«داعش» وصف العواصم العربية بالمرتدة.. والخرطوم ب«دولة النصرة» لم يدخر النظام الإسلامى فى السودان جهدًا فى دعم وتأسيس الجماعات الإرهابية منذ وصوله إلى السلطة عام 1989، إذ أصبحت الخرطوم آنذاك المحطة الرئيسية لهذه الجماعات، حتى تم تصنيف السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب من قبل الولاياتالمتحدة. ربما لهذا السبب، يعتبر السودان الدولة الفالتة من تهديدات «الإرهابيين»، إذ لم يمل تنظيم مثل «داعش» من إصدار التهديدات للأنظمة السياسية العربية، واصفا إياها ب«المرتدة»، فيما توقف عند النظام السوداني، متجاهلًا الإشارة إليه من قريب أو بعيد، بل وصف بعض الإرهابيين السودان ب«دولة النصرة». عنف الإسلاميين فى بلاد النيل «تنظيم الدولة» انطلق كحركة مجتمع اخترقت الجامعات.. وتغلغلت فى مفاصل الدولة شهد عقد التسعينيات من القرن الماضى، بوادر التصعيد لعنف الجماعات الإسلامية فى السودان، التى نفذت عدة اغتيالات مشهودة فى بعض مساجد ولاية الخرطوم، كمسجدى الجرافة وأنصار السنة؛ حيث يلاحظ أن لتنظيم داعش جذورا منذ تسعينيات القرن الماضي، ارتبطت بأحداث إرهابية، هزت المجتمع السوداني، فى العام 1994 ما عرف بأحداث مسجد الثورة الحارة الأولى فى مدينة أم درمان، حين هاجم محمد عبدالرحمن الخليفى الليبى الجنسية، مع ثلاثة سودانيين آخرين بالأسلحة النارية، مسجدًا يتبع جماعة أنصار السنة المحمدية، وقاموا بحصد أرواح 27 من المصلين. وأحداث قرية الجرافة، شمال أم درمان، ومسرحها مسجد «أنصار السنة» أيضًا، يومها قتل رشاش عباس عبدالباقر، منفذ العملية المنشق عن جماعة أنصار السنة، والمنتمى إلى جماعة التكفير والهجرة، 20 شخصًا وجرح 33. مثلما شهدت الفترة ذاتها، اغتيال المغنى خوجلى عثمان، ومحاولة اغتيال الفنان السودانى عبدالقادر سالم، ومقتل الدبلوماسى الأمريكى جرانفيل فى أواخر العام 2008، بإطلاق الرصاص على سيارته، ورغم القبض على الجناة وعددهم 4 وتقديمهم إلى المحكمة التى حكمت عليهم بالإعدام، غير أنهم هربوا بتدبير من الحكومة والتحق بعضهم بتنظيم «حركة الشباب الصومالي»، وقد قتل بعضهم هناك. ويرى محللون إن الإرهابيين القادمين من السودان هم الأخطر فى التنظيم؛ لأنهم فى الغالب تلقوا تدريبا متقدما فى المراحل الأولى من حكم الإنقاذ، وتمت الاستعانة بهم لقتال حاملى السلاح فى جنوب السودان قبل أن ينفصل، إذ إن معظم السودانيين الذين يقاتلون فى صفوف التنظيم لهم تأثير واضح فى مسرح العمليات، وتقلّدوا مناصب قيادية على الرغم من صغر سنهم، وقادوا عمليات خطيرة تعرف لدى التنظيم ب«الاستشهادية»، سواء أكان ذلك فى سوريا أم ليبيا أم الصومال. ذاك المناخ الذى أفرزه توجه حكومة الإنقاذ فى بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما أعلنت الجهاد كاستراتيجية أساسية فى مشروعها الإسلامي، والتى كانت الحالة الأولى فى العالم التى تتبنّى فيها دولة الجهاد وتدعمه بكل قوة، من خلال الحكومة السودانية التى تبنت الجهاد وأعلنته وفتحت البلاد للإرهابيين من كل أنحاء العالم؛ فظاهرة تنظيم الدولة فى السودان مرت بثلاث مراحل، بدأت كحركة مجتمع وتنظيمات خارج الأطر الرسمية وارتبطت بأبناء الطبقات الراقية، ثم اخترقت الجامعات واستهدفت شبابها، المرحلة الثالثة والتى بدأت إرهاصاتها قبل فترة هى التغلغل فى مفاصل الجهاز الرسمى للدولة. هذه الأسباب أدت إلى سفر تسعة طلاب سودانيين كدفعة أولى فى مارس 2015، وهم من حملة الجوازات البريطانية، بينما تألفت المجموعة الثانية من 12 طالبًا، من بينهم ابنة الناطق الرسمى لوزارة الخارجية السودانية السفير على الصادق، والتى سافرت إلى سوريا عبر أنقرة، مع زملائها من طلاب جامعة العلوم الطبية والتكنولوجية، للعمل فى مستشفيات فى المناطق الخاضعة لسيطرة داعش. وكانت ابنة صادق قد غادرت مطار الخرطوم دون الحصول على تأشيرة خروج، وهو شرط أساسى فى إجراءات السفر. وقال «صادق» فى حديث له إن ابنته «لم تمر بالإجراءات الروتينية التى يتبعها المغادرون من السودان».
