الأول كان قد اكتنفها اختلاف شرس، و صراع و سجال مرير كاد أن يعصف بوحدة المسلمين. كما أجمعت المصادر دون استثاء، على أن معارضة بيعة سيِدنا أبي بكر، قامت على اسباب ومبررات سياسية اقتصادية بحته، ليس من بينها ما يتصل بتدينه أو تقواه و استقامته الدينية. كما اجمعت المصادر أيضاً على اختلاف جوهري بين كيفية اختيار كل من: الخليفة الراشدي الأول، و خلفه الخليفة الراشدي الثاني، و كذلك على اختلاف كيفية اختيار الراشديين الثالث والرابع عن طريقة اختيار سابقيهما. فإذا كان القرآن دستوراً، بالمعنى المتعارف عليه، والذي أوردناه في موجز تعريفنا له و المار آنفاً، فما الذي جعل المسلمين، يختلفون كل ذلك الإختلاف في كيفية اختيار الخلفاء الراشدين الأربع دون استثناء؟؟. القرآن كتاب الله وفيه أوامره و نواهيه و أحكامه، وكلها ملزمة و واجبة الإتباع، ولا يجوز مخالفتها أو الاختلاف حولها. أما أمر الحكم، وهو موضوع الدستور كما أسلفنا القول، فهو أمر دنيوي صرف، محكوم بالمصالح والطموحات حيناً، وبالأهواء و الرغبات الذاتية والأطماع أحيانا. وقد أثبتت أحداث التاريخ أن المسلمين لم يتنازعوا على شيء في تاريخهم كتنازعهم على كيفية اختيار خلفاء الرسول الكريم.
"قال ابن اسحاق قال الزهري وحدثني عبد الله بن كعب عن عبد الله بن عباس قال خرج يومئذٍ علي بن أبي طالب على الناس من عند رسول الله (ص) فقال له الناس يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله (ص) قال أصبح بحمد الله بادئا قال فأخذ العباس بيده ثم قال ياعلي أنت والله عَبْدُ العصا بعد ثلاث أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله (ص) كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب فأنطلق بنا إلي رسول الله (ص) فإن كان هذا الأمر فينا عرفنا و إن كان في غيرنا أمرناه فأوصى بنا الناس فقال له علي إني والله لا أفعل والله لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده". (إبن هشام الجزء الثاني ص1010). يقول دكتور أيمن إبراهيم، بأن القرآن لم يأت بنظرية حكم، ودعا فقط إلي الشورى وطاعة أولي الأمر، وأن سلوكيات الرسول (ص) لم تأت بتفاصيل جدية تخرج عن المعاني القرآنية العامة، و أن الأمة ككيان سياسي – اجتماعي لم تحدث أية تعديلات جدية في التركيبة العامة للعلاقات القبلية السائدة كما يستدل دكتور أيمن بواقعة الإمام عي وابن عباس (رضي الله عنهما)، ومجمل الصراع في حادثة السقيفة، على افتقاد المسلمين حتى هذا الوقت وهذه المرحلة من تطور الأمة إلي معايير عامة متفق عليها لتحديد مسألة الخلافة. (الاسلام والسلطان والملك، ص 118).و لنا أن تنساءل حقاً، إذا لم يك ما شاب، اختيار كل من الخلفاء الراشدين، من تنازع و اصطراع آراء محكوميهم، المرتبطة بالمصالح الدنيوية، فما الذي جعل ثلاثة منهم هم عمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم)، يقتلون لأسباب لها علاقة وثيقة بالاختلاف حول كيفية اختيارهم، أو بالاختلاف على كيفية، تصديهم لمهام وظائفهم كخلفاء، لخليفة الرسول الكريم في تدبير شئون المسلمين في دولتهم؟؟.
