كثير من المداد سينفد حتى نعطي مشروع سد مروي حقه، وهو ببساطة نقول إنه مشروع غير مسبوق.. إنه الاستقلال الحقيقي للسودان. لم يكن طريق المشروع مفروشاً بالورود على الإطلاق، فقد مرّ عمل اقامة هذا الصرح بظروف صعبة في ظل حصار اقتصادي ضُرب على البلاد. بالأمس كان لنا شرف حضور تدشين ادخال التوربينتين (7) و(8) من سد مروي إلى الشبكة القومية لتضيف ألف ميغاواط للشبكة القومية للكهرباء.. صورة المشهد أمس مع اندفاع رزاز بحيرة السد ليلفح الوجوه المبهورة بالانجاز كان حتما مشهدا يملأ الزمان والمكان بل والتاريخ.. ،كل الحاضرين ومعهم الشعب السوداني كله عبروا عن رضائهم بابتسامة كضوء الفجر.. هناك في مروي الحضارة كان عناق عميق بين العزيمة وبين الانجاز.. على قدر أهل العزم تأتي العزائم.. سيبقى الانجاز يرن في الآذان مثل نواقيس الأطفال أيام الأعياد. كان للاحتفال طعم خاص بحضور نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه وفي ذلك تأكيد لعظمة الحدث وتأكيد لعناية القيادة في أعلى مستوياتها بمنطق منطقٍ آسرٍ ومقنعٍ انساب في هدوءٍ وإحاطة أكدت على عبقرية الانجاز وشكيمة العزم.. ،كاريزما اجتماعية وسياسية ميَّزت الأستاذ طه ومكنته من إحداث أهمَّ تحول في مسار الحرب والسَّلام في السودان، إذ أنها ساهمت بشكل فعَّال في وضع نهاية لأعقد وأطول حرب أهلية في إفريقيا. كان أسامة عبد الله مدير وحدة السدود كعادته بسيطاً بساطة أهلنا، واثقاً من نفسه، صادقاً في كلماته.. أوجز في كُليمات مجلوة بصفاء ذهن متقدٍ وبمعانٍ مصطفاة.. أسامة ورجاله وعدوا فأوفوا. سد مروي الذي ظل حُلماً لأكثر من 50 عاماً اليوم يبدو أكثر وضوحاً وإسفارا.. ،مشروع القرن الأضخم والأعظم عربياً وإفريقياً يعلن أن فجر المستقبل يكافح الظلام في قوة.. ظلام العالم كله عاجز عن إطفاء شمعة توقد في السودان.. شموع بلادي ومشاريعها التنموية لم تسقط سهلة من السماء كقطرات الغيث كما لم تنبتها الأرض كحبات السوسن.. كانت المناظر وأنا أتابع من نافذة الحالفة التي نقلتنا من مطار مروي - وذاك انجاز آخر - بديعة ومبهرة.. عشرات القرى على جانبي الطريق وقد اشرأبت فيها أعمدة الكهرباء لتنير الظلام كأنها في عرس مبهر.. الغبطة كادت تخلعني من مقعدي حيث مظاهر التنمية واقعاً يحكي عن نفسه.. لطالما بكت تلك قرى أهلي في الشمال وانتحبت حتى تصدع قلبها لسوء حظها فقد ألقت بها الحكومات المتعاقبة في عوالم النسيان.. لم يكن هناك محل لحظوظ الأنفس في حياة أهلها.. صور معاناتها راحت تعبر خواطري كتلك السحب التي سارت تعبر السماء تحت النجوم. كما هناك سور عظيم في الصين اليوم لدينا سد عظيم ستظل أجيال السودان جيلا بعد جيل تذكر هذا المشروع وتقف له إجلالاً.. شعار السد سيظل دائما معركة الكرامة واستغلال القرار.. شعار اختير بعناية وصادف واقعاً نعيشه.. الثقة بالنفس هي أول ما يمكن توفره لتحقيق الأعمال الجليلة الباهرة.. الفقر والجفاف وقسوة الطبيعة بقيت سمات رئيسية للولاية الشمالية.. سكانها ظلوا ممسكين على الجمر زغب الحواصل لا ماء ولا شجر.. اليوم ليست تلك الولاية فحسب بل كل ولايات السودان بلا استثناء ستنعم بخيرات مشروع سد مروي العظيم. نقلاً عن صحيفة الرائد 31/12/2009م