ثلاثة وعشرين عاماً أكملتها ((الإنقاذ الوطني)) بحلول اليوم السبت (30) يونيو 2012م.. وبرغم الفترة المتطاولة للحكومة إلا أن الموقف الاقتصادي ظل متأرجحاً ما بين مؤيد ومعارض للسياسات المتعددة خلال الحقبة الانتقالية الزاخرة بالأحداث الاقتصادية .. ولا تزال الكلمات التي ألقاها رئيس مجلس قيادة الثورة وقتها العميد عمر حسن أحمد البشير تتبادر للأذهان .. وكيف أن الحالة الاقتصادية التي كان يعيشها السودان وصلت إلي ألمدي البعيد في تدهور مستوي المعيشة ومعاناة المواطن في الحصول على ابسط مقومات الحياة وسط وجود ندرة في السلع الرئيسية وانخفاض موارد الدولة من النقد الأجنبي، وعند مجيء الإنقاذ إلي سدة الحكم واجهت في بداية عهدها صعوبات اقتصادية جمة في وقت اشتدت فيه وطأة الديون الخارجية. والناظر إلي مسيرة الإنقاذ خلال الثلاث وعشرين عاماً المنصرمة لا يستطيع إغفال الانجازات الاقتصادية المتحققة، التي تمثلت في استخراج النفط وتنمية البنيات التحتية من كهرباء وطرق وكباري وتوسيع شبكة الاتصالات ومحاولات الحكومة الجادة في جذب الاستثمارات الأجنبية غير أن هذه الانجازات تقابلها سلبيات أضرت بالمسيرة الاقتصادية من حيث التغيير المستدام للسياسات المالية والنقدية بما أعاق مسيرة الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلي عدم إحكام وزارة المالية على المال العام وتفشي ظاهرة تجنيب الإيرادات في بعض المؤسسات، هذا بالإضافة إلي دخول الدولة في نفق الأزمات الاقتصادية إبان انفصال دولة جنوب السودان وخروج موارد النفط بما أثر على الموازنة العامة للدولة، وبالرجوع إلي بدايات عهد الإنقاذ نجد أن سياسة التحرير التي اتخذتها الإنقاذ في عهد وزير ماليتها عبد الرحيم حمدي وقرارات خصخصة المؤسسات الحكومية التي اعتبرت وقتها من أخطر القرارات، كما شهدت فترته الثانية كوزير مالية إلغاء الضرائب الزراعية، وكان مؤيدوه يشهدون له بنتائج إيجابية تمثلت في رفع نسبة النمو الاقتصادي وخفض معدلات التضخم .. وفي المقابل يتهم حمدي معارضون لسياساته بأنه تسبب في تشريد العاملين وزيادة معدل البطالة والفقر، ولكن الجميع يشهد له بأنه أسهم بصورة أكبر مما توقع العامة في استقطاب استثمارات أجنبية للبلاد. أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين بروفيسور عصام بوب يري أن ثورة الإنقاذ جاءت في ظروف استثنائية، مشيراً إلي أنها أتت بذات العنوان الذي أتت به الحكومات السابقة والقاضي بإيقاف الممارسات الإدارية غير الصحيحة وتردي السياسات العامة، بجانب أهم الشعارات المتلخصة في توفير حياة كريمة للمواطن السوداني وإيقاف التدهور الاقتصادي.. وأكد بوب أن هذه الشعارات جعلت الشعب يذهب ويؤيد الثورة ويستمع لنداءاتها، ووصف الأحوال الاقتصادية في الأيام الأولي لاندلاع الثورة بالسيئة، لافتاً إلي وجود إجراءات مشددة وقتها.. وأعاب بوب في حديثه ل(الأهرام اليوم) على الإنقاذ وقتها رفع شعارات أتاحت لها القبول الشعبي من خلال الشعارات من شاكلة (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع)، إلا أن بوب رأي أن الإجراءات الاقتصادية التي نفذتها الإنقاذ عملت على تغيير الاقتصاد السوداني بصورة جذرية تمثلت في إجراءات التحكم في تدفق الأموال والسياسات النقدية بصورة مشددة، الأمر الذي أدي إلي إخراج الرأسمالية الوطنية الحقيقية من العمل الاقتصادي وخلق طبقة رأسمالية جديدة تحكمت في مقاليد الاقتصاد وابتدعت سياسات الانفتاح، مما خلق طبقتين إحداهما غنية وأخرى غير قادرة على الحياة، وقطع بوب بعدم إنكاره وجود انفراج في مستوي معيشة المواطن منذ العام 2001 – 2007م غير أنه انتقد بناء الاقتصاد على أسس جديدة، واعتبره أدي إلي خروج وانهيار القطاعات الاقتصادية ومن أهمها القطاعان الزراعي والصناعي من منظومة الإنتاج والاعتماد على القطاع الخدمي كقطاع مفترس للاقتصاد. وقارن بوب الاقتصاد في أول أيام الإنقاذ بما يحدث اليوم، واعتبر ما تعيشه الدولة كارثة حقيقية وانهياراً تماً أدي إلي ازدياد حجم الدولة وترهلها، مؤكداً فقدانها لقطاعاتها الإنتاجية بما جعلها تفترس المواطن، لافتاً إلي أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي وضعتها الدولة زادت من حدة الوضع بعد أن عملت على توسيع المظلة الضريبية بمستوياتها المختلفة ورفع الدعم عن المحروقات وزيادة الخدمات. وقال إن كل هذه الإجراءات أفقدت المواطن القدرة على الاستهلاك أو التمتع بالخدمات الأساسية كالدواء، بالإضافة إلي ارتفاع عجز القطاعات الإنتاجية في توفير فرص عمل، لافتاً إلي أن الدولة في حالة انكماش متواصل منذ العام 1992م، واعتبرها النتيجة الحتمية فيما يحدث اليوم من عجز في الإصلاح في أي مسمي من مسميات الإنقاذ، سواء كان نفرة أو نهضة أو برنامج ثلاثي. ونوه بوب إلي عدم وجود مفر من مرور الأمة السودانية بمرحلة إعادة هيكلة بهدف معالجة قطاعاتها الحقيقية. نقلاً عن صحيفة الأهرام اليوم 30/6/2012م