في يونيو من عام1982 اكتشف قمر صناعي أمريكي وقوع انفجار هائل في سيبيريا. وقتها كان هناك تشكك في معرفة مصدر الانفجار وسببه هل هو قذيفة سوفيتية أم اختبار نووي وفيما بعد عرف أن السبب هو انفجار هائل في مضخة غاز سوفيتية جاء نتيجة عطل في نظام تحكم رقمي كان الجواسيس السوفيت قد استولوا عليه من شركة برامج رقمية كندية. وقتها قال احد عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية انه بنفسه من قام بالتلاعب في البرنامج حتي يصعب علي السوفيت السيطرة عليه, ربما كانت تلك هي واحدة من أهم بدايات ما أصبح يعرف اليوم ب' حرب المجال الخامس', فبعد الأرض والبحر والجو والفضاء دخلت الحروب مجالها الخامس: الإنترنت, إنه تهديد معقد ومتعدد الوجوه, فقد باتت المجتمعات الحديثة معتمدة تماما علي الأنظمة الرقمية ومرتبطة بشكل مصيري بشبكة الإنترنت مما يمنح آفاقا أوسع للهجوم. مثل محطات الكهرباء والمصافي النفطية والبنوك وأنظمة التحكم في خطوط الملاحة الجوية, مما دفع العديد من الدول للحديث عن ضرورة خفض حجم التهديدات الالكترونية بقدر ما تتحدث عن ضرورة الحد من الأسلحة النووية والتقليدية. كان اوباما قد أعلن عام2009 أن الولاياتالمتحدة خسرت تريليون دولار بسبب جرائم الإنترنت وهو عالم جريمة أضخم من عالم مافيا المخدرات علي حد تعبيره, وفي العام الماضي أعلن الرئيس الأمريكي أن البناء التحتي الرقمي للولايات المتحدة هو' ثروة قومية إستراتيجية' وعين هوارد شميتد الرئيس السابق للأمن في شركة مايكروسوفت كمسئول عن أمن شبكات المعلومات الهامة الأمريكية, وفي شهر مايو من العام الماضي أيضا أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية قيادة جديدة لأمن الانترنت مهمتها وضع خطة كاملة لتأمين عمليات الدفاع عن شبكات الجيش الأمريكية وقادرة علي اكتشاف أي هجوم من قبل دولة أو منظمة, يسعي لاختراق خطوط الدفاع الأمريكيةالجديدة تلك. وظل الأمر إلي حد كبير سريا إلي أن نشرت عدة صحف أمريكية مؤخرا عن إعلان وزارة الدفاع الأمريكية' البنتاجون' خلال أيام عن أول وثيقة أمريكية عسكرية عن' الحرب الالكترونية' أوcyberwar''. ومع بداية الشهر الحالي أعلنت' البنتاجون' رسميا أنها في المراحل النهائية من صياغة إستراتيجية جديدة ل الحرب الالكترونية' من شأنها أن تمنح القادة العسكريين صلاحيات واسعة في تحديد شكل الرد علي أي هجوم علي' فضائها الافتراضي' بما في ذلك الرد العسكري, ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسئول عسكري قوله:' إذا قام احدهم بإيقاف عمل شبكة الطاقة لدينا ربما نقوم وقتها بتوجيه قذيفة نحو مدخنة بيته. بلا شك فان للحكومة الأمريكية وسائل مثيرة للاهتمام في تعريفاتها للحرب, ومع الوثيقة المنتظرة يتوقع العديد من المحللين أن يثار الكثير من الجدل, خاصة أنها ستمس أمور تضعها وزارة الدفاع الأمريكية من جهتها وسط قدر كبير من الغموض, خاصة الطريقة التي ستتبعها لإثبات مصدر الهجوم الالكتروني, والمعايير التي ستحدد ما إذا كان الهجوم يحمل تهديدا يستلزم ردا عسكريا أم لا. وتظل هناك أسئلة يصعب الإجابة عنها حول مدي شرعية مثل هذه العمليات الانتقامية حيث يري العديد من المحللين أن هناك ردود أفعال أخري أكثر منطقية, مثل فرض عقوبات مالية أو وضع معايير دولية ضد سوء استخدام شبكات المعلومات كريستين لورد المتخصص فيما يعرف باستراتيجيات الانترنت في خزان فكر الأمن الأمريكي الجديد يقول' هناك الكثير من التحديات التي تواجهنا ومن الصعب جدا التوصل لسند قانوني يمكننا من ربط هجوم بشخص أو جهة أو حكومة محددة' كانت منظمة حلف شمال الأطلسي قد اتخذت خطوة أولية السنة الماضية عندما قررت أنه في حالة وقوع هجوم علي شبكة الإنترنت لدولة حليفة فسوف يجتمع أعضاؤها لاختيار جماعة تشكل' مجموعة استشارية' لتقيم الهجمات ومدي ضررها لكن لن يكون مطلوبا منهم المساعدة في الرد علي هذا الهجوم. كانت حرب عام2008 القصيرة بين روسيا وجورجيا قد تضمنت هجوما علي شبكة معلومات جورجيا أدي إلي عرقلة مواقع الأجهزة الحكومية والمؤسسات المالية بها, عرقل قدرة حكومة جورجيا علي التواصل في بداية الحرب, والغريب أن تلك الهجمات تزامنت مع تقدم القوات الروسية عبر القوقاز, مما دفع جورجيا لاتهام روسيا بان تلك' الحرب الالكترونية' كانت تدار من داخل الكرملين. ويبقي الغموض محيطا بحقيقة أحد أفضل أسلحة الإنترنت المعروفة حتي الآن وهو فيروسStuxnet الذي أدي إلي تخريب بعض الطاردات المركزية النووية الإيرانية. وفي الوقت الذي شكك فيه بعض الخبراء بأنه كان هجوما إسرائيليا فان العديد من الخبراء رجحوا انه كان بمساعدة أمريكية لكن هذا لم يتم إثباته أبدا, وكان نصيب إيران من أضرار هذا الفيروس60%, ووقتها رفض المسئولين في إسرائيل والولاياتالمتحدة التعليق علي اتهامات إيران, في الوقت الحالي لا تخفي فيه العديد من البلدان الأخري قدرتها علي شن حروب عبر شبكة الانترنت من بينها روسيا وإسرائيل وكوريا الشمالية, بدأت أيضا إيران بعد حادثة' ستكسنت' تعلن عن امتلاكها لما تطلق عليه ثاني اكبر جيش الكتروني في العالم. بدءا من عام2008 شهد البنتاجون عددا من الهجمات علي أنظمته الرقمية, كان أبرزها هجوم وقع في نفس العام نسب إلي' وكالة استخبارات أجنبية' لم يتم تحديدها, لكنه تسبب في خلق حالة يقظة هائلة لدي قيادة الدفاع الأمريكية... لكن هذا لم يحول دون اختراق شبكة المعلومات الخاصة بشركة لوكهيد مارتن, اكبر واهم شركة مقاولات عسكرية تعمل مع وزارة الدفاع الأمريكية الشهر الماضي. المصدر: الاهرام 23/6/2011