اللافت أن هذه الجامعة تخلو من أى نشاط سياسى أو ثقافى، باستثناء جمعية «الحضارة الإسلامية». الجمعية تتبع للشيخ محمد عبدالكريم، رئيس الرابطة الشرعية للعلماء، المعروف بولائه لتنظيم داعش، والذى جرى اعتقاله أكثر من مرة على خلفية مباركته لداعش من على المنابر، التى تم إيقافها لاحقًا، بعد ورود تقارير تفيد بدورها بالتنسيق بين الطلاب والتنظيم. وتوجه الاتهامات للنظام السوداني؛ نظرًا لخروج الشباب عبر مطار الخرطوم وبوابات السودان الأخرى بسهولة للالتحاق بالتنظيم، مما يثير العديد من الأسئلة حول التسهيلات أو الغطاء الذى يتوفر لهؤلاء الشباب. حسب المحلل السياسى عبدالله رزق، «بعض أطراف النظام الحاكم فى الخرطوم، المعروف بتوجهه الإسلامي، لم تكن بعيدة عن هذه الحركات والمجموعات، من خلال تعاطفها مع القاعدة وأسامة بن لادن. زعيم الحركة الإسلامية السودانية، حسن الترابي النظام الإخوانى الحاكم فتح الباب أمام الأفكار المتطرفة الخرطوم تحولت إلى عاصمة الخلافة فى 1990 تعود قصة العلاقة بين السودان والجماعات الإرهابية، لعام 1990 عندما بدأت هجرة التيارات الإسلامية إلى الخرطوم، بدعوة مباشرة من التنظيم العالمى للإخوان؛ حيث مثلت الخرطوم حينها، فيما يبدو، عاصمة لدولة «الخلافة الإسلامية» الجديدة، حسب اعتقاد الإسلاميين. ولم يتوقف زعيم الحركة الإسلامية السودانية، حسن الترابي، عن دعوة رموز التنظيمات الإسلامية فى جميع دول العالم للحضور إلى الخرطوم؛ حيث البيئة الأمنية المناسبة لعقد الاجتماعات ووضع المخططات وتحديد موعد العمليات السياسية الكبرى لهذه التنظيمات. وابتدع «الترابي» فكرة تأسيس المؤتمر الشعبى العربى والإسلامي، فأشرف بصفته الشخصية كمرشد دينى للمجموعة العسكرية التى استولت على السلطة على دعوة زعماء التيارات الإسلامية العاملة والنشطة سياسيًا وعسكريًا. وفى فبراير من عام 1991، حظيت الخرطوم لأول مرة بزيارة عدد من الإسلاميين، من أبرزهم راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة الإسلامية فى تونس، وعباسى مدنى وعلى بلحاج فى الجزائر، وقادة الجهاد الأفغانى من أمثال برهان الدين ربانى وحكمتيار وسياف، وكانت دولة المجاهدين الأفغان قد استولت لتوها على السلطة عقب اغتيال بابراك كارميل واندحار القوات السوفييتية عن سفوح جبال كابول. وكان انتصار الإسلاميين فى الانتخابات الجزائرية، آنذاك، قد قدم الدعم المعنوى للإسلاميين ليؤكد لهم قناعتهم التاريخية بقدرتهم على اكتساح صناديق الاقتراع ضد أعتى النظم. معسكرات تدريبية للإرهاب على الحدود الجنوبية لمصر التنظيم الدولى للإخوان يمول تدريب 3000 إرهابى تجرى عمليات الهروب من وإلى السودان، عبر عدة طرق برية أهمها: أرقين الحدودى، ودرب الأربعين، وحلايب وشلاتين؛ حيث تتخذ الجمال والسيارات طرقًا، وممرات داخل دروب الصحراء، المعروفة لدى القبائل الموجودة هناك، ويبتعد المهربون لمسافة 10 كيلو عن نقاط التفتيش الحدودية الموجودة هناك، ثم ينقلون البشر، والسلاح عبر بحيرة ناصر ومدينة أبو سمبل السياحية. ويسلك المهربون طريق درب الأربعين بين مصر والسودان بواسطة الإبل، وتستغرق