سوف يكتشف المجتمع الدولي قريباً جداً أو لعله اكتشف ولكنه يتغاضي عمداً عن ذلك أن القضاء الجنائي الدولي الوليد الذي أنشأه في مبني أزرق أنيق في المدينة الهولندية الساحرة لاهاي ووضع له موازنة بلغت (مائة مليون يورو) سنوياً وجيش من الخبراء والموظفين علي رأسهم المدعي العام الجنائي الدولي الارجنتيني الجنسية لويس مورينو أو كامبو بكل تاريخه المشين لم يعد أهلاً للثقه وأن التجربة التي تشابه معامل فئران التجارب فاشلة لا محالة. فقد نشأت هذه المحكمة دون أن تتم احاطتها احاطة قوية بأسوار حصينة من النزاهة والحيدة ودون أن تكون نصوص القانون الجنائي الدولي نفسه في شأن جرائم الحرب نصوصا واضحة خاصة وأن السوابق القضائية المتوفرة في هذا الصدد متضاربة ومتنافرة ولعلنا هنا نتحدث علي وجه الخصوص حول ما اذا كان الأمر (مصادفة) أم أن هذا القضاء محكوم بالسياسة أم هو قضاء برئ، وبراءته هذه جعلته لا يتحرك الا في (تواريخ) بعينها يرتبط بها عمل سياسي مهم في السودان. ففي المرة الاولي حين صدر قرار اعتقال البشير في 4 مارس (اذاك) 2009 كانت الحكومة السودانية والقوي السياسية في السودان بأسرها تختضن للتو نصوص قانون الانتخابات الذي وجد اشارة دولية نادرة ووجد اشارة محلية من القوي السياسية كأفضل قانون انتخابات ولو نسبياً وبالمقارنة للقوانين السابقة وقوانين دول مجاورة- يتم التوصل اليه. ولم يكن أدني الناس معرفه وعلماً في حاجة لفهم المغزي والدلالات فقد كانت محكمة الجنايات (بهذه المصادفة) تقول للسودانيين أن تطلعكم نحو انتخابات وتداول سلمي للسلطه وتحول ديمقراطي محض سراب، اذ أن مذكرة الاعتقال تستهدف رمز سيادة البلاد وهو رمز- ومهما قبل فيه وقبل عنه- أجري تحولاً نادراً من الحكم غير التعدي الي حكم يتجه نحو التعددية وبطبيعة الحال فان كافة القوي السياسية السودانية والجماهير السودانية لم تكن تنتظر أن (تطعن في شرفها) هذه الطعنة النجلاء وهي تتجه لصناديق الاقتراع، فاللعبة الديمقراطيه- بهذه الطريقه- سوف تفسد، والبلاد سوف تنشر فيها فوضي لا يريدها أحد. وهذه هي المرة الثانيه أيضاُ ربما تزعم فيها المحكمة الجنائية أنها (جاءت أيضاً بالمصادفة) التي تصدر فيها قرار (مهم) شديد الغموض الغرض منه تطويل أمد الدعوي لاعادة عرقلة السير نحو التحول الديمقراطي. بهذين المثالين فقط يستشف بوضوح أن هذه المحكمة في جانب والعدل في جانب اخر تماماً، فالدائرة الاستئنافيه – وبصراحة غامضه أو بغموض صريح- تقول للدائرة الابتدائيه التي لم تقتنع أصلاً بوجود تهمه ابادة جماعية بأن (تكد ذهنها وتجتهد وتفعل السبعة وذمتها) للبحث عن هذه التهمة!! مع أن ذات هذه الدائرة الاستئنافيه كفل لها القانون أن تقرر هي نفسها في الامر. ومن الواضح أن هنالك من (طلب منها) أن تدحرج الكرة بتأني وأن تطيل الاجراءات، وتفتح المجال للمدعي العام الاتيان بالمزيد من الادلة المصطنعة المهم لابد من وجود سيف مرفوع علي رأس السودان. لقد أثار هذا القرار امتعاض أهل القضاء والقانون، فهؤلاء- بخبرتهم ومعرفتهم- من المستحيل أن تفوت علي مظنتهم ما وراء هذه الخطوة غير القضائية وغير القانونية المؤسفة!!