(المشورة الشعبية لا تعني انفصالاً ولا دعوة للحكم الذاتي، بل هي مجرد اداة لممارسة الديمقراطية من قبل المواطنين في منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان، يعرضون من خلالها وجهة نظرهم حول مدى تحقيق اتفاقية السلام لطموحاتهم وتلبية تلك الطموحات). بهذه العبارات ابتدر المتحدثون في منتدى مركز التنوير المعرفي حديثهم في الموضوع المطروح والمعنون (المشورة الشعبية بين الطموح والنصوص )، وهو العنوان الذي تم اتخاذه لمدلولاته الاعلامية كما قال مدير الجلسة الاعلامي الطاهر حسن التوم، بعدها فتح بوابات الحديث لخبراء المشورة الشعبية والاكاديميين البروفيسور خليل المدني المتخصص في الدراسات الاجتماعية والدكتور الطيب مركز عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم لتناول الموضوع الذي يعتبر واحدا من اهم مواضيع الساحة السياسية السودانية الان بعد ان قرر الجنوب مصيره بتكوين دولة جديدة وفي ظل علاقات الارتباط بين الجنوب ومناطق المشورة الشعبية والتي ترتبط في اتجاه اخر بضرورة تطبيق اتفاقية السلام الشامل، باعتباراها احد البروتوكولات الموقع عليها في نيفاشا وهو امر لا ينفصل عن الوضع الراهن الان. وعن طبيعة العلاقات في المنطقتين وسيطرة الثنائية الحزبية الممثلة في شريكي نيفاشا -المؤتمر الوطني والحركة الشعبية- وجزيئة اخرى تتعلق بتوافر امكانيات اجرائها في المنطقتين حيث انتهت مرحلتها الاولى في النيل الازرق بأخذ آراء المواطنين من قبل المجلس التشريعي الذي لم يتم تكوينه حتى الان في جنوب كردفان، وهو ما جعل الكثيرين يختلفون في تحديد اتجاهات ومآلات المشورة الشعبية فالبعض يعطيها حكما ذاتيا قد لا يتواكب مع نصوصها القانونية والدستورية وهو الامر الذي حاول المتحدثون توضيحه في حديثهم. البروف خليل المدني قال ان المشورة الشعبية تمثل واحدة من اهم استحقاقات نيفاشا خصوصا بعد ان انفصل الجنوب ويمكن من خلالها خلق واقع جديد للعلاقة بين المركز والاطراف وخلق حالة من التواصل بين المكونات المختلفة ،واضاف ان اهمية قضية المشورة الشعبية تبرز من اهمية المنطقتين اللتين تجري فيهما، واضاف انه سيركز حديثه حول منطقة النيل الازرق لانه شارك فيها وان افادته حول الموضوع ستكون ذات طابع ميداني وبدأ حديثه بوضع مجموعة من المعلومات حول المنطقة قال انها مهمة من اجل عملية التحليل وفهم الواقع عموما، بدأها بأن المنطقة هي منطقة تداخل حدودي بين السودان الشمالي والجنوبي من ناحية ومنطقة تداخل حدودي بينه وبين جيرانه في الشرق خصوصا اثيوبيا التي يفصلها عنه خور يمكن لاي شخص تجاوزه وهو ما يزيد من عمق تأثرها بأية اضطرابات هناك، قبل ان يضيف معلومة اخري تقول ان مواطني النيل الازرق يمثلون نسبة 2,5% من العدد الكلي لسكان السودان القديم وزادت الان قبل ان يقدرها ب 883 الف نسمة، قبل ان يقوم بتقسيم السكان انفسهم لثلاث مجموعات رئيسة هي السكان الاصليون، والقادمون في فترات تاريخية سابقة والقادمون حديثا لها، مشيرا الى ان حالة من التعايش الاجتماعي شهدتها المنطقة والتي تعلو فيها درجات الامية بين الرجال والنساء،وقال ان الحدود السياسية لا وجود لها على الارض بالرغم من انضمام كثير من السكان للحركة الشعبية وقتالهم في صفوفها واشار الي انه رغم وجود اكثر من 40 لغة الا ان اللغة العربية هي وسيط التحدث الاساسي، واشار لنقطة اخرى تتعلق بتواجد السكان حيث يوجد حوالي 75% منهم في الريف بينما يبقى ال25% في المدن، واعتبر ان المنطقة تعتبر من اغنى مناطق السودان بمواردها الطبيعية قبل ان يشير الى تأثيرات التغيرات المركزية بإنشاء المشاريع الزراعية واعطائها للقادمين من غير اهل المنطقة، بالاضافة لالغاء الادارات الاهلية عوامل كان لها التأثير السلبي واعتبر المدني ان مثل هذه المعلومات ضرورية لتحليل اتجاهات المشورة واحساس المواطنين بالاتفاقية وهل لبت طموحاتهم ام لا؟ والاجابة على تساؤلاتها الرئيسة، قبل ان يضيف ان ثمةاتفاق لدى الجميع بأن الاتفاقية نجحت في تحقيق السلام بشكل عام في المنطقة، وان تنفيذ بروتوكول قسمة السلطة قد تم بشكل كامل ولاول مرة يحكم اهل النيل الازرق انفسهم بأنفسهم بالرغم من تأثير الثنائية واقصاء الاطراف الاخرى داخل الولاية، واعتبر ان واحدة من الاشكاليات هي عدم قيام مفوضية الاراضي وبعض الاخفاقات في بروتوكول الترتيبات الامنية واعتبر المدني ان اجابة الناس حول ان الاتفاقية لم تلبِ طموحاتهم في النيل الازرق يعود بشكل اساسي للاخفاقات في مشاريع التنمية ولاحساسهم بالظلم في عملية تخصيص الموارد، حيث خصصت الاتفاقية 2% لمناطق الانتاج وهي مالم يعطَ للنيل الازرق هذا بالاضافة للضعف في مشاريع التنمية الصحة والتعليم وقضية المياه حيث تعاني المنطقة من اشكالية في هذا الجانب رغم توفر المياه. وتناول موضوعا اخر يتعلق بكهرباء خزان الروصيرص الذي يتجه شمالا وتعيش في ظلام دامس واعتبر المدني ان الخطوات التي تم اتخاذها حتي تتوافق تماما وبما جاء في بروتوكول المشورة الشعبية واعتبر ان الجميع هناك وفي اجابتهم على الاسئلة المتعلقة بانضمامهم للجنوب في حال انفصالهم قالوا انهم جزء من الشمال ويطالبون بحقوقهم فقط، واعتبر خليل المدني ان عبارات تحقيق الطموحات وتلبيتها عبارة فضفاضة وهي العبارة نفسها التي انطلق منها الدكتور الطيب مركز في مداخلته ذات الطابع القانوني حيث اعتبر ان عبارة تحقيق الطموحات هي عبارة غير قابلة للقياس على ارض الواقع وانطلق ليوضح ان مفهوم المشورة الشعبية لا يعني في اي من تعبيراته الاتجاه نحو الانفصال او الحكم الذاتي، وهو مفهوم يشير بشكل اساسي لاخذ اراء المواطنين في اتفاقية السلام واعتبار النتيجة تسوية نهائية لمجموع مشكلات المنطقة وهو حق مكفول لكافة المواطنين، مشيرا الى ان الذي يحدث الان هو تعبير عن حالة الاختلاف السياسي بين المجموعات داخل المنطقة وهو امر تغذيه بشكل اساسي الرواسب التاريخية المتعلقة بالخروج من حالة الصراع، واعتبر ان واحدة من الاشكاليات هي عملية تجاوز البعد الزمني حيث كان يجب ان تقوم في العام الرابع ولكن تم تأجيلها للعام الخامس وهو امر قد يتقاطع مع اشياء اخرى تتعلق ببقية الاستحقاقات بعد انفصال الجنوب واعتبر ان التاريخ النهائي لختام العملية يجب ان يكون قبل انتهاء المرحلة الانتقالية في يوليو، واعتبر ان التأخير يمكن ان يكون له تأثير قانوني واعتبر ان الحديث عن انفصال او حكم ذاتي الان هو امر سابق لاوانه، حيث ان المرحلة القادمة هي المجلس التشريعي ومجلس الشيوخ وانه لو لم يتم الاتفاق بعدها يمكن اللجوء الي التحكيم الدولي عندها سيجد السودان نفسه خاضعا للمواثيق الدولية المصادق عليها وقواعد القانون الدولي وقال انه لحين ذلك الوقت تظل كل الاحتمالات مفتوحة على كافة الخيارات، مع وجود زيادة في سقف المطالبات من قبل الولايتين واضاف ان التأخير في اكمال العملية لا تتحمله الحكومة القومية وحدها وانما تتداخل فيه عوامل اخرى تتعلق بالتمويل الدولي ومدى التزام المانحين بتعهداتهم المالية. واعتبر ان ضعف التمويل من مفوضية اعادة التعمير المتعلقة بالولايات المتأثرة بالحرب كان له اثر سلبي على عملية المشورة الشعبية والتي لا تصل لدرجة المطالبة بحق الحكم الذاتي والانفصال وفقا للقانون المنظم لها وتأكيدا لاتفاقية السلام الشامل في نيفاشا مما يتطلب بدوره ضرورة سعي الاطراف كلها من اجل تسوية سلمية للموضوع، وهي التسوية التي ستتم من خلال انجاز مشاريع التنمية وفتح الباب امام مشاركة الجميع في السلطة المركزية بعد ان حسمت مسألة المشاركة داخل حدود الولاية. نقلاً عن صحيفة الصحافة 3/3/2011م