الرحلة حتى الوصول إلى مدينة «دراو» وسط محافظة أسوان حوالى 40 يومًا كاملة، وهناك منطقة جبلية فى الحدود الشرقية بين محافظتى أسوانوالبحر الأحمر، المعروفة باسم «برنيس»، تستخدم فى نقل الإرهابيين، الذين حاولوا فى الآونة الأخيرة إقامة أكثر من معسكر تدريب، مثل معسكر مدينة ديروط، «رُصد من قبل الأجهزة الأمنية، وجرى تصفيته». ورصدت الأجهزة الأمنية مؤخرا على الحدود المصرية السودانية وجود معسكرات تدريبية لجهاديين فى المناطق السودانية النائية القريبة من الحدود الجنوبية لمصر، والتى لا تشهد كثافة سكنية، أحد المعسكرات موجود فى ولاية «كردفان»، ومعسكران آخران موجودان فى كل من ولاية «كسلا» و«ولاية البحر الأحمر»، وبها ما لا يقل عن 3000 إرهابى بدعم من التنظيم الدولى للإخوان، الذى ينفق الأموال لتدريب شبابه وعناصره التى تم تهريبها من مصر مؤخرا عبر الحدود. وتشير اعترافات العديد من الإرهابيين الذين يلقى القبض عليهم إلى أنهم سافروا إلى السودان وتلقوا تدريبًا عسكريا هناك، على تصنيع المتفجرات وتنفيذ العمليات، وكيفية استهداف رجال الشرطة والجيش ومؤسسات الدولة أيضًا. كما استعان تنظيم داعش بعدد من أتباعه فى ليبيا، وأعادهم إلى الخرطوم، لتنفيذ مهمة الدعم وضم العناصر الجديدة، التى نقلت إلى مصر؛ خاصة أن الحكومة السودانية لا تهتم بعناصر التنظيم، بل وتفرج عن الخلايا التى يلقى القبض عليها، ومن أبرز تلك الخلايا «دندرة» التى أفرجت السلطات الأمنية السودانية عنها، وهى خلية مكونة من 30 شابا كانوا التحقوا بالتنظيم. أسامة بن لادن
أسامة بن لادن دخل السودان تحت شعار الاستثمار فى مطلع عام 1991، قرر زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، اللجوء إلى السودان، تحت مظلة الاستثمار، وبقى فى الخرطوم حتى نوفمبر 1996، برفقته 20 من أفراد أسرته من زوجاته الثلاث وأطفاله وبعض مرافقيه، ثم توافد حوالى 400 من رجاله على السودان؛ لمساعدته فى إدارة استثماراته هناك. كشفت وصية مكتوبة بخط اليد نُشرت فى مارس 2016 دونها «بن لادن»، حول استثماراته وأمواله فى السودان، والتى قدرها بنحو ثلاثين مليون دولار، وتم الإعلان عن هذه الوصية بين مجموعة من الوثائق التى رفعت عنها السرية بعد أن تمت مصادرتها فى الغارة التى شنتها القوات الأمريكية الخاصة فى الثانى من مايو 2011 فى أبوت آباد بباكستان، وأدت إلى مقتل بن لادن. وجاء فى الوصية التى كتُبت بالعربية على صفحة واحدة من الورق، أن لدى «بن لادن» 29 مليون دولار فى السودان، موضحًا أنه تلقى مبلغ 12 مليون دولار من أبوبكر محمد بن لادن، نيابة عن شركة بن لادن للاستثمارات فى السودان، وقال: «آمل أن يلتزم أشقائى وشقيقاتى وخالاتى بهذه الوصية، وأن ينفقوا جميع الأموال التى تركتها فى السودان على الجهاد فى سبيل الله». كما تحرك الأب الروحى للجماعة الإسلامية، الشيخ عمر عبدالرحمن، من الخرطوم مستخدمًا جواز سفر سوداني، لتنفيذ أول عملية إرهابية على الأراضى الأمريكية، وكذلك قائد تنظيم القاعدة الحالى أيمن الظواهري، الذى استقر بضع سنوات فى السودان هو الآخر فى التسعينيات، قبل انتقاله إلى أفغانستان.