تنعقد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا القمة المرتقبة بين رئيسي جمهورية السودان ودولة جنوب السودان، وهو لقاء طالما تأجّل واعترته موانع كثيرة وعجّل به انتهاء الأمد الذي حدده مجلس الأمن الدولي للدولتين للفراغ من التفاوض بالتوصل لاتفاق شامل ونهائي بينهما، وهو موعد وأجل قد انتهى أمس. لقاء الرئيسين غرضه الأساس، إسدال الستار على بعض الملفات والقضايا الخلافية بين البلدين التي يجري نقاشها على طاولة المفاوضات في أديس أبابا، وحتى هذه اللحظة قبل ساعات من عقد قمة البشير سلفا، لم يتأكد بالضبط ما هي ملامح الاتفاقيات التي يتم التوقيع عليها ولا الصيغة النهائية للحل الشامل للقضايا العالقة، وكل ما في الأمر مجموعة التكهنات بأن الرئيسين سيترجمان رغبة بلديهما في طي ملفات الخلافات، وقد يتم التوقيع على اتفاق حول المسائل الاقتصادية يشمل الملف النفطي والتجارة الحدودية وتبادلاتها، وربما صيغة معدلة غير ملزمة الآن لأي طرف حول وضع مواطني البلدين أو ما يسمى بالحريات الأربع، بالإضافة لاتفاق مبدئي حول أبيي ، وتثار عدة نقاط لدى كثير من المراقبين والمحللين مفادها أن قضايا الملف الأمني والحدود ما تزال جامدة غير متحركة باقية في مكانها، ولم تستطع جولات التفاوض إحداث اختراقات مهمة فيها، وذلك لصعوبة تجاوز بعض جوانبها خاصة الخريطة التي قدمتها الوساطة والمنطقة العازلة المنزوعة السلاح بين الجانبين ووضع الحركات والمجموعات المسلحة من الطرفين وفي مقدمتها حركات دارفور المتمردة وتصفية المعسكرات التي تأوي هذه المجموعات. ففي مسألة الحدود سرت شائعة بأن قضية الميل «14» قد تُحلُّ بتنازل دولة الجنوب عنها مقابل التوصُّل لصيغة مقايضة في بعض النقاط المختلف حولها، إلا أن مثل هذه الشائعات قد لا تجد طريقها للتصديق لصعوبة عقد صفقات وإبرامها بسهولة في أجواء لا تزال ملبّدة بالشك ويكتنفها الغموض، خاصة أن المناطق الحدودية المتنازع عليها توجد فيها قبائل ومجموعات سكانية لن توافق بسهولة على أي صفقة تعقد في غياب أصحاب الأرض الأصليين. أما ملف أبيي، فيبدو أن مقترح الوساطة الإفريقية الذي قدم قبل أيام للرئيسين البشير وسلفا كير، شابته الكثير من العلل، فلم تستطع الوساطة حل معضلة الاستفتاء المؤجل وكيفية إجرائه، ولم تتمكن من الإفصاح عن أية أفكار موضوعية ومعقولة ومن ثم مقبولة حول تقسيم المنطقة على غرار خريطة هيئة التحكيم الدولية في لاهاي أو غيرها. ولذا فإن ملف أبيي غير مرشح اليوم ليكون هو الأهم على طاولة الرئيسين في العاصمة الإثيوبية، ويتحدد مصير أبيي بقوة دفع المسيرية ودينكا نقوك في الجانبين وثقل تأثيرهما في الانتقال به إلى الواجهة، وكل قيادات القبيلتين والإدارة المشتركة المتمثلة في لجنة الإشراف الخاصة بأبيي تعلم حجم التعقيد في هذه القضية الشائكة. ويبقى إذن أمام القمة تأكيدات وإبداء رغبة متبادلة في انتهاج أسلوب الحوار والحل، والخروج بالممكن من الاتفاقات لتجنُّب ما ينتظر من قرارات قد تصدر عن جلسة مجلس الأمن الدولي المتوقعة بعد أيام للنظر في ما تم بين الخرطوم وجوبا. لكن المؤكد أن حدثاً تاريخياً كبيراً لن يتم في هذه القمة، فإذا كان وفدا التفاوض قد عجزا حتى اليوم من التوصل لأي اتفاق نهائي والفراغ من كل القضايا العاجلة، فإن القمة الرئاسية لن تقفز فوق الواقع والحقائق، ستوافق فقط على ما تم التوافق والاتفاق عليه، وتقول حسناً في ما تبقى، ثم ينفضُّ اللقاء بكسب نقاط الزمن والوقت كما يتوقع كل طرف، والحقيقة التي لا مناص منها أن موضوعات التفاوض تحتاج لمزيد من الوقت والجهد والصبر لحلها لأنها قضايا لا تحتمل المساومة ولا التعجل. كما أن القمة ذاتها ليست نتاج إرادة سياسية جادة، ألزمت الخرطوم وجوبا، هي مقترح من الوسطاء والبيت الإفريقي تحت مظلة القرار الأممي«2046»... ونحيا لنرى.. ما يخبئه هذا اليوم الحافل. نقلاً عن صحيفة الانتباهة 23/9/2012م