ظل التوتر سيد الموقف بين الحكومة السودانية وقناة العربية الفضائية.. الخرطوم تعتقد أن القناة (تُخسر) كيل المعالجة الخبرية وهي تتناول الشأن السوداني.. حالة التوجس بلغت ذروتها إبان تغطية القناة للمظاهرات الأخيرة في الخرطوم والتي تزامنت مع إعلان الحكومة عن حزمة إجراءات اقتصادية قاسية رفعت بموجبها الدعم عن المحروقات.. الخرطوم تتهم القناة بالتضخيم القائم على أجندة سياسية وليس تغطية مهنية.. اتهامات الخرطوم للقناة نظر إليها البعض في إطار التوتر الذي تعيشه الحكومة السودانية نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تمسك بتلابيبها.. لكن القناة منحت الحكومة السودانية فرصة ذهبية عندما بثت تقريراً عن زيارة مزعومة للنائب الأول للرئيس السوداني لإحدى المدن السودانية، وجاء في تقرير القناة أن نائب الرئيس واجه اعتراضات شعبية وأن رجال الأمن تمكنوا بصعوبة من تأمين خروجه من المدينة.. كانت مفاجأة صادمة أن نائب الرئيس السوداني لم يقم أصلا بتلك الزيارة المزعومة ووقعت القناة في خطأ مهني كبير لا يغتفر.. الخرطوم رأت في تلك (السقطة) تأكيدا لاتهاماتها السابقة للقناة ب(الكذب والتلفيق).. مكتب النائب الأول لرئيس الجمهورية أصدر بياناً كذب فيه تقرير القناة مؤكداً أن المسؤول السوداني لم يزر تلك المدينة المشار إليها في التقرير.. هذا النفي الرسمي يعتبر الأعلى مستوى تجاه قناة العربية. لاشك أن قناة العربية تنكبت طريق الاقتداء والاتباع ولم تستطع أن تحذو حذو قناة الحُرّة الأمريكية الناطقة بالعربية ولم تتمكن حتى من بلوغ مرتبة (الإمعة).. ديدن الإمعة؛ أن يحسن إن أحسن الناس ويسيء إن أساءوا لكن (العربية) أساءت في كل الأحوال.. كذبت (العربية) وتحرت الكذب حتى سارت الرياح بكذبها وأضحت عند السودانيين كذابة.. معلوم أن قناة (الحُرّة) مطلوب منها أن تخلق نمطاً تليفزيونياً يقوم على المعايير الأمريكية والغربية في الأخبار والتقارير والبرامج السياسية والاجتماعية.. يقول الصحفي الأمريكي إيلين مكارثي في صحيفة واشنطن بوست: (إن قناة الحُرّة تعتبر أكبر وأغلى محاولة قامت بها الحكومة الأمريكية لتغيير الرأي العام في الخارج عبر البث منذ إنشاء صوت أمريكا في العام 1942م).. وتقول صحيفة نيويوركالأمريكية: (لا يُطلب من مذيعات القناة ارتداء غطاء الرأس ويلقين تحية المساء بدلا من السلام الديني المعروف في العالم الإسلامي).. صحيح أن لقناة العربية أجندة سياسية واضحة ومعلومة ضد السودان مثلها مثل قناة الحُرّة، لكن أداءها المهني كان دون المعايير الأمريكية المختلة أصلاً.. الفضائيات آخر تجليات المدنية الحديثة، وباتت تشكل خطراً حقيقياً على البشرية في ظل مبادئ العولمة (الإمبريالية) ونواياها غير الإنسانية.. هذه الفضائيات هي رأس الحربة في الغزو الإعلامي المنظّم الذي يجتاح الوطن العربي.. ما هو أخطر أن هذا الغزو في كثيرٍ من الأحيان يرتدي ثياباً عربيةً ويوهم البُسطاء بأنه يتحدث باسمهم، ويُدافع عن أحلامهم في (الحرية والديمقراطية).. تلك مفردات صنعها وأنتجها وأستخدمها الإعلام الغربي بعناية فائقة.. الوقوف في وجه هذا الغزو لا يتطلب وعياً عالياً بأهداف هذا الغزو فحسب؛ وإنما يتطلب قدرةً عاليةً على فضح مواطن السّم في الدسم.. خطورة الفضائيات أنها تستند على حقيقة ثابتة وهي أن العين ترى وتدرك أكثر من 75% من جملة الإدراك الذي تقوم بها حواس الإنسان في اليوم وتليها مباشرة الأذن التي تسمع أصواتا تحمل معلومات تعادل 8% من جملة إدراك الإنسان اليومي.. البعض يدافع عن مكتب القناة في الخرطوم باعتباره يعد تقارير (مهنية) لكن يتم التلاعب بها مما يفسد مهنيتها!!.. لو كان ذلك صحيحاً فعلى كادر المكتب أن يقدم استقالته انتصاراً للمهنية.. أعتقد أن نوعاً من المساءلة يجب أن تتم استنادا لميثاق الشرف الصحفي الذي تواضع عليه الصحفيون في السودان.. من قبل كانت فكرة ميثاق الشرف الصحفي خطوة في الاتجاه الصحيح باركها الصحفيون ممثلين في اتحادهم ورؤساء التحرير وبحضور ومشاركة الجهات الرسمية ذات الصلة.. في المعتاد تتم الرقابة على الصحافة عن طريق الرأي العام ومواثيق الشرف المهنية.. إن ضبط الإيقاع الصحفي بحيث يتواءم وينسجم مع المصالح الوطنية العليا وثواب الأمة قضية جدلية يستعر النقاش حولها.. التجارب العملية أثبتت استغلالا (سيئاً) و(مضراً) بالمصلحة الوطنية لهامش الحرية الضيق والذي يزداد ضيقاً يوماً بعد يوم المصدر :الشرق القطرية 22/7/2012