لاذ رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان بالفرار، بعد أن صوت البرلمان على إخراجه من السلطة. كانت ناقلة النفط "مورنينغ غلوري" التي تحمل علم كوريا الشمالية قد قامت بتحميل شحنة من النفط الخام من المتمردين في شرق ليبيا بطريقة غير مشروعة وأبحرت بعيدا بأمان، على الرغم من تهديد رئيس الوزراء الليبي بأن السفينة " ستتحول إلى كومة من المعدن" إذا غادرت الميناء. والبحرية الليبية ألقت باللائمة على الطقس الرديء لفشلها في إيقاف السفينة، فيما شنت الميليشيات المعروفة بعنفها واستقلالها، ومقرها مصراتة في غرب ليبيا، هجوما ضد المتمردين في الشرق، مما قد يتسبب بإشعال فتيل الحرب الأهلية بين غرب ليبيا وشرقها. وفي ظل غياب أية سلطة فعلية للحكومة المركزية، فإن ليبيا تنهار. وهذا يحدث تقريبا بعد ثلاث سنوات من 19 مارس 2011 عندما أوقف سلاح الجو الفرنسي الهجوم المضاد الذي شنه الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لسحق الانتفاضة في بنغازي. وبعد ذلك بأشهر، كانت دباباته المحترقة لا تزال ماثلة على جانب الطريق إلى المدينة. ومع إبقاء الولاياتالمتحدة مشاركتها تحت الأضواء الخافتة قدر الإمكان، شن حلف "ناتو" حربا لعبت فيها الميليشيات دورا ثانويا مساندا، انتهت بسقوط القذافي ومصرعه. ملامح بارزة ومن الملامح البارزة للأحداث في ليبيا، في الفترة الأخيرة، الطريقة التي يجري فيها إظهار اهتمام ضئيل بما يجري في البلاد من جانب القادة والبلدان التي ذهبت للحرب متقدة حماسا عام 2011، فيما يفترض أنه مصلحة للشعب الليبي. وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما يتحدث منذ ذلك الحين بفخر عن دوره في منع حدوث "مجزرة" في بنغازي. لكن عندما قامت الميليشيات التي أكد حلف ال "ناتو" انتصارها في الحرب، بإطلاق النار على تظاهرة تعادي وجودها في طرابلس في نوفمبر العام الماضي، لم يكن هناك صرير احتجاج من واشنطن ولندن وباريس، على الرغم من مقتل 42 متظاهرا على الأقل، واطلاق النار على الأطفال برشاشات مضادة للطائرات. وهناك قول صحافي قديم مفاده أنه إذا أردت معرفة السياسة الحكومية، فتخيل أسوأ شيء يمكن لهذه الحكومات القيام به ثم افترض أنها تقوم به فعلا، ومثل هذه السخرية لا تصح في جميع الحالات، لكنها تبدو دليلا قاطعا على السياسة الغربية تجاه ليبيا. ترسخ الميليشيات وليبيا تنهار. فقد تراجعت صادراتها النفطية من 1.4 مليون برميل نفط في اليوم في عام 2011 إلى 235 الف برميل نفط في اليوم. وتعتقل الميلشيات 8 آلاف شخص في السجون، يقول كثيرون منهم إنهم تعرضوا للتعذيب. وقد طرد حوالي 40 ألف نسمة من بلدة تاورغاء جنوب مصراتة من منازلهم التي دمرت. تقول مديرة منظمة "هيومن رايتس واتش" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سارة ليا واتسون: "كلما تسامحت السلطات الليبية لفترة أطول مع الميلشيات التي تعمل منفلتة من العقاب، زاد ترسخها وقل استعدادها للتنحي". فهل يمكن تعلم أي شيء إيجابي من التجربة الليبية في بناء الأمم تشكل تقدما عن تلك التي جرت تحت حكم القذافي والأسد وأمثالهما؟ نقطة مهمة في هذا الصدد هي أن المطالب بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والتي كانت في صميم انتفاضات الربيع العربي لا تعني شيئا من دون الدولة القومية الضامنة لها، وإلا تغرق الولاءات الوطنية في أحقاد طائفية ومناطقية وعرقية. يكتب الصحافي وعضو البرلمان الأوروبي دانيال هانان في تحليل مقتضب عن أسباب فشل الربيع العربي: "الحرية في ظل سيادة القانون غير معروفة خارج الدول القومية، والحرية الدستورية تتطلب قدرا من الوطنية، مما يعني استعدادا لقبول قرارات مواطنيك الكريهة، والالتزام بنتائج الانتخابات عندما تمنى بالخسارة". لكن حتى هذا المستوى من الالتزام قد لا يكون كافيا، لكن من دونه يمكن للقوة فقط أن تبقي على لحمة الدولة. وما حدث للناقلة "مورنينغ غلوري" والإطاحة بعلي زيدان وانتصار الميليشيات، كلها أمور تظهر أن الدولة الليبية ليس لديها حتى الآن الدعم الشعبي أو القوة العسكرية للحفاظ على نفسها. غياب الأمن تزداد الميليشيات في ليبيا قوة، وليبيا موطن قادة الحرب من الأقاليم والقبائل والأعراق، وهم في الغالب قادة مسلحون جيدا يبتزون الأموال مستغلين سلطتهم وعدم وجود قوة شرطة ملائمة. ولا يوجد أحد في مأمن: فرئيس الشرطة العسكرية في ليبيا جرى اغتياله في بنغازي في أكتوبر العام الماضي، فيما النائب العام الأول في ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي أطلقت عليه النار وأردي قتيلاً في أدرنة في 8 فبراير. ويبقى دافع القتل غامضا في بعض الأحيان، مثل مقتل الطبيب الهندي في أدرنة، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى نزوح 1600 طبيب هندي قدموا عام 2011، ويعتمد عليهم النظام الصحي في ليبيا. وتتقاسم الحكومات الغربية والإقليمية المسؤولية عن أمور كثيرة تحدث في ليبيا، لكن ينبغي أيضا لوم وسائل الإعلام الأجنبية التي تجاهلت الانهيار اللاحق للدولة الليبية، على الرغم من توقف السياسيين عن الإشارة إلى ليبيا كنموذج للتدخل الخارجي الناجح. المصدر: البيان 23/3/2014م