نهى التشريع الإسلامي بمصادره المعروفة، عن كل منكر من أعرف وتقاليد وسلوك وتصرفات الجاهليين من أفراد وجماعات وقبائل وأقوام وأهل كتاب و مشركين....إلخ الكيانات المجتمعية والسياسية والادارية، والكينونات القانونية التي انتظم فيها العرب قبل نزول الوحي. و مع ذلك فلا يجد الباحث في مصادر التشريع الاسلامي، أية إشارة لرفض الإسلام لنظام القبيلة، كوحدة إجتماعية وسياسية وإدارية وحقوقية، كما لا يجد أيضاً، الدليل على استنكاره منظومة الأعراف والتقاليد والقيم، الناظمة لحياة تلك القبائل و ما أقرَتها من تدبير في تسيير شئونها و إدارة مصالحها المختلفة. ليس هذا فحسب، بل تؤكِد شواهد و أدلة لا حصر لها، أن في تاريخ الإسلام، إقرار الدين الإسلامي بالقبيلة كأمر واقع، و استمرار الإعتراف بها، ككيان قانوني وشخص اعتباري، ينوب عن أفرادها في التفاوض والتعاقد و أداء الديات و إبرام العقود والعهود والتحالفات. وذلك بدليل تدشين الرسول (ص) الدعوة للإسلام بمقابلة وفود القبائل في الحج ومواسم الأسواق. وكذلك عقد بيعتي العقبة الأولى والثانية و إبرام صحيفة المدينة مع وفود القبائل، ثم استقباله وفودها بعد فتح مكة، و أخذ بيعة ممثليها، فيما عرف بعام الوفود. كما احتفظت القبائل، في عهود الخلفاء الراشدين، و ما بعدها، بذات مراكزها القانونية و وظائفها الادارية، فاستمر الخلفاء يوجهون الدعوة لرؤسائها و زعمائها، لتجييش المسلمين وإرسالهم للغزوات، وكذلك في استلام أسهم مقاتليها من الغنائم والفيئ بذات الصفة والكينونة القانونية. ونضيف أن الرسول عليه صلاة السلام كان يعقد عقوده مع القبائل بالاستناد والرجوع إلي منظومة الأعراف و القيم والتقاليد القبلية السائدة وفيها القبائل المشركة واليهودية ولم يشر إلي أن القرآن دستور الأمة في أي من تلك العقود، ونذكر منها بيعتي العقبة الأولى والثانية وصحيفة المدينة و نضيف إليها أمهات خطبه كخطبة الوداع.
و تجدر الإشارة إلي أن الخطوة الأولى، لتحجيم دور القبيلة وعزلها و إقصائها وحجب حقوقها كممثل قانوني لأفرادها، قد بدأت منذ عهد الخليفة الأموي، معاوية بن أبي سفيان، وذلك في سياق، تطور دولة الخلافة، بفضل اتساعها بالفتوحات، وازدياد وتراكم مواردها وثرواتها، و ما نتج عن كل ذلك من فرز اجتماعي حاد، ظهرت تجلياته في نشوء حكم يمثل مصالح ارستقراطية قريش، على يد حكام بني أمية فاقتضت مصالحهم انقلابهم على كل منظومة الأعراف والقيم والتقاليد القبلية، لتحقيق هدف واحد، هو فصل الحكم من قاعدته المتمثلة في عامة المسلمين، لإنشاء جهاز دولة مستقل و فوقي، قوامه الخلافة وعسسها وغيره من أدوات القمع و الردع والإخضاع . و لا شك أن سبب الانقلاب على الأعراف والقيم القبلية، هو تناقض وتصادم، مع مصالح الإرستقراطية القرشية عامة و حكام بني أمية خاصةً مع المحتوى الاجتماعي والاقتصادي لتلك القيم والأعراف: "المتمثل في مبدأ أن المسلمين (أصالةً) هم مصدر الحكم، و أصحاب المال، و ما يترتب على ذلك، من حقهم في اخضاع من ينوب عنهم (وكالة) لإرادتهم و إخضاع تصرفه في المال لرقابتهم.
لذا لجأ حكام بني أمية، إلي مبدأ "الحاكمية لله" ومفاده هو أن سلطة الحكم ليست لجماعة المسلمين، بل "هي لله"، وأنه سبحانه وتعالى يوليها الحاكم خليفته في الأرض، (يلبسه ويقمصه الحكم بحسب تعبيرهم) ليمارسه كيف يشاء، وليس لأحد من الناس أن يراجعه أو يحاسبه. و أن المال مال الله، يتصرف فيه خليفته (الحاكم) كيفما شاء، دون رقابة أو محاسبة من أحد.
