تحت عنوان (بعد مرور عام على الاستفتاء للإستقلال، من الذى ساعد فى ميلاد دولة جنوب السودان) كتبت صُحفِية سويسرية الجنسية من أصول جنوبية مقالاً مطولاً حاولت فيه الإجابة على السؤال الذى أثارته. غير أنّ المقال، سرعان ما إنغمس فى خضم ذاخر من التعقيدات الجانبية التى سيطرت على ذهن الكاتبة. يشير المقال بدايةً الى أن السودان قبل انفصال الجنوب كان يمتد على مساحة أكثر من مليونين كلم مربع وكان أكبر دولة افريقية ؛ وأشارت الكاتبة – عند هذه النقطة تحديداً الى أن الانفصال شكل فوزاً بحسب تعبيرها – للولايات المتحدة واسرائيل والصين وفي نفس الوقت – أيضاً بحسب الكاتبة – إنتحاراً جماعياً للآخرين وتقصد السودان وجنوب السودان. وتشير الكاتبة الى أنه وعلى الرغم من ذلك لم يهدأ التوتر معتبرةً إنّ عدم الاستقرار وإستمرارالتوتر يعزز مصالح الولاياتالمتحدة واسرائيل والصين . وتقول الكاتبة إن جنوب السودان ورغم أنه أصبح الدولة رقم 54 فى السجل الدولي إلاّ أنه يظل أفقر دولة من ناحية البني التحتية والأخطر فريسة سهلة للمستثمرين الاجانب. وتُلقي الكاتبة بسؤال محوري وهى تتناول اوضاع الدولة الجنوبية الوليدة وقد مرَّ عام على قيامها عن مَن يكون وراء كل ذلك؟ وتجيب الكاتبة على السؤال بأن الدول الغربية تعمل على تشويه صورة الحكومة السودانية فى الصحف ووسائل الاعلام الغربية وذلك لصالح دولة جنوب السودان، ولكن أحداً لا يسأل من المسئول عن كل ذلك؟ وتري الكاتبة ان المسئول عن ذلك حسب تقصيها وبحثها هى مصالح القوى الدولية التى تغذي الصراع وتعمل بإستمرار على تأجيجه إلي أقصي مدي ممكن، وقد إتضح ذلك فى سعي الولاياتالمتحدة لإنشاء خط أنابيب لا يمرّ بالسودان وإنما يمر بكينيا حتى يخلو لها الجو مع النفط الجنوبي الذى يثير شهيتها. واشنطن أيضاً وفق الكتابة تنشط فى مجال العمل الاستخباري من خلال برنامج (إيميت الدولية) ويسمي بالعسكرية والتدريب؛ وتشرف عليه قاعدة أفريكوم الامريكية والذى يستهدف تدريب 10ألف سوداني فى الجنوب بالتعاون مع جوباوواشنطن وتل أبيب. ويمضي المقال ليؤكد إن عدم الاستقرار فى جنوب السودان يساعد تل أبيب فى ترسيخ نفوذها على المنطقة بسهولة شديدة وقد نجحت اسرائيل فى دفع الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت للتعهُد بفتح سفارة جنوبية فى القدس. وتخلص الكاتبة الى أن الوضع ينذر بكارثة فى ظل تجدُد الصراع فى الحدود المشتركة للدولتين، وهو ما يلخِّص فى الواقع صميم الأزمة التى خلقتها واشنطن وتل أبيب فى المنطقة بالعمل على إذكاء نيران الصراع بين دولتين كانتا دولة واحدة، سعت هذه القوى الدولية لفتقها وجعلها دولتين متحاربتين متخاصمتين. ولا شك أن هذا المقال يعطي صورة واضحة عن طبيعة ما يجري بين السودان وجنوب السودان كأمر يتجاوز بكثير مجرد خلاف ثنائي حول قضايا خلافية بسيطة ؛ الأمر بهذه المثابة أعمق مما يبدو على السطح ولذلك لا يتوقع أحد حلحلة الأزمة بين الدولتين سواء بقرار دولي أو بمفاوضات؛ وقد لامست الكاتبة جوهر النزاع والأيادي التى عبثت بالأزمة، بل واصطنعتها إصطناعاً غير مكترثة لنتائجها ومآلاتها!