بقلم د. طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي المملكة المتحدة ما أجمل النقد العلمي أو الأدبي عندما يأتي من المتخصصين وذوي الخبرة فى مجال العلوم والأدب والفنون. لقد كان شرفى وسعادتي أن يتعرض صدى الزمان والأمكنة " أي معرضى التشكيلى الخامس فى الخرطوم" لقراءة فنية ونقدية متأنية من أساتذة أجلاء وتشكيليين سودانيين- عالميين على رأسهم حسب التسلسل الأبجدي : أحمد محمد شبرين، حسين جمعان ومحمد حسين الفكي. لهم عظيم الشكر والتقدير وكذلك للآخرين من زملائهم الذين تحدثوا فى التيليفزيون أو علقوا مباشرة على كل الأعمال أثناء ليلة الإفتتاح وما بعدها. عزيزى القاريء الموقر أتركك لتعيش أدناه سياحة فى وادي كل من هؤلاء الأساتذة التشكيليين الرواد، علك تجد فيها شيئاً من المتعة ، أضمنها كما هى من غير تصرّف. عبدالمنعم هذا المعرض صدى الزمان والأمكنة معرض بروفيسور دكتور عبدالمنعم عبدالمحمود العربي مركز شبرين للفنون والحضارة فى الفترة 22-29 ديسمبر 2016م إرث حضارى ضارب فى القدم عتقته رحلة الشمس شرقاً وغرباً. قوائمه هدى سماوي، صحف وزبور وتوراة وإنجيل وقرآن مجيد .... ما بين الحبوبة وأحاجيها التى تلهب المشاعر وتطلق عنان الخيال .... وما بين المدرسة الكتَّاب حيث روائع القصص وعذب النشيد وماتع الأعمال اليدوية .... هنا، وحنينها، إستقرت بذرة هذه الأعمال وظلت تنمو حتى حان القطاف فخرجت باللون الأسود رسماً صكه الزمان ، و باللون الأبيض، لون نقاء إنسان هذا البلد الطيب، أهلاً وأرضاً، نشاهد فى هذه المرة بعين البصيرة والمحبة أعمال البروفيسور عبدالمنعم. إذا قارنا هذا المعرض بمعارض البروفيسور عبدالمنعم فيما سبق، فإنه يختلف عن تلك المعارض من حيث الإتجاه الداخلي لخطاب كل لوحة بمفردها من حي اللياقة التي تتحدث عن شخصية اللوحة بجانب اللوحات الأخرى. فكل لوحة لها تقيدها ولها سيرتها ولها طبيعتها الخاصة من حيث التكوين ومن حيث الخطاب. أيضاً من حيث المقارنة مع جميع اللوحات التى تم عرضها فى المرات السابقة فى النهج الغرافيكي. هذا المعرض يتفرد فى شخصيته والبروفيسور عبدالمنعم قد بذل جهداً مقدراً مكنه أن يأتي بقراءة ناضجة حيث تتحدث كل لوحة عن صفتها وطبيعة تكوينها ونهجها الأدبى والفني. ولذلك الذي يريد أن يدرك أوجه اختلاف المعارض السابقة الكبرى عليه أن يتوقف طويلاً أمام اللوحات لأن كل لوحة قائمة بذاتها رغم التشابه الماثل إلا أنه تشابه يُمكٍّن كل لوحة أن تفصح عن ذاتها وعن حديثها. هذا المعرض يختلف عن المعارض السابقة من حيث أنه يتمثل فى الأدب والتشكيل ، وهما صفتان تكونان كل لوحة من اللوحات المعروضة. هناك بعض المعارض، وهي كثيرة، تتحدث عن التشكيل فقط، وتنسى الجانب الفنى والأدبي. لكن هذا المعرض يمتلك ناصية القول للإثنين فى تشكيل جماليات الآدب وهذه صفة لعلها لم تتوفر فى المعارض السابقة. بروفيسور أحمد محمد شبرين 22 ديسمبر 2016م تجليات الأسود والأبيض (1) التعبير المكتوب أدني درجات اللغة في التشكيل واللفظ في معناه المعلوم، إذ لابد للخيال وظلال الحقيقة المكنون وطاقات الرؤية وأساليبها المأنوسة ... واللون هنا مقام الإشارة وهتك المألوف الذي نراه في الحياة! (2) إن تحري المبدع عبدالمنعم العربي برؤيته الجياشة بالرمز والإيقاع والمجاز، وإبتهالات التكوين والنسق والسرد الذي ينهض من سبات الذكريات القديمة الجديدة، الوطن، النيل، القرية وحكى الجدات بقصصهم الضاربة في وجدان الناس والصغار وهم يتحلقون حولها