بقلم - السفير الطريفي أحمد كرمنو تابعت باهتمام طيلة السنين الماضية سير العمل في طريق الإنقاذ الغربي بسبب بسيط يرجع إلى العام 1962 ونحن نجلس لامتحانات الدخول للمرحلة الثانوية التي كانت تعقد في شهر أبريل من كل عام ويراقب الامتحانات معلمون من خارج المدرسة المعنية، فكان كبير المشرفين أو يمكن أن نسميه المشرف الأول على امتحانات الروصيرص الوسطى المدرسة التي امتحنت منها السيد ناظر مدرسة بورتسودان الثانوية، وكانت هنالك استمارة تقدم للتلميذ ليكتب فيها المدارس التي يرغب في قبوله فيها إذا نجح في الامتحان ونافس المتنافسين، فتكون تلك خيارات التلميذ الخيار الأول والثاني والثالث، فكان خياري الأول مدرسة الفاشر الثانوية فاستدعاني السيد الناظر وسألني من أي المناطق أنت في السودان؟ فقلت له من منطقة الكرمك التي تبعد عن الروصيرص هذه مكان المدرسة بنحو مائة وخمسة وستين كيلومتراً، فقال لي السيد ناظر إذا ما تم قبولك حسب هذه الرغبة في الفاشر الثانوية فإن العطلة الصيفية ذات الثلاثة أشهر ونصف الشهر لن تكفيك لتصل أهلك في الكرمك، فكيف تعود للدراسة؟ فهذا يدل على صعوبة المواصلات في ذلك الزمان، حيث لم تكن هنالك طرق معبدة وحتى بعد قبولنا في مدرسة سنار الثانوية كنا نصلها ونسافر منها عند العطلات بالقطار، حيث كان القطار يأتي من الخرطوم إلى الروصيرص الغربية مرتين في الأسبوع في يومي الجمعة والإثنين، ويغادر عائداً إلى الخرطوم صباح يومي الأحد والأربعاء، ولم يكن هنالك قطار إلى الفاشر، فقد كان يصل فقط نيالا ومن بابنوسة يتجه نحو جنوب البلاد وينتهي خط السكة حديد عند مدينة واو، فكنت بذلك أشفق على أهلي في دارفور من معاناة السفر والمنطقة فيها الرملية الصحراوية وفيها الجبلية وفيها الطينية وفيها الخيران والقيزان التي يصعب عبورها في زمن الأمطار، وأتذكر حديث ذلك الناظر الحكيم وأتخيل معاناة زملائي التلاميذ وما يكابدون من مشاق في سبيل الوصول إلى مدارسهم وفي زمان العطلات جيئة وذهاباً، فطريق الإنقاذ الغربي إذن يعني حياة جديدة لأهلي في دارفور (دارفور بلدنا) ومن سبق لي أن كتبت مقالاً بذات العنوان في السنوات الأولى للحرب فيها، فهذا الطريق نقلة وطفرة بل وثبة عالية بالنسبة لأهل دارفور أولاً وللسودان عامة لأنه يخدم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية بسرعة التواصل وفي زمان تعددت فيه وسائط النقل المريحة للإنسان، والكبيرة لنقل البضائع والأنعام وليت هذا الإنجاز في هذا الطريق يتبعه إنجاز آخر بمد خط السكة الحديد فما تعجز عن نقله وسائط النقل البرية ستقوم به السكة الحديد بسعة أكبر وكلفة أقل وللعاجل فيها يتم الترحيل عبر النقل الجوي، فوسائل المواصلات تكمل بعضها البعض وشأنها في هذا شأن وسائط الإعلام، فالصحف عند ظهورها لم تؤد إلى إلغاء الراديو والراديو لم يلغ الصحف والتلفزيون عند بروزه أكمل الإداتين الراديو والصحف ووسائط الاتصالات الحديثة من انترنت وواتساب زادت من قيمة السابقات، فهكذا الطرق البرية والسكك الحديدية والطيران، وقد أشفقت على طريق الإنقاذ الغربي وخشيت ألا يقوم بسبب ما صاحب تمويله من أحاديث حتى جاء فقه (خلوها مستورة)، وقد تمت الاستفادة من سلعة السكر المخصص لغرب السودان ببيعه لجمع المال اللازم لتمويل الطريق، وذلك عندما كان السكر (سكر) وإذا لم يكتمل الطريق، فقد إنسان دارفور الطريق وخسر السكر، وهذا ما حدث يوماً لأهلنا في الحتانة في أم درمان عندما باعوا كميات مقدرة من السكر (السكر) المخصص لهم من أجل تمويل قيام صهريج للماء ينهي معاناتهم ولكن للأسف فقد انهار الصهريج يوم الاحتفال بافتتاحه ويبدو أن مهندساً نال الشهادة الصغرى لعدم فوزه بالشهادة الكبرى بزينة الحور العين اشرف على قيام الصهريج، ففقدوا الصهريج والسكر (السكر)، ولكن الحمد لله كثيراً أن تم إنشاء طريق الانقاذ الغربي ووصل الفاشر لينهي معاناة السفر إليها من الخرطوم أياماً وفي مرات أسابيع، فاليوم يغادر الإنسان الخرطوم صباحاً ويصل