لم تتوانى الحركة الشعبية في توجيه نيران صديقه قاتلة الى مرشحها الرئاسي ياسر عرمان الأكثر ضجيجاً الآن حول الحريات والديمقراطية في الخرطوم، بينما يعج مركز الحركة في جوبا بما يشيب له شعر الرأس. ففي الوقت الذي كان فيه عرمان على رأس مظاهرة، تشبه مظاهرات الطلاب موجهة الى المفوضية العامة للانتخابات احتجاجاً على قرارات يعتبرونها غير ديمقراطية أصدرتها المفوضية، وفي الوقت الذي كانت فيه على رأس مذكرة قوى جوبا هذه ويحملها عرمان هو التضييق الإعلامي في الفرص الممنوحة لهذه القوى في الأجهزة الإعلامية الرسمية الخاصة بالدولة – في هذا التوقيت – كانت الحركة الشعبية في جنوب السودان تفعل شيئاً تقشعر له الأبدان، فقد قام جيشها الشعبي بتعليمات من قيادته باغلاق اذاعتين للبث المحلي خاصتين بمرشحين مستقلين!! فالحركة الشعبية التي تضع جنوب السودان في جيبها، ولا يزاحمها على قيادة حكومة الجنوب سوى مرشح واحد هو الدكتور لام اكول لم تستطع احتمال اذاعتين محليتين انشأهما إثنين من المرشحين المستقلين مع أن من حقهما انشاءها، ومع أنهما اتخذا كافة الوسائل الاجرائية المطلوبة، وكان واضحاً أن ما سمعته الحركة – وهي ما تعودت على سماعه – لم تحتمله وفاق طاقتها الاحتمالية، فقررت على الفور اغلاقها. وحتى لو أن الاغلاق – فرضاً – كان يستند على قانون، أو على تقديرات معقولة، فإن المنطق يقول ان هذا يتم عبر اصدار بيان رسمي واضح يتم فيه تعديد وتحديد مآخذ الحركة على الاذاعتين ولكن كل ذلك لم يحدث الأمر الذي رجح معه المراقبين – ومنهم قادة في الحركة – أن يكون الاغلاق قد استند على أن المرشحين مستقلين وللحركة ( عداء مستحكم) مع هؤلاء المرشحين المستقلين. وليت النيران الصديقة التي أطلقتها الحركة الشعبية على ظهر مرشحها عرمان وهو يتوعد ويهدد أمام مفوضية الانتخابات على هذه الرصاصات فقط. ليتها كانت كذلك، فقد ثبت في ذات التوقيت أن عدداً من الصحفيين (مراسلي صحف ووكالات ومحررين) لصحف محلية وقومية وجهات اعلامية واجهوا مطاردات وملاحقات وبعضهم تعرض للإعتقال – دون تهم ودون قانون – فقط لمجرد كونه صحفي وهو أمر يعرفه القاصي والداني في جنوب السودان لدرجة أن بعض العقلاء في قيادة الحركة أبدوا تذمرهم من مثل هذه الخطوات التي قالوا أنها تسبب لهم (حرجاً دولياً) في ظروف كهذه هم أكثر ما يكونون فيها في حاجة الى الرضاء من القوى الدولية الكبرى. هذه كانت هي النيران الصديقة التي أبت الا أن تخرج من فوهة قيادة الحركة في توقيت لا تضاهيه أي مصادفة، فالمرشح الرئاسي عرمان الذي يقاتل من أجل اطلالة تلفزيونية واذاعية يعرف مسبقاً أنها لن تضيف له ان لم تخصم من رصديه يواجه في ذات توقيت تهديده ووعيده تصرفات خرقاء من حركته في الجنوب لم تقف فيها عند حد (عدم تكافؤ الفرص) ولكنها وصلت حد اغلاق الاذاعات المحلية ومطاردة الصحفيين واعتقالهم. اننا فقط نتمنى لو أن عرمان وانسجاماً مع ما يطالب به من مبادئ يعلق تعليقاً موضوعياً يجعل له قدراً من المصداقية – وهو مرشح رئاسي – على تصرفات حركته غير الديمقراطية هذه بل وغير الانسانية!!