السبب المباشر فى غاية البساطة، هناك قادة فى ما يسمى بالجبهة الثورية يستلمون الأموال من الخارج بغرض دعم عملياتها المسلحة ولكنهم يستأثرون به لأنفسهم فى حسابات خاصة لدي بنوك أجنبية. المتمرد مالك عقار على سبيل المثال لديه حساب معروف سبق وأن أوردنا أرقامه فى كمبالا ونيروبي ولندن باليورو والدولار الامريكي والاسترليني. أقل ما يوجد فى هذا الحساب لا يقل عن 100 مليون يورو! مني أركو مناوي هو الآخر لديه حساب (مكشوف ومعروف) فى كمبالا بالدولار الامريكي، وعمر حسابه هذا حديث نسبياً، والجهة التى مولت الحساب وغذّته معروفة ووثيقة الصلة بالمخابرات اليوغندية، والأمر تم فى سلاسة ويُسر قبل أشهُر خلت ولا يقل هو الآخر عن 25 مليون دولار. أما عبد الواحد محمد نور فأمره أعجب قليلاً، فهو عريق فى النشاط المصرفي وإنشاء الحسابات، وحساباته المصرفية الخاصة يتجاوز عمرها الثمانية سنوات موزعة ما بين لندن وباريس وتل أبيب، ومؤخراً ولأغراض خاصة جداً تم فتح حساب له فى نيروبي! ويمكن القول أن عبد الواحد بحسب متابعات (سودان سفاري) صاحب أكبر حساب بين المجموعة كلها، حيث يتجاوز رصيده (المعروف) ال250 مليون دولار! وربما تكون هنالك أصدة (سرية) بأسماء مستعارة لم يتم الكشف عنها خاصة وأن وثائقاً سبق وأن نُشرت من قبل أشارت الى وجود (أكثر من إسم) للمتمرد عبد الواحد فى أكثر من جواز من جوازاته العديدة التى يتحرك بها منذ سنوات. هذه الأموال المحبوسة فى خزانات مصرفية وحسابات خاصة هي التي ما فتئت تشعل الخلافات بين مكوّنات ما يسمى بالجبهة الثورية، فالجميع يعلم ان المال متوفر وأنه مرصود أصلاً للقيام بأنشطة الجبهة الثورية، ولكن ما من قائد من أصحاب هذه الحسابات الوفيرة يسحب ولو دولاراً واحداً لتمويل أنشطة الحركة، ويرجع السبب فى ذلك الى حديث صريح أدلى به قيادي (سابق) فى حركة عبد الواحد لبعض قادة تحالف حركات دارفور فى شهر سبتمبر الماضي، حيث قال انه حضر إجتماعاً عاصفاً لقادة الجبهة الثلاث، عقار ومناوي وعبد الواحد، غاب عنه عرمان لظروف قاهرة وجرى نقاش بدأ هادئاً ليتطور الى ملاسنة و حِدّة بشأن الطريقة المثلى للصرف على تحركات وأنشطة الثورية. وكانت الأزمة فى إحجام القادة -كلٌ بأسبابه- عن الكشف عن ما لديه من مال بصورة واضحة، وقد تمسك كل قائد بأن الكشف عن المال أمر يهدد أمن الثورية من جهة، ويهدد القادة أنفسهم الذين ربما يطمع بعض قادتهم الميدانيين فى الحصول عليه. وحين لم يتم التوصل الى صيغة مناسبة فى هذا الصدد، إنتقلوا الى نقطة متقدمة بأن يتفقوا على مساهمات محددة من كل قائد بحيث يلتزم بسدادها شهرياً لتسيير عمل الثورية، ولكن حتى في هذه النقطة ظهرت عقبة كأداء فى من يتولى تسلُّم المال المرصود، وكيف يمكن أن يحفظ؟ وجرى نقاش مطول لم يتم التوصل فيه ايضاً لحل. وإنتقل بعدها القادة الى أن يرصد كل قائد مبلغاً معيناً يكون فى حوزته هو، ويخطر البقية بما قام بتوفيره حتى يمكن ان يتم الحصول على رقم واحد واضح يتم على أساسه تحديد طبيعة الأنشطة المطلوبة، وفى هذه النقطة بالذات تفجّر الخلاف تفجُّراً مفاجئاً إذ أن الجميع بدأ فى الاعتذار بأن ما لديه لا يكفي حتى لتحركاته الشخصية والاسفار المتواصلة، وأن من المطلوب ان يتم تكوين وفد موحد للسفر الى الخارج بحثاً عن الدعم بإسم الجبهة الثورية. وهكذا، فإن الأمر ظل منذ ذلك الحين معلّقاً وبدأ التوتر بين القادة يتصاعد، وقلّت أنشطة الجبهة فى الميدان الى حد العدم والتلاشي. وما من شك ان ما قاله القيادي فى حركة عبد الواحد هو فى الواقع – وبذات البساطة – مربط الفرس فى الأزمة التى تغوص فيها الآن ما يسمى بالثورية، ففضلاً عن تنافر القادة وغياب أيّ رؤية تجمع بينهم، فإن هنالك مخاوف وعدم ثقة بينهم خوفاً من ما قد يحمله الغد القريب، إذ لربما يلتحق طرف منهم بعملية سلمية بالاتفاق مع الحكومة السودانية أو أن يقع خلاف فيما بينهم لسبب أو لآخر، إذ من المؤكد حينها أن أسرارهم سوف تتطاير وتصبح فى متناول خصومهم!