ها هو العام الجديد يفتح أبوابه، ومعه يحلم كل إنسان بأن يحمل هذا العام حياة أفضل له ولمن يحبه. ونحن في العالم العربي لا نختلف عن غيرنا، فإنسانيتنا تجعلنا نحلم بغدٍ أفضل وعام جديد يتحقق فيه الأمن والأمان لكل العرب، وأن تكون حالتهم في العام الجديد أفضل من ما كانت عليه في السابق. لكن وللأسف الشديد فإن الأحلام والأماني تتصادم مع الواقع الذي يقول لنا وبكل وضوح، إن عام 2010 لن يكون كما يبدو عام أمن واستقرار للمنطقة العربية، ولن يحمل في طياته بوادر إنصاف لقضايانا العربية العالقة، لاسيما قضيتنا المحورية قضية فلسطين. الحقيقة المرة هي أن كل عام جديد يدخل علينا في العالم العربي، لا يأتينا إلا بأحد الأمرين: إما استمرار حالة التأزم وعدم إيجاد حلول فاعلة لقضايانا، وإما بروز أزمات ومشكلات جديدة تضاف إلى ما لدينا من مشكلات عالقة! ولا يبدو أن عام 2010 سيحمل في طياته أية بادرة نجاح نحو حل قضايانا العالقة، ولا يبدو أنه كفيل بأن يبعدنا عن حدوث أزمات ومشكلات جديدة تضاف إلى ما لدى عالمنا العربي من مشكلات وقضايا، وبالتالي فإن عام 2010 لن يختلف عن سابقه ولن يضيف لنا سوى مزيدٍ من الإرهاق وعدم الأمن والأمان؛ فلنربط أحزماتنا استعداداً لعام مليء بالمطبات. قضية العرب المحورية مازالت عالقة، ولم تتمكن آمالنا ولا أمنياتنا التي نأمل ونحلم بها في كل عام جديد، من أن تحقق لنا أملنا وحلمنا في فلسطين حرة على ترابها الأبي وتكون القدس جزءاً أساسياً منها. ولا حتى آمالنا في الألفية الجديدة التي أضافت لنا الكثير من الأزمات التي عمقت أحزان وآلام العالم العربي، بدلاً من أن تكون ألفية خير علينا. فجاءت قضية العراق والألم الكبير في عام 2003، الذي ألم بشعبه وفتت قوته ومزق أوصاله حتى أصبح فريسة في يد كل طامع. فقد أتت قضية العراق لتضيف ألماً جديداً لقضايانا العالقة التي لم نجد لها حلولاً. أملنا وحلمنا بأن تحمل السنوات القادمة الخير للعرب والأمل في حل قضاياهم، ولكن لم يستمر الحلم طويلاً حتى جاءنا كابوس آخر ليزيد من الألم العربي، وهو ذلك الكابوس المتمثل في الاجتياح الإسرائيلي الهمجي والسافر لجنوب لبنان عام 2006، والاغتيالات السياسية في ذلك البلد، وحالة عدم الاستقرار الداخلي والانقسام الواضح بين مكونات المجتمع اللبناني السياسية الرئيسية. هذا الاجتياح الغاشم والانقسام الداخلي، أضافا عبئاً آخر على عالمنا العربي الذي كان عليه أن يتحمل ألماً جديداً يضاف إلى الآلام السابقة، التي كانت ومازالت تنهش جسده وتسقطه مريضاً غير قادر على الحركة. ثم أملنا الخير في عام 2007 ليكون عاماً جديداً مفعماً بالخير للعرب. ولكن للأسف شاءت الأقدار أن يتحول عام 2007 ليكون عام تمزق وفرقة لعالمنا العربي، حيث انقسمت قيادات فلسطين بين فتح وحماس، وانقسم معهم أبناء فلسطين إلى تيارين يحمل كل واحد منهما أجندته الخاصة، وانقسمت معهم فلسطين بأكملها إلى كيانين منفصلين عن بعضهما، كيان تسيطر عليه فتح في الضفة الغربية، وآخر تسيطر عليه حماس في غزة، ولا يبدو أنه يوجد بين هذا وذاك أي قاسم مشترك. وقبل أن يغادرنا عام 2008، وقبل أن نبدأ في التمني بالدعوة نحو عام جديد يحمل الوحدة للفلسطينيين، أبى العام القديم ان يغادرنا من دون أن يعمق الجرح العربي أكثر فأكثر، فقبل أن يغادرنا عام 2008 ضربنا في مقتلنا بالهجوم العسكري الإسرائيلي غير الإنساني على قطاع غزة المحاصر، الذي لم يُكرس فقط الانقسام الداخلي بين الفلسطينيين، بل إنه ألقى بظلاله على الحالة العربية طوال عام 2009. حيث نجح في تقسيم العرب إلى تيارين يُطلق على أحدهما تيار الدول المعتدلة، وهي الدول التي وصفت بأنها مؤيدة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ويُطلق على الآخر تيار الدول المتشددة، وهي الدول المؤيدة لحركة حماس، وبين هذا وذاك لا يوجد أيضاً قاسم مشترك. وجاء عام 2009، وكعادتنا حملنا الآمال الكبيرة نحو عام جديد يتحقق فيه الخير للعرب، من خلال حل قضايانا وتحقيق الوحدة بيننا، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل إن العكس قد حدث. حيث ان الفرقة استمرت وبرزت لنا مشكلة أخرى جديدة تنهش في جسدنا العربي. وهذه المرة في اليمن الذي يُفترض أن يكون سعيداً، حيث بدأ ليس اليمن فقط بل والعالم العربي، يواجه معضلة جديدة تتمثل في الطائفية التي يحاول بعض الأطراف زجها في قلب عالمنا العربي والإخلال بأمن واستقرار دولة مركزية محورية كالمملكة العربية السعودية، لتحقيق بعض الأهداف التي لا تخدم الصالح العربي. فقضية الحوثيين تم زجها في منطقتنا العربية، وأصبحت مأزقاً جديداً يضاف إلى كل ما يعاني منه العالم العربي من مشكلات وقضايا. ولعل السمة البارزة في مثل هذه القضايا الجديدة هي أنها تأتي لتضاف إلى القضايا القائمة، ولا تأتي لتحل محلها بعد أن يتم حل القضايا السابقة، أي أن قضايانا تتراكم فوق بعضها، وهذه مأساة كبيرة. حيث لا يمكن للعالم العربي أن يطيق هذا الكم الكبير من القضايا والمشكلات. وبناءً على ذلك فإن التوجه العام لمثل تلك القضايا وتطورها، يؤكد فكرتنا القائلة ان عام 2010 لن يكون عاماً لصالح العرب وقضاياهم، بل سيكون عاماً يحمل في طياته إما حالة استمرار لعدم حل المشكلات العربية العالقة وإما حالة بروز مشكلات جديدة تضاف إلى المشكلات السابقة؛ فلا الآمال ولا الأمنيات ستفيد في تغيير هذا الوضع، سوى أن نقول الله يستر مما سيأتي به علينا عام 2010. نقلاً عن البيان الاماراتية 3/1/2009م