و تجمع المصادر على إقرار الراشدين الأول والثاني، قولاً وعملاً مبدأ أن المسلمين هم مصدر السلطة وأصحاب المال، وحقهم في اختيار من يحكمهم وفي الرقابة عليه، وهو المبدأ الذي يتوافق ويتطابق مع منظومة الأعراف والقيم القبلية. كما تجمع المصادر، على خروج الخليفة الراشدي الثالث، على مبدأ سابقيه المتوافق مع الأعراف والقيم القبلية، وسبب ذلك هو أن مفهومه للخلافة و مضمونها ووظائفها كان مغايرا تماماً لمفهوم ألصديق والفاروق، شأنه في ذلك شأن الآرستقراطية القرشية عامة وبني أمية خاصةً. ولذا شهد عهده انقلابه على مبادئ ومفاهيم سابقيه، كما جسد الشكل الجنيني لانفصال الخلافة عن جمهور المسلمين. و بقدر ما كان هذا الموقف مصادماً، لما ألفه المسلمين قبل وبعد الاسلام، على عهد أبي بكر وعمر، كانت مقاومة المسلمين له عنيفة وشرسة. ولاشك أنَ إصرارَ سيِدنا عثمان على إغفال وتحدي إرادة المسلمين و تنزيل مفهومه لأرض الواقع، هو ما كلفه حياته، بتلك الصورة المأساوية، على أيدي كبار صحابة رسول الله، فيما يعرف في تاريخ الإسلام بالفتنة الكبرى. وفي تقديرنا أن هذا المفهوم كان نتاجاً طبيعياً، لوضع اجتماعي بدأ في التبلور طوال سنوات تطور الدولة الاسلامية الوليدة، وأفصح عن نفسه بشكل أكثر وضوحا في الفترة الممتدة من فتح مكة وعقب وفاة الرسول (ص)، كما عبرَت عنه بوضوح تام أيديولوجية شريحة الارستقراطية القرشية عامةً، و ممثليها بني أمية خاصة، كطامحين وطامعين في وراثة سلطة الدولة الإسلامية الآخذة في النمو والاتساع وقتها.
أخذ منظروا الإسلام السياسي، أيديولوجية الأمويين هذه، من قراءتهم للتاريخ، فجعلوها المصدر التاريخي و الفعلي، لشعاري الإخوان المسلمين "الحاكمية لله" و "القرآن دستور الأمة". وتؤكد هذه الحقيقة نظرة واحدة للتطبيق المعاصر لأيديولوجية الأمويين على يد ورثتهم وخلفهم من الأمويين الجدد في السودان فيما يفعلونه باحتكار السلطة والمال العام.
ويلحظ أن أهل الاسلام السياسي من فرط تعصبهم لنظرية الحاكمية قد جعلوا دبر آذانهم آراء بعض ممن يتخذونهم مرجعيات من الأئمة. "سئل الإمام أحمد بن حنبل، عن الرجلين، يكونان أميرين في الغزو، و أحدهما فاجر قوي، و الآخر صالح ضعيف، مع أيهما يُغزى؟؟ فقال:"أما الفاجر القوي، فقوته للمسلمين و فجوره على نفسه، و أما الصالح الضعيف، فصلاحه لنفسه، و ضعفه على المسلمين". كتاب "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي و الرعية – الفصل الثالث – لشيخ الإسلام ابن تيمية. كما يغفلون كذلك آراء متأخري الفقهاء المعاصرين. " الخليفة عند المسلمين، ليس بالمعصوم، و لا مهبط الوحي، و لا من حقه الاستئثار بتفسير الكتاب و السنة ..... و إذا كانت الأمة هي التي نصبته، فالأمة هي صاحبة الحق في السيطرة عليه. وهي التي تخلعه، متى رأت ذلك من مصلحتها. فهو حاكم مدني من جميع الوجوه". "الإسلام و النصرانية" للإمام محمد عبده. " الخليفة كأي حاكم في الإسلام، ليس ممثلاً للسلطة الإلهية، و هو لا يستمد سلطاته من السيادة الإلهية، و إنما هو ممثل الأمة التي اختارته. و يستمد منها سلطاته المحدودة. فالحق في التشريع، أصبح بعد انقطاع الوحي، وديعة في يد الأمة، لا في يد الطغاة من الحكام و الملوك". "فقه الخلافة و تطوَرها". للدكتور عبد الرازق السنهوري.
