جدل كثيف دار قبل أشهر قلائل عن فتور من نوع ما أصاب العلاقات التاريخية الباذخة ما بين المملكة العربية السعودية والسودان. البعض ساوره الاعتقاد أن علاقات البلدين لم تعد كما كانت ولن تعود لما كانت. وبالطبع وفى مثل هذه الأجواء الملبدة بالغيوم فان الشائعات تملأ الآفاق وتتعدد الروايات، وتذخر بالتفاصيل. وليس سراً هنا أن بعض غلاة المعارضين السودانيين ممن لم تعد لديهم أدنى خيارات وطنية جادة، ذهبوا يغذون هذه الشائعات ويعكرون صفو ما بين البلدين بشتى السبل والوسائل. غير أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس البشير إلى المملكة العربية السعودية وأدى من خلالها مناسك الحج فتحت آفاقاً أرحب وأكثر اتساعاً وشمولاً بين البلدين، فقد أجرى الرئيس السوداني سلسلة مباحثات بالغة الأهمية والعمق مع ولي العهد السعودي سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز وعدد آخر مقدر من الأمراء والوزراء السعوديين. وبحسب وزير الدولة بالخارجية السودانية عبيد الله محمد عبيد الله فان أجواء المحادثات اتسمت بقدر كبير من الحميمية والصراحة، الأمر الذي أعان الطرفين على فتح آفاق جديدة في مسيرة علاقاتهما وخرج اللقاء بعدة مؤشرات وموجهات على قدر كبير من الأهمية في مقدمتها: أولاً، ضرورة التعاون المشترك على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ثانياً، ضرورة انعقاد اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين لتهيئة الإطار القانوني والتشريعي، لفتح الطرق أمام الاستثمارات السودانية السعودية في السودان. ثالثاً، أهمية الزيارات المتبادلة بين المسئولين على كافة المستويات في البلدين. وتشير متابعات "سودان سفاري" من العاصمة الرياض إلى أن زيارة الرئيس البشير إلى الرياض حظيت بإهتمام رسمي وسعودي بالغ للدرجة التي كانت فيها وقائع الزيارة هي الخط الرئيسي للصحف ووسائل الإعلام في المملكة العربية لأكثر من 5 أيام. كما أن الجانب السعودي ركز في المحادثات على ضرورة ترسيخ الاستثمارات السعودية في السودان على اعتبار أن السودان قطر عربي ناهض بإمكانه أن يوفر الكثير من احتياجات السعودية الزراعية بجانب استفادة المملكة العربية من الأيدي العاملة السودانية والخبرات الطبية والإدارية السودانية بالنظر إلى كبر حجم العاملين السودانيين فى مختلف المجالات في المملكة العربية السعودية. وبالطبع يأتي هذا التطور اللافت فى علاقات المملكة العربية السعودية بالسودان في ظل تحديات إقليمية ودولية تلعب الشقيقة المملكة العربية دوراً محورياً مؤثراً فيها. ومن المنتظر -وفق هذا التطور الدبلوماسي الكبير- أن تشهد الأيام القليلة المقبلة وصول وفود رسمية سعودية إلى الخرطوم في إطار تفعيل مخرجات الزيارة ووضعها فى مسارها الصحيح. كما أن من المنتظر أن يحقق السودان فى المرحلة المقبلة انجازات مهمة على الصعيد الاقتصادي تتيح لهذا البلد الذي يعانى اقتصاده من تشوهات عديدة بفعل القرارات الدولية وبعض قرارات بعض الدول الكبرى أن يواصل مسيرته فى هذا الصدد بخطوات حثيثة. ومن جانب آخر فإن السودان حين خطى هذه الخطوة عبر الدبلوماسية الرئاسية التي قادها الرئيس البشير بنفسه فهو إنما يحاول بلورة رؤية إستراتيجية متوازنة فى محيطه الإقليمي المتداخل بكل ما فيه من إشكالات وتحديات وقضايا تحتاج إلى حلول وهي في الواقع بداية موفقة باتجاه إعادة ترتيب للمواقف والرؤى ووضع الأسس للمرحلة المقبلة. وبطبيعة الحال فإن الزيارة كما أفاد بذلك وزير الدولة بالخارجية لم تكن عفو الخاطر أو جاءت بالمصادفة على هامش أداء الرئيس البشير لمناسك الحج، وإنما سبقتها تحضيرات واتصالات أمكن من خلالها وضع رؤى وبلورة آراء مبتكرة بين الجانبين مثلت حجر الزاوية لزيارة الرئيس البشير والتي احتفى بها الجانب السعودي احتفاءً ظاهراً ربما أملته أجواء ومناخات مناسبة الحج، أو ربما أعجب الجانب السعودي بالإرادة السياسية القوية للقيادة السودانية والطريقة الفائقة الجرأة التي تتبعها القيادة السودانية فى مواجهة التحديات أو ربما هذه الأسباب مجتمعة، ففي النهاية فقد تمكن السودان من قيادة دبلوماسية مؤثرة أفضت إلى ما أفضت إليه وحققت الكثير.