يقولون دائماً إن السياسة هي فن الممكن، ومع ذلك فإن السياسة التي تنتهجها أي دولة ينبغي أن ترتكز علي مجموعة من المبادئ والقواعد التي توجه سلوكها الداخلي والخارجي بغية تحقيق نتائج عقلانية. وإذا كانت بيئة السياسة. ففي عقب نهاية الحرب الباردة وبروز الولاياتالمتحدةالأمريكية كقوة مهيمنة عالمياً انتهجت الادارات الأمريكية المتعاقبة سياسة طابعها الوصاية والاملاء في تعاملها مع القارة الافريقية. فقد نظر إلي قضايا تعزيز الديمقراطية والتحرر الاقتصادي في أفريقيا باعتبارها رافعة لتحقيق المصالح الأمريكية. لم يكن غريباً أن يصبح فكر المشروطية السياسية،أي ربط المساعدات بقضايا الديمقراطية والتحرر الاقتصادي،هو الحاكم في العلاقات الأمريكية الأفريقية. ففي عام 2012 علي سبيل المثال استأثرت الدول الافريقية جنوب الصحراء بأكبر حصة من المساعدات الاقتصادية الأمريكية. وفي ظل سياسة «المشروطية الأمريكية» تلك استطاعت قوي دولية صاعدة مثل الصين وروسيا والبرازيل ادراك أهمية افريقيا من عدة نواح أبرزها : أنها تمثل مصدراً لا يستهان به للمواد الخام المتنوعة، كما أنها تمثل سوقاً واعدة للاستثمار حيث تملك أفريقيا وحدها ستة من إجمالي عشرة اقتصادات سريعة النمو في العالم. لقد كان الصينيون تحديدا علي علم تام بهذه الحقائق حول النهوض الافريقي فاستمروا بدأب علي مغازلة الافارقة من أجل كسب عقولهم وقلوبهم حتي أضحت الصين منذ عام 2009 تمثل الشريك الاقتصادي الأول لافريقيا. عندئذ كان لزاماً علي السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا أن تتغير بهدف اللحاق بقطار أفريقيا السريع. ومن الواضح تماماً أن أهم ملامح هذا التغيير قد بدت للعيان في ظل ولاية الرئيس باراك أوباما الذي تم الترويج لجذوره الأفريقية في أدبيات العلاقات العامة الأمريكية المتعلقة بأفريقيا. ونستطيع أن نشير إلي ثلاثة توجهات جديدة للسياسة الأمريكية تجاه أفريقيا وذلك علي النحو التالي: أولاً: احياء طريق التوابل الجديد في افريقيا وهو الذي يرمز بوضوح إلي عسكرة الوجود الامريكي في افريقيا. ويشير هذا الطريق في اصوله التاريخية إلي شبكة التجارة الرائجة في العصور الوسطي التي كانت تربط القارات الثلاث اسيا وافريقيا وأوروبا. أما اليوم فإن هذا الطريق لا علاقة له بالتوابل أو الحرير، وإنما يشكل طريقا سريعا تسلكه القوات الأمريكية والغربية لنقل المعدات والمؤن والوقود للموانئ والمعسكرات ومراكز التدريب التي تعبر عن الوجود العسكري الغربي المتنامي في أفريقيا. ونستطيع هنا أن نشير إلي الطريق السريع بين جيبوتي واثيوبيا، وبعض المراكز الأخري مثل خليج ماندا ومومباسا في كينيا، وعنتيبي في أوغندة، ومعسكر لومنيه في جيبوتي علي ساحل خليج عدن وهلم جراً. وقد صاحب هذا الوجود العسكري الامريكي في افريقيا تزايداً في النشاط الاستخباراتي بشكل يفوق ما كان عليه في ظل سنوات حكم الرئيس بوش. وتجدر الاشارة إلي هدف محاربة الارهاب واستهداف مقاتلي الحركات الراديكالية الاسلامية في شمال مالي ونيجيريا والصومال. ويمكن أن نشير في هذا السياق إلي اقامة معسكر للطائرات الأمريكية بدون طيار في النيجر وتثبيت الوجود الامريكي العسكري في منطقة خليج غينيا الغنية بالنفط بحجة محاربة جماعة بوكو حرام. ثانيا: اقرار مبدأ التجارة عوضاً عن المساعدات. ففي أثناء القمة الأمريكية الأفريقية الأولي التي عقدت في واشنطن في الفترة من 4-6 أغسطس 2014 تم تدشين فصل جديد في العلاقات بين الولاياتالمتحدة وأفريقيا حيث نظر إلي أفريقيا باعتبارها سوقاً استثمارية واعدة. لقد رأي الرئيس أوباما أن أفريقيا تفلت من يديه مع توجه كثير من القادة الأفارقة نحو الشرق ولا سيما الصين التي استثمرت بكثافة في مشروعات البنية الأساسية، وعليه فقد حاول اكتساب عقول وقلوب الافارقة من خلال تبنيه عدداً من المبادرات جرياً علي عادة أسلافه من الرؤساء الذين سبقوه في البيت الأبيض فأعلن عن مبادرة الطاقة الكهربائية في افريقيا بهدف توصيلها لنحو 60 مليون منزل افريقي وكذلك دعم شباب القادة الافارقة. ثالثاً: احتواء الصين: إذ يبدو واضحاً أن المصالح الأمريكية لم تتغير في أفريقيا، إنما الذي تغير هو وسائل التنفيذ. فقد أدركت دوائر الفكر الاستراتيجي الأمريكي مدي خطورة الوجود الصيني المتصاعد في أفريقيا علي مصالح الولاياتالمتحدة. ولذلك يري بعض المحللين أن الهدف الأبرز للقمة الأمريكية الأفريقية هو محاربة الصين واحتواء نفوذها من خلال دعم الوجود الاقتصادي الأمريكي في أفريقيا. علي أن سؤال ما العمل أفريقيا لمواجهة هذا التكالب الأمريكي والدولي الجديد علي ثروات أفريقيا ومواردها الطبيعية يرتبط بالدرس المصري المتعلق بثورة 30 يونيو ورفض فكرة الوصاية الأمريكية علي الارادة المصرية. إذ تستطيع مصر التي اكتسبت روحا قيادية جديدة أن تقود مسيرة النهوض الأفريقي من خلال دعم آليات الاعتمادالجماعي علي الذات بحيث يحمل الأفارقة أنفسهم عبء التنمية وتطوير مجتمعاتهم.إن أفريقيا الجديدة بحاجة إلي شراكة تنموية مع القوي الدولية القديمة والصاعدة بعيدا عن صيغ الوصاية والهيمنة المعتادة. المصدر: الاهرام المصرية 25/8/2014م