تخلو المصادر التي أرخت لصدر الاسلام، ومنه عهد الخلفاء الراشدين، عن الإشارة لأي اختلاف و تنازع وتناحر جوهري، وقع بين المسلمين، فيما يتعلق بأصول عقيدة الإسلام وعباداته ومعاملاته، وذلك لأن الاستفهامات والأسئلة التي جابهت المسلمين الأوائل وطرحها التطبيق كانت تجد إجابتها من الوحي إلي الرسول الكريم مباشرة، ومن سنته القولية والفعلية كنموذج للفعل الاسلامي الصحيح إضافة إلي أن السنة بشقيها كانت بمثابة مذكرة تفسيرية لما جاء به الوحي. ولكن ذات المصادر، تفصل وتستفيض في رصد إختلاف وتنازع المسلمين و فيهم صحابة رسول الله، في أمر اختيار الخلفاء، بعد رحيله إلي رحاب خلقه، بعد أن بلغ رسالته و أكملها و أتمها، كما أسلفنا القول.
و تؤكِد السنة النبوية القولية و الفعلية، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد رسم حدودا فاصلة بين وظيفته كرسول مكلف بتبليغ ما نزل عليه عن طريق الوحي، من جهة، ومن جهة أخرى، كرئيس وكقائد وزعيم لدولة المسلمين. و تعطينا المصادر قوله عليه الصلاة والسلام في حديث تأبير النخل كنموذج لهذا التمييز فيأمر أتباعه وصحابته بأن ما جاء به الوحي هو الملزم حصراً، أما ما لم يأت به الوحي، فهو دنيوي محض، أي ليس واجبا دينياً يلزم اتباعه. وختم حديثه للمسلمين ب "أنتم أدرى بشئون دنياكم". و أمرهم أن يطيعوه فيما يقوله لهم نقلاً عن الوحي، أما فيما عدا (ما نزل به الوحي) فقد بيَن لهم بجلاء، ألا إلزام عليهم لاتباع رأيه عليه الصلاة والسلام، لأنه في هذه الحالة يكون اجتهاداً بالرأي كإجتهاد أي واحد منهم، في إشارة لاجتهاده الرأي في مسألة تأبير النخل. ونخلص من كل ذلك إلي أن خلو آيات وسور القرآن الكريم مما رصدناه آنفا في تعريف الدستور من خصائص و مميزات، ليس نقصاً أو قصوراً حاشا وكلا، وإنما هو ترك لما لا يلزم المخاطبين من تشريع و أحكام فائضة عن حاجتهم الفعلية. ومن يقولون بخلاف ذلك إنما هم يستنطقون القرآن بما ليس فيه, لحاجة في نفسهم، تماماً كما فعل من قبلهم الأمويون معاوية و عمرو بن العاص وزياد بن أبيه والحجاج بن يوسف، و من تبعهم من منظري الإخوان المسلمين كالمودودي و حسن البنا وسيِد قطب.