الفاشر مساء ويمكن المقارنة، ففي الماضي وقبل هذا الطريق كان الأمن والأمان والاستقرار في كل ربوع دارفور الكبرى حتى اندلعت الحرب في عام 2003م، فصار السفر ضرب من المحازفة بسبب قطاع الطرق والنهب المسلح للمسافرين وللبضائع بأشكالها وأنواعها المختلفة وطريق الإنقاذ الغربي المسفلت يقضي على تلك الظاهرة، فشتان ما بين عهد طريق الإنقاذ الغربي هذا وسابقه من عهد ولو كانت الطرق ممهدة ومسفلتة في معظم أنحاء البلاد لما انتشرت قوات التمرد هكذا، وقد سافرت عام 1997م مع سفراء السودان الذين كانوا في طريقهم التمثيل البلاد في الخارج إلى عاصمة ولاية جنوب كردفان (كادوقلي)، فكان طريق الأسفلت بين الأبيض والدلنج كارثة، فقد تحطم إلى درجة أن أي مسافر بين المدينتين بسيارة لا بد له من إطارين احتياطيين، ويحمد الله سبحانه وتعالى أن وصل الدلنج بعد تركيب الإطارين، وكانت سعادتي كبيرة عندما علمت من الأخ الكريم الباقر ابتر والذي جاء من كادوقلي إلى الخرطوم بسيارته كليك، فقلت له إذن يمكن القول إن التمرد في طريقه إلى الانحسار وخاصة مع العمليات العسكرية (صيف الحسم)، فحركة النقل صارت أسرع والوصول إلى موقع الحدث كلمع البرق، فعدم وجود الطرق الممهدة ساعد كثيراً ويساعد على التفلتات الأمنية وخاصة في موسم الأمطار، وقد عانت ولاية النيل الأزرق من هذا، فالدولة لم تواصل العمل في الذي بدأه الراحل الشهيد أسامة بن لادن برصف الطريق الرابط بين عاصمة الولاية الدمازين ومدينة الكرمك، بينما وصلت الردمية مسافة خمسة وستين كيلومتراً عند قرية دندرو، ولكن العمل في الطريق توقف بمغادرة الراحل بن لادن للسودان، وليس ذلك فحسب، بل تم سحب الآليات التي كانت تعمل في تعبيد الطريق، فتمكنت الحركة الشعبية بذلك من السيطرة على معظم محلية الكرمك ومحلية باو وأجزاء من محلية قيسان منذ العام 1997م حتى العام 2011م أي ما يقارب خمسة عشر عاماً بسبب الطريق. مما تجدر الإشارة إليه أن هذه الطرق القومية تحتاج إلى صيانة دورية، فلا بد من تنسيق بين وزارة الطرق والجسور المركزية والولايات التي تعبرها هذه الطرق ولا توكل الصيانة للوزارة المركزية، فقد انقلب بص سياحي في أواخر العام الماضي 2014م في ولاية النيل الأبيض في طريقه إلى كردفان، وذلك عندما أراد سائق البص التخطي، فوقع في حفرة لا شك أنها كانت كبيرة لأنها أدت إلى انقلاب البص السياحي وإلى وفاة سبعة عشر فرداً من الركاب وظلت حكومة ولاية النيل الأبيض صامدة في موقعها والوزارة المركزية للطرق والجسور كأن الموضوع لايغيها واكتفتا بتبرير الشرطة ان الحادث بسبب السرعة الزائدة والتخطي الخطأ ولم تذكر الحفرة ومن المسؤول عنها فطرق المرور السريع يجب أن تكون خالية تماماً من الحفر والمطبات وأن تنساب الحركة عليها حتى أن الراكب يستطيع أن يشرب كوب الماء أو الشاي دون أن ينزل قطرة منها بسبب اهتزاز المركبة بل يقال إن الذي يدخن يستطيع أن يضع السيجارة وهي موقدة في طفاية السيارة ولا تقع منها وهذا بالطبع عكس المعمول به في طرق المرور السريع في السودان وخاصة طريق سنجة عاصمة ولاية سنار ومدينة الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق فكلاهما في انتظار وزارة الطرق والجسور أن تأتي لصيانته بينما يعاني أهل الولايتين، فلا نريد أن يصل طريق الإنقاذ الغربي هذه المرحلة، فالحركة عليه ستكون كثيرة والحمولة كذلك حتى نصل السكة الحديد هناك فلا بد من تضافر الجهود المركزية والولائية للحفاظ عليه لتنساب الحركة في سهولة ويسر، ونتمنى أن يحفظ سبحانه وتعالى الجميع. اعتذار وتصحيح: نعتذر لأسرة السفير الراحل محمد حمد مطر في قرية المسعودية في ولاية الجزيرة، فالسفير الذي شغل منصبي (معتمد) و(أمين عام حكومة) هو إبراهيم مطر في ولاية سنار، وقد جاء هذا الخطأ في مقالي (سفراء لوزراء) في هذه الصحيفة في عددها الصادر يوم الأربعاء 21/1/2015م – فقد اشتركا في الاسم (مطر) فتشابها، فلمطر الراحل المغفرة والرحمة وللثاني طول العمر مع تحياتي وتقديري..