إن الإنتقائية التى صيغت بها الاتهامات ضد السودان من قبل خبراء الاممالمتحدة بانتهاك العقوبات الدولية بشنها هجمات جوية واستخدامها طائرات مستوردة من روسياالبيضاءوروسيا فى اقليم دارفور تظهر وبلا مواربة فى كون أن التركيز انصب على مصادر السلاح ومنشأ صناعته الروسية والإيرانية. وتمتد الاتهامات لتطال هذه الدول لكونها شاركت فى انتهاك هذه العقوبات، وهنا يمكن مقارنة طريقة (خبراء الأممالمتحدة هؤلاء) فى الفرز الانتقائي بحسب مصفوفة الأسلحة الممنوعة نفسها فى بلدان أخرى وفى مناسبات أخرى مشابهة ما يجري فى دارفور من وضعيات الكر والفر والتوصيف الأمني نفسه، وبدلاً من أن يكون التركيز على المدنيين وأطراف الصراع فى الإقليم ليكون الموضوع هو وسائل القتال وليس الذين عليهم يقع تأثير هذا الاقتتال. الشك والارتياب فيما يقوله خبراء الاممالمتحدة منشأه أنهم يفتقرون لخاصية الحياد ووحدة المعاير، لأن الرقابة القانونية الدولية ليست عملاً سياسياً بالمعني المعروف والمحدد اصطلاحياً له، وأن تساوق التحليل القانوني مع الإشارات السياسية لوزارة خارجية فى بلدان بعينها فى منظمة دولة تعمل بالتصويت وحق الفيتو هذا ليس من القانون الدولي فى شيء. لأن الوقائع تقرأ من زاوية الحكم المسبق والإدانة المعلبة، هل تكمن جريمة الحكومة السودانية فى أنها فقط استخدمت طائرات من صنع روسي لضرب أهداف محددة هناك؟ أم أن نتائج هذا الهجوم هي المعنية بالتجريم؟ لذلك فإن الشك يطال (صفة الخبرة تلك) لأن التوظيف فى هذه البعثات واللجان يرتبط مباشرة بمدي قرب وبعد هذا (الخبير) من التقارير الداخلية لضابط استخبارات البلدان المعينة برفع و خفض ملفات شائكة مثل الملف المذكور ولأغراض توقيت سياسي مدروس، القنابل العنقودية التى استخدمت فى جنوب ر لبنان وهي من صنع غربي والأخرى التى تستخدم الآن فى سوريا و حمم جهنم التى انصبت على رؤوس العراقيين أيضاً من نفس المنشأ، لكنها لا ترقى على مستوى التجريم، بالرغم من أن عدداً كبيراً من الخبراء العسكريين الأمريكيين أنفسهم وبما فيهم شوارزكوف كانوا يتحدثوا باستمرار عن حروب نظيفة ، ومع تطور الإعلام وتقنيات البث المباشر يكون كل شيء قابلاً لأن يعرض وليس هنالك (سري وشخصي) حتى في العمليات العسكرية الخاصة، التى أدارها البنتاغون فيما يزيد من 73 تدخلا ًعسكرياً أمريكياً فى العالم منذ العام1945 حتى تأريخه. خبراء الأممالمتحدة لا يستطيعون ان يؤكدوا فى تقاريرهم مثلا الواقع الإنساني فى الأراضي الفلسطينية المحتلة جراء ما تقوم به إسرائيل من عمليات دهم وتجريف واعتقالات عشوائية منحطة وأقل ما توصف بالآدمية، ما هو معيار التجريم القانوني هنا ؟ موت المدنيين والأسرى وخيانة المواثيق أم تكبيل أيدي المظلومين أصلاً وتقوية الطرف المعتدي؟ الوضع فى دارفور يختلف كثيراً عن النماذج التى يعمل عليها خبراء الأممالمتحدة لأن عقلية العداء للروس ووضع إيران فى خانة التحفظ الدائم بمشاكلها مع المتضررين من برنامجها النووي ودمجها مع المشكل الأمني السوداني هذا بمثابة إقحام مخل لقضايا دولية فى ملف سودانية داخلي له طريقة خاصة فى القراءة، ولا توجد أية علاقة ما بين الدولة المنشأ لسلاح المعين والحرب التى يستدم فيها، الأمر الذي يكون من شأنه مدعاة لاجترار أساليب عقيمة منذ أيام الحرب الباردة، وتجدد الوقائع فى دارفور تقارير اليوناميد وهايلي منكريوس وبقية منظمات الأممالمتحدة العاملة فى السودان لا يعني أن هناك تجدداً يحدث على مستوى تكوينات هذه المنظمة، لأنها بدلاً من أن تتطور لكي تتسع لقضايا أكثر شمولاً وكونية تقلصت أدوارها لخدمة وزارات الدفاع والخارجية فى واشنطن وبريطانيا وإسرائيل. هناك وضع إنساني معقد و قاسي فى دارفور وهناك حرب نشطة تدور عبر التفلت الأمني، والمم المتحدة عبر بوابة استصدار القرارات المكبلة للحكومة لا تواكب ما استجد بعد أتفاق الدوحة الذى تكونت بموجبه السلطة الإقليمية فى دارفور واعترفت به الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن، ومهمتها بل ومن أولياتها حفظ الأمن، كيف تقوم القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى بمهامها إذن؟ هذا ما لا تسمح به أية دولة ذات سيادة لأي كان أن يحدده أو يقترحه لها، والتقرير الذي رفعه خبراء الأممالمتحدة لم يشر الى التطورات على الأرض فى الحدود مع دولة الجنوب ومن أين تتدفق الأسلحة والعناصر المقاتلة، لأنه لا يرغب فى أن يتجاوز صلاحياته السياسية التى هي شرطت وظيفه عبر الموثق! القانون الدولي وأي قانون على وجه الارض يحكم (كل، ولا يستقوي على طرف دون آخر) القتال فى دارفور يدور بين أطراف متعددة، هي في الغالب حركات مسلحة لها رؤيتها السياسية فهناك من يفاوض وآخر يقيم فى ارض أجنبية ومنها تنطلق عملياته وهناك من يمارس النهب لأجل النهب، لهم قضاياهم المطروحة فى إطار الطرح السياسي والقابل للنقاش، والسياسة تقنن السجال اللفظي والعملياتي هنا ولا حاجة لأن تزيد الاممالمتحدة هذه الأزمة اشعالاً، والأجسام التى تعبر عن هذه الحركات المختلفة وهي تعسى لتوحيدها أيضاً تتحرك، ولكن الذي لن يتحرك حتى إشعار آخر هو تلك النظرة الاستعلائية التى تجعل من الشعوب (مجرد نقاط متفرقة فى تقارير) لما يسمونهم خبراء الأممالمتحدة، وإذا لم تنفصل السياسة وموجهاتها الذاتية عن تكييف الوضع فى إقليم دارفور فإن كل شيء سيتحول نحو الحرب المؤبدة والعقوبات التى يكون قوامها الحظر الاقتصادي وتكبيل أيدي الحكومات. عقوبات قروسطية لا تتناسب التطور الفعلي على مستوى الوعي الدولي بضرورة تحقيق السلام، فإذا كانت العقوبات تهدف للإصلاح فإن عقوبات الأممالمتحدة لا تحقق هذا الإصلاح على الأقل هنا فى السودان. نقلا عن الأهرام اليوم 5/3/2013م