أما "شعار القرآن دستور الأمة"، و صنوه مبدأ "الحاكمية لله"، و معها شعارات كثيرة كتكفير المجتمعات و هجرتها، بنية العودة لردها لديتها بالجهاد بالسيف، فمن الركائز الفكرية الأساسية التي قام عليها تنظيم الإخوان المسلمين، الذي تناسلت عنه كل أشكال جماعات الإسلام السياسي، من التكفير و الهجرة إلي جبهة النصرة والجهاد و القاعدة و الشباب الصومالي و بوكو حرام فداعش وما يعرف بنظام الإنقاذ... إلخ القائمة. إذن فباستثناء أن داعشيي العراق والشام وغيرها، لا يترددون عن تنفيذ، المفصح عنه من كامل أيديولوجيتهم، المضمرة والمستترة، في أيديولوجية غيرهم من جماعات الإسلام السياسي، ومنهم اسلامويي السودان، فليس ثمة فرق جوهري، بين داعش و غيرها من جماعات الإسلام السياسي، كالمؤتمر الوطني في السودان. و عليه فإنه في ظل حكم وهيمنة، نظام حكم كنظامهم، تعود مرجعيته النظرية، لأيديولوجية الإخوان المسلمين، ويؤمن ويردد قادته شعاراته ك "الحاكمية" و "القرآن دستور الأمة"، فمن الطبيعي والمنطقي، أن تجد ظاهرة خروج الطلاب والشباب السوداني من الجنسين، و انضمامهم زرافاتا و وحدانا، إلي داعش في سوريا والعراق وليبيا ونيجيريا ومالي. و لا محل مطلقاً، مِنْ ثَمْ، لاستغراب ذيوعها و استفحالها. و في تقديرنا أن شعب السودان، يعي و يدرك هذه الحقيقة البسيطة. لذا لم و لا و لن يخدعه افتعال و اصطناع النظام وأعوانه الدهشة الكاذبة و الزائفة، من تفاقم ظاهرة، هي في واقع الأمر، من صناعة يديه. فكما يدرك شعب السودان، أسباب نشئوها و مبررات نموها و تطورها، فإنه يعرف مَنْ المسئول عنها، بالتحديد و التعيين والدقة.!!
نعود إلي حجتنا في دحض وتفنيد الشعارين، فنقول أن أبرز مميزات الأديان عامةً، والإسلام بصفة خاصة، في "تأصيل" كل ما يجد و يستحدث من أمور وشئون الحياة، هي الاحتكام إلي نصوص مصادر التشريع المرجعية الأثبات، و في مقدمتها القرآن الكريم ثم السنة النبوية الشريفة، و يليهما تباعاً الاجماع والقياس و بقية المصادر الأخرى المعلومة، و من ثم الاحتجاج على كل من مستحدث رأي أو حكم، بأن يقدِم نصاً شرعياً يسنده. فإذا كانت ذات مصادر التشريع الإسلامي الأسس، خُلُواً من أية إشارة إلي "الحاكمية لله" و "القرآن دستور الأمة"، وكانت نفس الشعارات، من ركائز فكر الإخوان المسلمين، فلن يعجزك أبدا، أن تدرك أن مصدر الشعارين، ليس أصلاً من اصول الاسلام، وإنما هما مدسوسان عليه، بقصد تحقيق مكاسب دنيوية، عن طريق استغلال و توظيف الدين، لأغراض لا علاقة لها بصحيح جوهره. و لكن ومع ذلك يبقى السؤال، كيف و لماذا أفلتت مثل هذه الشعارات، من فحص و "سؤال فلترة التأصيل"، سؤال أين دليلها في المصادر المذكورة؟؟. و نطرح هذا السؤال، مستصحبين ما ورد في كافة مصادر تاريخ الاسلام عن صراعات و سجالات و اجتهادات المذاهب والمدارس الفقهية والفكرية، و كيف أن السلف الصالح فيما تخبرنا به تلك المصادر كان قد احتكم واحتج، وعلى نحو صارم، على مجترح أي رأي جديد بأدلته من نصوص الشرع. فما تجرأ أحدٌ، في زمانهم ذاك، و بادر باجتهاد رأيٍ، وإلا وقد وجد من و قف له بالمرصاد، " ونَطّ له في حلقه" كما في عبارتنا العامية، و طالبه بذكر دليله من القرآن أو السنة. فإذا كان ذلك، وكانت شعارات " القرآن دستور الأمة" و "الحاكمية لله" تُشكِلُ المحور المركزي، من فكر الجماعات الإسلام السياسي، فمن حقنا إذن، أن نأخذها بتلاليبها، ونلزمها بإيراد دليلها، على ورود ذكر شعاراتهم، في أي من نصوص القرآن والسنة...إلخ.