كزغب الطير في ليل قمري مسكون بالسكون والهدأة - تراءت عند عبدالمنعم بلغة اللون الأسود والأبيض وَمِمَّا تحرّاه من مشاهدة في الدول الأوروبية والعربية من صنوف البشر والخلائق والبرية! (3) يتوهج ( صدي الزمان والأمكنة) بهذا المعرض الفريد الحاذق في مركز أستاذنا العظيم - صاحب السطوة الكبرى في خارطة التشكيل السوداني المعاصر ... كالنيل الذى سرى وكالشعر عند التجانى يوسف بشير وخليل فرح وشيخي محمد المهدى المجذوب، قامة كقامات (البركل) وتصاوير (فرس) والعالمية بما قدمه للإنسانية - تفرد في حقول الإبداع المختلفة، الودود بفكره الثاقب وأريحية حسه الجياش وأنامل (عبّادي) لا يخيب للعباد! ونسعد أننا عشنا في زمن (شبرين)، فماذا قدمنا له ونحن نقف علي أعتابه نحمل قصعة خاوية، نروم الزاد وننشدالإشارة واللطف والبركة من يده الحانية الكريمة! (4) إن تجليات الدكتور عبالمنعم العربي في معرضه الخامس بين ( الرؤية والغبطة)، جمال الكمال والأنفاس من تجليات اللون الأسود ولي في كل شئ هدأة وتجل وإدراك لمعرض يروم المخاطبة والوقوف والتحري وكل محب مشتاق يرى ما لا نراه من سر الخلق ومقامات الإقتدار ولا يبقى إلا العشق أمام أعمال صاحب الفيض والغاية .... وآيتي فيما رأيت! بروفيسور حسين جمعان 2016/12/22 *دكتور عبدالمنعم عبدالمحمود العربي ، طبيب، إستشاري أمراض الكلى والباطنية - المملكة المتحدة وصهر البروفيسور أحمد محمد شبرين - معرضه التشكيلى الخامس - مركز شبرين للفنون ودراسات الحضارة 22-29 (ديسمبر 2016) اللون الأسود بين الرؤيا والقضية معرض الفنان عبدالمنعم العربي بقلم ا.محمد حسين الفكي مساء الخميس 22 ديسمبر 2016 تم بمركز شبرين للفنون ودراسات الحضارة إفتتاح معرض الفنان التشكيلي الدكتور طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي وسط حضور من جمهور التشكيليين ومحبي الفنون. عنوان المعرض ( غرافيك أسود وأبيض) صدى الزمان والأمكنة. وكما قدم صاحبه أنه تعبير عن محاوراته مع اللون الأسود منبهاً إلى وجوده فى حياة الناس مشيراً إلى رمزيته ودلالته فى لوحاته. ويقول أنها مستوحاة من تاريخه وإرثه العريض. فاللون الأسود بالرغم من قربه من الناس نجد الحديث عنه فى التشكيل قليلاً كأن وجوده فى تعاملهم اليومى يغنيهم عن الكلام عنه. قد نجد رأياً فى بقية تعاملاتنا اليومية مع الألوان والتى فى الغالب يمليها الذوق العام أو العادة أو المعتقد. لكن فى نظرتنا للونين الأبيض والأسود نجدهما فى حياتنا يعرضان الموازنة بين كل تلك الألوان. وعلى الرغم من ذلك لم يتعرض الباحثون إلى توفير دراسات عنهما. ولكن مما نلحظ ينمو هذا الشعور عند كل مغترب خارج القارة الأفريقية لإرتباطه هنا بالهوية. نلحظ فى حديث الدكتور عبدالمنعم كأنه يتودد إليه ليعينه على إبراز هويته وتاريخه وإرثه الحضارى يلهبه معنى نبيلاً فى معترك الهويات التى يمارسها الغرب الأروبي والأميريكي على السود.لم يدخل اللون الأسود فى اللوحة كتعبير عن انطباع أو عرض لمزاج أو عقدة. هو دائماً تعبير عن قضية أو رمز أو رمز لموقف متفرد. إذ ليس له على سطح اللوحة ظل إلا اللون الأبيض ، فلا يرى إلا به. ولعل يريد أن ينبه إلى عدم الفوارق بين الأسود والأبيض كما هو فى إرثه وثقافته. ليس للونين وجود إلا بهما هكذا أظنه يريد أن يقول لهم. فنصاع الأبيض يكون من نصاع الأسود حيث يكشفان عبر تجلياتهما فى كل قضايا الفكر والإبداع. فى اللون الأسود تمتزج كل الألوان كما الأبيض فى ألوان الطيف هو كل