بؤس ما بعده بؤس تعيشه القوى السياسية السودانية التي تنضوي الآن فيما يُعرف بتحالف جوبا، فقد ورد على لسان السيد فاروق أبو عيسى الذي أسبغ عليه التحالف صفة (أمين الهيئة العامة للتحالف) قوله إن مكونات التحالف، وبعد اجتماعات متعددة ونقاشات، ولقاءات خلصت مؤخراً الى التوصل إلى (تكوين لجنة)، مهمة هذه اللجنة هي العمل على (إنشاء مشروع نهضوي لسودان جديد)!!، وليت أبو عيسى توقف عند هذا الحلم أو أفصح عن ملامح هذا المشروع النهضوي، ولكنه قال في ذات سياق تصريحاته أن الاجتماع الذي شهدته العاصمة الاثيوبية أديس أبابا مؤخراً بغرض التشاور حول الأوضاع في السودان، وقضايا وحدته واستقراره، هو بمثابة (وصاية علي السودان)، واصفاً هذه الوصاية بأنها موكلة من قبل الادارة الامريكية لمجموعة ثامبوا مبيكي رئيس لجنة الحكماء الأفارقة لفصل جنوب السودان!!، ومن السهل للغاية هنا – وهذا هو جوهر الأمر المؤلم في بؤس هذه القوى وأمينها العام أبو عيسى – أن نتبين موضع الاختلال في الرؤى والمواقف وادمان اطلاق التصريحات على عواهنها، فأبو عيسى يتحدث عن وجود وصاية على السودان الهدف منها فصل جنوبه، وينسى أو يتجاهل وجود الحركة الشعبية ضمن مكونات تحالف جوبا ودعوتها الجهيرة بفصل الجنوب، ولعل أبو عيسى سمع ما قاله أمين عام الحركة باقان أموم مؤخراً من حتمية الانفصال وأن أوان الوحدة قد فات تماماً!، السؤال هنا، لماذا لم يجلأ تحالف جوبا لمحاسبة احدى أهم مكوناته وهي الحركة الشعبية التي ما فتئت تدعو الى الانفصال جهاراً نهاراً؟ وما الذي ستفعله لجنة أمبيكي اذا كانت تمارس وصاية – كما يقول أبو عيسى – حيال مواقف قادة الحركة الداعية والداعمة بشدة للانفصال؟ من جانب ثان، فإن ابوعيسى تحدث عن تكوين لجنة لانفاذ مشروع نهضوي لسودان جديد! والرجل يعلم أن مكونات تحالف جوبا كانت قبل أيام في قاعات الامتحان السياسي واختبار الوزن ونعني بها الاستحقاق الانتخابي، فلماذا لم تطرح مشروعاتها هذه ولماذا لم يقبلها الناخب السوداني واختار غيرها؟ أفلا يدعو رفض الناخبين السودانيين لهذه الاحزاب أفلا يدعوها الى وقفة جادة مخلصة مع نفسها لمراجعة ما يعتورها من مثالب واشكالات يتعين عليها حلها اليوم قبل الغد؟ اذا قالت هذه القوى أنها سقطت في الامتحان جراء التزوير في الانتخابات فلماذا اذن لم تكن يقظة بدرجة كافية لتحول دون التزوير؟ وحتى لو لم تكن يقظة ما الذي حال بينها وبين اللجوء الى العدالة – وأبو عيسى قانوني منذ نصف قرن – لاثبات تزوير الانتخابات؟ هل تراجعت عن الادعاء بالتزوير بسبب قيام احدى مكونات التحالف – الحركة الشعبية – بتزوير (مفضوح) مضحك ومبكي في الجنوب وصل الى درجة أخذ الجيش الشعبي لصناديق الاقتراع عنوة وحشوها حشواً بالبطاقات؟ هل أحست قوى جوبا (بالحرج السياسي) كون أن (كبيرة حلفاء التحالف)فعلت ما لم يسبقها عليه أحد؟ إن تحالف جوبا يكشف عن بؤس لا يسر المراقبين، اذ أن من حسن دوران عجلة التداول السلمي للسلطة وجود قوى سياسية فاعلة وجادة ولديها برامج حقيقية، ويعجب المرء كيف لمثل أبو عيسى أن يتححدث عن وصاية دولية!!