و تجمع المصادر المذكورة، على أن اصطكاك عبارة الحاكمية كانت على يد فريق من جيش الإمام علي (عرفوا بالخوارج لاحقاً)، و كان ذلك أثناء معركة صفين بين الإمام علي و معاوية، حيث رأى هذا الفريق في رفع المصاحف على أسنة الرماح من قبل جيش معاوية، دعوة للاحتكام إلي كتاب الله، بينما رأى سيدنا علي (كرم الله وجهه) أن الأمر لا يعدو كونه خدعة الهدف منها كسب الوقت و الالتفاف على نتائج المعركة، التي كانت في طريقها إلي الحسم، على يد جيشه. فخيَر (الخوارج) علياً بين النزول على رأيهم وبين الحرب، مدعين أنَ رفض الاحتكام إلي كتاب الله (كُفر). فما كان من عليً إلا أن ردَ عليهم:" هذا كتاب الله بين دفتي المصحف لا ينطق و لكن يتكلم به الرجال". أي أن القرآن في النهاية يخضع للتفسيرات البشرية المختلفة. ونذكر أيضاً من باب - الشئ بالشئ يذكر - أن علياً كرم الله وجهه، هو نفسه القائل لمندوبه "عبد الله بن عباس" في مجادلة الخوارج، بأن يحاججهم بالسنة النبوية، لا بالقرآن، فإنه حمَال أوجه.
جاء بويكيبديديا، الموسوعة الحرة على الشبكة الدولية للمعلومات ما يلي:" ويتجه العديد من الباحثين، إلي أن مفهوم الحاكمية، ليسر مفهوماً أصوليا، و إنما طرحه - أول ما طرحه - الخوارج اعتراضاً على واقعة التحكيم بين علي و معاوية، (والصحيح والأدق هو أنهم طرحوه لإلزام الإمام للنزول على رأيهم وقبول التحكيم، ثم عادوا وطرحوه إعتراضاً، على قبوله التحكيم). ثم أعاد طرحه أبو الأعلى المودودي، وترجمه إلي العربية سيِد قطب في كتابيه "معالم في الطريق" و "في ظلال القرآن" ".
و أوردنا ما جاء بالويكيبيديا، رغم التكرار، لتصويب وتصحيح معلوماتها غير الدقيقة. فسبق الخوارج بطرح مبدأ الحاكمية، لا خلاف عليه، وكذلك أعادة أبو الأعلى المودودي طرحه كنظرية، وبترجمتها إلي العربية، و الترويج لها بواسطة سيد قطب. و لكننا نضيف أنَ هذا القول – رغم صحته – يعتوره النقصان، و أنه رصد إفتقر إلي الدقة، لأنه أغفل ما جرى، بين طرحه أول مرة ( بواسطة الخوارج)، و إعادة طرحه، (بواسطة المودودي – قطب) مرة أخرى، و هو أن مفهوم الحاكمية لله قد وجد طريقه إلي التطبيق العملي على يد بني أمية منذ عهد خلافة سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، بل وجد تجسيده في سياسات سيدنا عثمان، - في سياق الوجهة العامة للأمويين – عزل و إقصاء الصحابة، و ولاة و معاوني عمر، وتعيين الأمويين عامة، و أقارب و أهل عثمان خاصة، و إطلاق يد الخليفة و ولاته و أهله، في مال المسلمين. و قد و ظَف الأمويون و استخدموا (مبدأ الحاكمية) لفرض كامل سيطرتهم و هيمننتهم على سلطة الحكم والمال، وتركيزها في أيديهم، بعد عزل و إقصاء مصدرها الأساسي المتمثل في جماعة المسلمين وتجريدهم رويدا رويدا من حقوقهم في إختيار الخليفة ومحاسبته وفي مراقبة هو و ولاته في التصرف في المال العام، وبهذا صادروا حقهم، في التحكم في التصرف في مالهم . و تشير المصادر، إلي عبارات دالة على مبدأ الحاكمية لله مثل: (كيف أخلع قميصاً قمصنيه أو ألبسنيه الله) والمال مال الله بحسب (بني أمية) و الحكم عبادة بحسب (بني أمية الجدد في المؤتمر الوطني)، وترجمتها هي أن عامة المسلمين (الشعب بلغة اليوم) لا علاقة لهم بسلطة الحكم و التصرف في الأموال العامة. أنظر كيف احتكر، أهل المؤتمر الوطني السلطة السياسية والتنفيذية والتشريعية والوظائف العامة والخاصة والمال و الموارد، بعد أن جرَدوا شعب السودان من كل حقوقه. كما تشير المصادر أيضاً، إلي أن هذا المنحى الجديد، الذي اتخذه حكام بني أمية، كان مخالفاً لسياسات، كل من الراشدين الأول و الثاني، أبوبكر و عمر (رضي الله عنهما)، و كيف كان خروجاً كلياً عما جرى عليه العمل في عهديهما، ونفياً تاماً لما عبَرا عنه مرارا و تكراراً، قولاً وفعلاً و بوضوح تام، بأن المسلمين هم مصدر شرعية الحكم، وأنهم أصحاب الحق في المال العام، و أن الخلافة تستمد شرعيتها من اختيار و تفويض المسلمين، بمعنى أن الخلافة، كما فهمها الراشدون أبوبكر و عمر وعلي (رضي الله عنهم)، لا تعدو كونها وكالة و إنابة عن المسلمين تنعقد للخليفة بالبيعة (الانتخاب بلغة اليوم).