الألوان. والإثنان يتبادلان التأثير والرؤية بأداء درامي يوازى بين كل التضادات. دكتور عبدالمنعم يُؤْمِن بقضيته ولعله يريد أن يقول أعذروني إذا لم أوفيى مهارات الرسم حقها " إن أعمالي جاءت تجريدية الشكل والتركيب فإن لفيها تحدي لما فات من سابقات معارضه لصعوبة الرسم بهذين اللونين والذى يحتاج إلى دقة ومهارة وتفاني لتفادي الأخطاء - تلك التى تتجنبها المهارات الأكاديمية فى الرسم - لكن لا بأس - يقول هذه الأعمال وإن اختلفت مساحاتها فإنها تحمل فى أضابيرها لون عمق هويتي الأفريقية السودانية النوبية. وتعبر فى أحيان عن خلجات نفسه وعن حنين مدفون فى الجوانح لقصص وأحاجي عشت فيها متعة الطفولة الباكرة وجدتي المرأة المربية " ظلت أحاجيها تزوده بطاقات تحمله على أجنحة خيال واسع عبر به إلى هذه الأعمال. كأن اللون الأسود إذاً يعبر عن هوية، وينضوي على مضامين رائعة تؤكد معنى القيادة والنبل. عدد كبير من المبدعين السود فى ألعالم الأفريقي كانت عندهم قضية الهوية هى الأولى فى معترك الهويات فى عالم يدعى الحضارة والتقدم. إن الإحساس باللون الأسود هناك أعظم فى عالم البيض إذ يشكل كل واحد منهما خلفية للآخر ولذا نال هذا القدر من الإهتمام عند مبدعيننا. منهم شاعرنا الفيتوري. فقضية اللون عنده كانت إحدى دوافع الإبداع أبرزها فى شعره. وكما جاء فى مقدمة ديوان شعره - معزوفة لدرويش متجول - كانت قضية اللون الأسود حركة انطلاق لقضايا الحرية والإنسان ... كانت تمده بشحنات لاهبة بالغضب يقذف بها إلى إثبات الذات على مواقد تاريخه وتراثه. لعله يزيل بذاك ما علق بأذهان الأوربيين عن هذا اللون الأسود. أو على الأقل إثبات وجوده ضمن منظومة الحياة و الإتزان الطبيعي فى حركة الكون. كان اللون الأسود وجلباب الدرويش جواز سفر الفيتوري إلى رحلته الشعرية عابراً لتلك الحدود التى صنعها البلهاء المغرورين فى أروبا وأميريكا فى حقبة التعرف على أفريقيا فى عصور الإنطلاق نحو الفضاء. وعلى الرغم من ذلك بقيت لديهم من بدائية الإنسان. فالتمييز بين من كرمه الله بالعقل وصنع الحضارة خطل وغرور. وعلى قول أليكس هيلي فى كتابه طائر الشؤم والذى تحول إلى فيلم سينمائي منذ تسعينات القرن الماضي. ويجيء بعده الروائى المشهور الطيب صالح فى كتابه موسم الهجرة إلى الشمال ليثير أزمة اللون الأسود وكيف عبر بها إلى قمة العالمية حينما حولها إلى قضية. كان بطل روايتها مصطفى سعيد متأزماً من لونه الأسود عندما كان فى إنجلترا .لم يقل ذلك صراحة ولم يقل إنه اضطهد عرقياً لكن كان الإنتقام إلى بشرته قوة صاغها فى قالب إبداعي تجاوز به إلى عالم الروائيين الأفذاذ. مصطفي سعيد لم يعترف بدونيته التى وصفها به الغرب فقد كان يفعل ما يرفعه إلى درجة المبدع العالمي فتفوق أكاديمياً وإجتماعياً. كان يعتز بأفريقيته خلال طقوس الفولكلور الذى يضعه فى غرفة نومه حيث البخور والتماثيل وحكاوي الحبوبات ... كان عالياً فى مقامه، وسيداً حيث ما ذهب . الفنان الروائي والتشكيلي سيف الدين حسن بابكر فى روايته "رجل من زمن منعكس" يحمل نفس قضايا اللون وجريرة الاضطهاد التى تدمغ ابطال رواياته السود. يلجأ إلى تاريخه فى زمن يعج بالفوضى وسقوط القيم ليفاخر بأجداده منشئي الحضارة الإنسانية. فلونه هو تلك النضفة التى رمت بها تلك الأرض السوداء والبوتقة التى انصهرت فيها قيمه ومنحته تلك القيم التى يفاخر بها. ا. محمد حسين الفكي الخرطوم 30 ديسمبر 2016 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.