ونعي بهم دون أدني مواربة قوي المعارضة السودانية التى تنتظر قطار ليس من المنظور ان يمر بالمحطة (المهجورة) التى يقفون فيها. والأسباب التى تجعل هذه القوى تنتظر (على الرصيف) طويلاً دون أن تتناهي الي مسامعها صافرة القطار عديدة ولا تقع على حصر، منها ما يتصل بها كقوي مشتتة الذهن، فاقدة التنظيم والوجهة، فقيرة التاريخ والانجاز فى الماضي، ومنها ما يتصل بالسلطة الحاكمة التى تسحب بجرأة ومهارة البساط يومياً من تحت أرجلها لتتيح للوطني سحب البساط والسير عليه وحده. كان من المكن وحال توجيه الوطني لهذه القوى الدعوة لحكومة قاعدة عريضة ان تهتبل السانحة وتسارع الى المشاركة، ففي الواقع كانت هي التى ستضع الوطني فى امتحان صعب بدلاً من ان تتصور أنها هي التى ستكون فى مواجهة ذلك الامتحان، ذلك ان هنالك برنامج مطلوب ان تنجزه حكومة القاعدة العريضة ودستور تنبغي صياغته، وهياكل حكم وإدارة فى حاجة الى ترميم أو إعادة تركيب. كل هذا كان من السهل والمتاح ان تشارك فيه بفاعلية حتى ولو سارت على خطي الوطني حذو النعل، ففي النهاية فإنها تكون قد قدمت شيئاً للوطن تحاجج به فى الدورة الانتخابية المقبلة. ايضاً كان بوسع هذه القوى -ان كانت تثق في مهارتها- ان (تنافس) الوطني فى تنفيذ هذه البرامج وتجتهد فى اختطاط خط خاص بها داخل اطار الصورة ، فالسياسة هى فن الممكن، والسياسي الفاشل بحق هو من يريد ان تخلو له الساحة - وحده - ويُنظف له الملعب، وتوضع أمامه الكرة، ويُترك له المرمي (خالياً) ليسدد هدفه ! هذا للأسف الشديد منتهي ما تتمناه المعارضة السودانية وهو ان يكون كل شئ طوع بنانها. كل المعطيات تحت خدمتها والآخرون فى الهامش. لقد كان مما يحمد للوطني ويزيد من أسهمه السياسية انه ظل دائماً داعياً للقوى السياسية لمشاركته السلطة وهى ترفض، وهو وضع شاذ بالمقاييس السياسية والقواعد المتعارف عليها إذ من المعروف ان القوى المعارضة فى اى بلد تضطر للجوء الى مواجهة النظام الحاكم حين تضيق بها رحاب المشاركة، والتحرك على ميدان الممارسة السياسية ومن النادر ان يفتح حزب حاكم الباب على مصراعيه لقوى سياسية تقلصت مساحة وجودها ووهن عظمها السياسي واشتعل رأسها شيباً لتشاركه فى السلطة وتحقق ما استطاعت لصالح الوطن وترفض ! و بالمقابل فان ذات هذه القوى حاولت ولا تزال تحاول إقصاء الوطني وإزاحته عن السلطة بشتى السبل وفشلت، بل وأقرّت بأنها اضعف من ان تفعل ولهذا فهي فى حاجة الى الشارع كي يسندها ويحقق لها ما تريد، والشارع – كما رأت وأيقنت – أبعد ما يكون عنها ليس لالتصاقه بالسلطة الحاكمة - وإن كان ذلك فى جزء منه صحيح - ولكن لأن الشارع السياسي – بذكائه المعهود – فى غني عن إدخال بلاده فى حالة فراغ سياسي مهول، والعودة الى مربع التشاكس الحزبي القديم وذهنية (آل بوربون) . لكل ذلك ليس من المستغرب ان تنتظر هذه القوى طويلاً، وطويلاً جداً!