و نشير هنا، إلي مفارقة أن نفس من أرغموا علياً على النزول على رأيهم وقبول التحكيم، هم أول من خرجوا عليه، بدعوى أنه بقبوله الاحتكام إلي تحكيم البشر قد خالف مبدأ الحاكمية لله. و هي واقعة بالغة الدلالة، على خطورة اقحام الدين في السياسة، وخلط الثابت الاعتقادي بالمتغيِر الدنيوي، هذا من جهة. و من جهة أخري، تؤكِد هذه الواقعة، تلازم ظاهرتي الغلو والتطرف و التشدد الديني، وعدم الثبات على المبادئ والمزايدة والانتهازية السياسية، بل التقافز في المواقف من النقيض إلي النقيض. و فيما يبدو أنها سمة عتيقة وضاربة في القدم في تاريخ الصراع السياسي - الاجتماعي.
بحديثه بعاليه يشير الإمام علي، وهو من هو في سبقه في الإسلام وملازمته الرسول (ص) منذ دخوله الاسلام يافعاً، و كذلك في علمه الواسع وفصاحته وبلاغته المشهودة، إشارة واضحة، إلي صعوبة فهم مرامي ومقاصد القرآن، حتى على من هم في منزلة الصحابي، عبد الله بن عباس. و في تقديرنا أن مجرَد تفكير، أو ظن قادة المؤتمر الوطني أنهم أقدر من الإمام علي، أو الصحابي ابن عباس راوي الحديث، و صاحب القدح الكبير في التفسير، على فهم و ادراك مقاصد ومرامي القرآن لهو "تطاول مستقبح"، و مرذول لا نستبعده أبداً. بالعودة إلي شعار "القرآن دستور الأمة"، لا نعتقد أننا في حاجة إلي تبيان، عدم استناد الشعار إلي أي نص، في مصادر التشريع الأسَس، ومن ثم لا حاجة لنا، للقول بأنه محض حيلة ماكرة، لكسب الدنيوي بالديني. فالرسول عليه الصلاة والسلام، لم يجعل القرآن دستوراً لدولة المدينة. كما أنه تلقى البيعات و عقد تحالفاته و مواثيقه مع القبائل العربية، الداخلة إلي الإسلام منها والباقية على مللها القديمة ك (المشركين) أو ك (أهل الكتب) من يهود و نصارى، قبل فتح مكة، دون أن يقول بأن القرآن دستور الحلف القبلي الذي أسسه. بل أن صحائف هذه الأحلاف والمعاهدات قد انطوت على العديد من الأعراف و التقاليد القبلية (الجاهلية) الناظمة لحياة لقبائل و أفرادها، و علاقاتها ببعضها البعض، في السلم والحرب، والثأر والقود والدية ...إلخ. و تشير المصادر أيضاً، إلي أنه، بعد فتح مكة، وفي عام الوفود، قد وفدت بعض القبائل بمسلميها و مشريكيها لتبايع الرسول (ص)، على زعامة (الحلف القبلي) و قيادته الإدارية والسياسية والعسكرية. و يدل هذا على أن الأمر لم يكن في نظر الرسول عليه السلام برمته دينياً محضاً، بل كان يتضمن مشروعاً طموحاً، بتوحيد القبائل العربية المتناحرة والمتقاتلة، في حلف سياسي عسكري، تحت قيادة رسول الإسلام، حتى تغدو قوة عالمية عظمى، تخضع أقوى و أعظم قوتين في ذلك الزمان، هما دولتي فارس و بيزنطا، وهو ما وقع بالفعل، على عهد خلفائه الراشدين. و مع ذلك فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يقل بأن القرآن دستور دولته حتى بعد فتح مكة، و إخضاعه معظم القبائل العربية، لسلطته و إرادته.
