لعل رئيس دولة الجنوب، سلفاكير، أدرك بعد سنوات التوتر وما سببته سياساته من تعقيدات في العلاقات مع السودان، لعله أدرك أنه لا مفر من التعامل بواقعية والتخلي عن ميراث الماضي.. فقد أعلن سلفاكير اتخاذ خطوات لتحقيق تطبيع كامل مع الخرطوم، وأصدر أوامر لجيشه بالانسحاب من الحدود، وأعلن استعداده لتفعيل اللجان المشتركة بين البلدين.. وكالعادة كان رد السودان إيجابيا وسريعا بفتح الحدود بين الدولتين! الوضع الطبيعي لعلاقة البلدين أن يسودها الاستقرار والتعاون والتبادل وفق ما يجري بين أي دولتين جارتين.. ولكن بالنظر إلى تاريخ العلاقة وميراثها بين الشعبين اللذين كانا يعيشان في دولة واحدة، نجد أن التكتيك كان السمة الغالبة.. لذا يقفز تساؤل كبير أمام خطوة سلفاكير أهي تكتيكية أم إستراتيجية؟! طيلة سنوات التمرد كان التكتيك يغلب علي علاقة الطرفين، فكثير ما كانت تتبع حركة قرنق إعلانها قبول التفاوض بعدوان هنا أو هناك. وبعد الانفصال والاتفاق على تكوين لجان مشتركة، بدأت حكومة الجنوب في دعم حركات التمرد ولم تستجب لدعوات التخلي عن دعم تلك الحركات.. بل أكثر من ذلك هاجمت هجليج، ودمرت حقول النفط وخربت المعدات وفجرت الأنابيب وقال سلفاكير: "إن هجليج تتبع لهم". لا نقصد بالطبع إثارة مرارات الماضي، بل نتطلع لأن تصل الدولتان إلى علاقات طبيعية حقيقية خالية من كل شوائب الماضي، وهذا في اعتقادي لن يكون إلا بفك كل ارتباطات وتعقيدات وتشابكات مرتبطة بماضي الطرفين.. يجب أن تشعر حكومة الجنوب أنها مسؤولة عن دولة مستقلة لا يربطها بالسودان إلا العلاقات الطبيعية المعلومة بين أي دولتين جارتين، وهذا في تقديري يتطلب بعض الإجراءات والمعالجات، أولها وأهمها وأكبرها فك الاشتباك في الاسم، فهو يوحي بأن الأمور متشابكة متداخلة، وهي - بعد الانفصال - ليست كذلك. فك الاشتباك في الاسم كفيل بخلق أجواء تجعل دولة الجنوب على وجه الخصوص تتصرف تجاه السودان تصرفًا طبيعيًا خاليًا من موروثات الماضي.. فك الاشتباك في الاسم مهم بصورة أكبر للأجيال القادمة.. قدمنا من قبل اقتراحًا بأن يدرس السودان تغيير الاسم إذا أصر الجنوبيون على أن يكونوا جنوب دولة أخرى!!، و"السودان" كما قال كثيرون اسم لا يغري للتمسك به.. فك الاشتباكات بين الدولتين يجعل الجنوب يشعر أنه دولة مستقلة تمامًا عن السودان ومن ثم تصبح قرارات وسياسات حكومته إستراتيجية، أما استمرار التشابكات فقد يجعلها تكتيكية!. المصدر: الشرق القطرية 3/2/2016م