أما قادة دولة وحزب المؤتمر الوطني، فإنهم يرفعون شعار "القرآن دستور الأمة" تكذباً بالدين و تكسباً به. وأدلتنا على ذلك لا حصر لها، نذكر منها، مثالاً دون حصر، إقرارهم بأنهم حكموا البلاد حتى عام 2011م "بشريعة مدغمسة"، وهي إشارة مراوغة وكاذبة، إلي أن مشاركة الجنوبيين قد أجبرتهم على "الدغمسة"!! فهل ينص القرآن، على الحكم بالشريعة "المدغمسة"؟؟ وهل يقبل المسلم الحق بأن "يدغمس الشريعة"؟؟ علماً بأنهم ومنذ انقلابهم المشئوم وحتى عام 1998م حكموا - منفردين - بمراسيم سموها دستورية، لم تكن موادها من آيات القرآن، بل من وضع كوادرهم القانونية، وفي مقدمتهم الترابي وعلي عثمان. وفي عام 1998م وضعوا دستوراً، لا علاقة له بنصوص القرآن، أو حتى روحه و محتواه!! بل أن بعض الجماعات السلفية رمته بالعلمانية والخروج على مبادئ الإسلام. كما رددت نفس الجماعات نفس القول عن دستور 2005 الانتقالي. و لا تحتوي أي من مواد الدساتير التي حكم و يحكم بموجبها، اسلامويو السودان اليوم، على سور أو آيات القرآن، إنما هي أحكام و مواد مشابهة إن لم تكن مطابقة لنظيراتها في دساتير السودان السابقة، و مطابقة كذلك لنظيراتها في دساتير دول أخرى. فكيف يزعم الزاعم أن القرآن دستور الأمة، ثم يقضي قرابة الثلاثين عاماً، في الحكم منفردا أو شبه منفرد، وهو يصيغ الدستور تلو الدستور، من مواد لا علاقة لها بسور و آيات القرآن؟؟. فإذا كان القرآن دستوراً، ففيما صنعهم الدساتير أصلاً؟؟ . ألم نقل لكم أن الداعشيين يكذبون بالدين و يتكسبون به، و أنهم يتحزبون لتفسيرهم للنص أكثر من مضمونه و جوهره، و يعملون لإحلال تفسيرهم محل النص؟؟!!ِِ
ومتاجرة أهل الإسلام السياسي بالدين و التكَذب و التكسب به ظاهرة تتكرر باستمرار في تاريخ الجماعات الاسلامية ومن أمثلتها في حاضر السودان أن من نفَذ انقلابا عسكرياً واستولى على السلطة بأمر شيخه ولحسابه وظل يبصم على ما يصدره هذا الشيخ من قرارات بالعشرة لمدة عشر سنوات. جاء ليقول عنه بعد أن دب الخلاف بينهما في عظمة السلطة:
(ان الترابى كان شيخنا نثق فيه، ولكن وجدناه رجلا - كذابا- و- منافقا- و--يغش-- باسم الدين). تصريح البشير للشرق الاوسط العدد رقم 9239 .
(انا ان اصدرت قرارا بقطع رأسه افعلها وانا مطمئن لله سبحانه وتعالى، ولكن نحن انشأنا اجهزة ونريدها ان تعمل). البشير للشرق الاوسط العدد9435.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.