الناظر الى إقليم دارفور الآن يصاب بالدهشة والذهول والغيشان معاً من ما يتراي الى ناظره من تشتت وتشرذم أبنائه الذين يدعون أنهم يناضلون من أجل شعبه المفترى عليه فدارفور التي كنا نفخر بأنها من أغني أقاليم شرق ووسط أفريقيا اذا وجدت حظها من الاهتمام من قبل المركز أصبحت الآن مثالاً لكل ما هو سيئ أو قد استوطنت بها أمراض قلما توجد في مكان واحد ((القتل، التشرد، النزوح، الفقر المرض، الخ)). ونحن اذ نبكي دارفور لا نبكي ما آلت اليه فقط لأن الواقع الموجود الآن ما هو الا ضريبة لا بد أن تدفع من أجل إزاحة الظلم عن الإقليم ولكننا نبكي التشرذم وتشتت أبناء دارفور لأنه أصبح القشة التي قصمت ظاهر الإقليم وأوردته موارد الضياع التام بين عواصم العالم المختلفة فأصبح مواطن دارفور البسيط لا يعرف من الذي يمثله ومن الذي يناضل بصدق من أجل حقوقه الضائعة ومن الأسئلة الكثيرة التي أصبحت تدور همساً وجهراً بين أبناء الإقليم مما يحتم على كل الصادقين أن يقفوا بصورة جادة لإخراج الإقليم من هذا النفق المظلم الذي اوردناه فيه ومن أجل بلورة رؤية جديدة لا بد من الإجابة على عدد من الأسئلة الجوهرية عمن المسئول عن هذا التشرذم الذي أصاب أبناء الإقليم ممثلين في حركاته المسلحة؟ من أين أتي هذا الكم الهائل من مدعي القيادة الموجودين في الدوحة الآن؟ وما هو المخرج الحقيقي لهذه المهزلة التي أصابت الإقليم؟ ونحن اذ لا ندعي الكمال في كل ما يحيط بالإقليم الا أننا سوف نحاول قدر جهدنا أن ندلوا بدلونا في هذا الأمر وعلى الآخرين أن ينظروا ويدرسوا بصدق هذا الأمر لان دارفور أحوج ما تكون الآن إلى أبنائها الأوفياء الذين يهمهم أمر الإقليم وشعبه في المقام الأول. المعروف والمعلوم لكل المتابعين لقضية دارفور كانت تسمي في بداياتها بحركة تحرير دارفور وعدل الاسم لحركة جيش تحرير السودان والمعلوم أيضاً أن هذه الحركة انطلقت في جبل مرة المعقل الحصين للثوار بقيادة الأستاذ عبد الواحد نور الأمين مني اركوي مناوي وفي قيادة جيشها الشهير عبد الله أبكر وقد تشكلت القيادة وفقاً لتوازنات قبلية ومراعاة الخريطة الاثنية لشعب دارفور وقدر كانت هذه التوازنات هي القشة التي قصمت ظهر الثورة فقد تم تجاهل وعدم اعتبار المؤهلات السياسية والفكرية العسكرية كمقومات لاختيار الشخصية القيادية في الحركة وبالتالي أدي هذا الأمر الى أن يعتصم كل قائد بقبيلته ويستنصر بها في أي خلاف قد ينشأ في الرؤى او في تنفيذ البرامج مما جعل الحركة تقاد لمجموعة من المتناقضات في قيادتها أضف الى ذلك عدم اكتمال الوعي الثوري الذي يحمله الثوار في دارفور مما جعل الانتماء ليس للثورة كبرنامج يهدف الى ازالة الظلم عن الاقليم ولكن لقيادات تطرح نفسها كممثل لقبائلها في الثورة ((عبد الواحد – الفور، مني أركو مناوي- الزغاوة، خميس أبكر- المساليت وغيره من القيادات)) هذا الوضع أدي الى عدم وجود مركزية قيادية واحدة يمكن ان توجه دفة الحركة الى مراسي التجديد والأمل المشهود وبالتالي كان من الطبيعي أن تنهار القيادة وعندما تحدثنا عن ان التوازنات القبلية هي القشة التي قصمت ظهر الثورة فقد تحلي هذا الأمر في خروج قيادات مؤثرة من الحركة وعندما خرجت لم تخرج لاختلاف في الرؤى التنظيمية أو البرامجية وكيفية تنفيذها بل خرجت كقبائل وهذه هي الحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها فأصبح لكل قبيلة في دارفور الآن حركة تمثلها وقيادة تتحدث باسمها ولكن السؤال الذي لم أجد له اجابة حتى الآن هو كيف ستوزع حركات القبائل هذه المكاسب التي لا يمكن أن تحصل عليها في أسواق التفاوض الجارية الآن في عدد من العواصم. والأمر الثاني في معرض حديثنا عن من المسئول عن هذا التشتت نجد أنفسنا مضطرين للحديث عن عبد الواحد نور وقيادته للحركة والتي حتماً لا تتسم بالرشد في أي جانب من جوانبها اذ لا يمكن أن يكون المسئول عن الحركة وفي رأس حرمها القيادي ويخرج منه هذا الكم الهائل من القادة بدون أن يحاول وضع صيغة جديدة يمكن أن يدير بها دفتها فقد خرج مني أركوي وأحمد عبد الشافع وخميس أبكر واخيراً يحي بولاد والآن تمخض عن اجتماع القادة الميدانيين الحقيقيين والشرعيين في الإقليم من قيادة جديدة بقيادة الدكتور عثمان عمر والذي نعتبر أنه نتيجة حتمية لفقد عبد الواحد لبوصلة إدارة الحركة كما انه يمكن ان يخرج هذا الكم بدون معطيات موضوعية لأننا اذا وضعناهم جميعاً بأنهم عملاء للنظام أو منساقين وراء مصالحهم الشخصية فلن يبقي شريف في دارفور. اذاً هناك علة حقيقية وهناك مثل سوداني يقول ((اتنين لو قالوا ليك راسك مافي اهبشوا عشان تتأكد)) وبالتالي فالعلة ليست في الخارجين انما العلة في عبد الواحد الذي استعصم بعاصمة الضباب والنور باريس وترك النضال الحقيقي في الأرض وأصبح يناضل عبر وسائل الإعلام التي لا يمكن أن تسمن شعب دارفور من جوع وعليه فاننا من واقع نظرتنا لما يدور في دارفور نقولها بصدق لن ينصلح حال دارفور الا أن ينصلح حال أبنائها ولن ينصلح حال أبنائها الا ان يتوحدوا في جسم واحد رؤية واحدة خلف قيادة واحدة داعية بمتطلبات الإقليم وأهله وهذا غير متوفر حتى الآن لأننا لا يمكن أن نقول عن المجموعات الموجودة الآن في سوق التفاوض أنها حريصة على مصلحة الإقليم او عدم دخولها مفاوضات الدوحة التي أصبحت حديث عامة الشعب مما يجعلنا نتسائل من أين أتي هؤلاء؟ وهؤلاء الذين نتحدث عنهم فان أمرهم جلل ويعتبر من المضحكات المبكيات في ان اذا نظرنا الى الموجودين كأشخاص نجد أنهم من الذين لم يكتو بنار ما يدور في دارفور الآن فجلهم كان ومنذ ما قبل قيام الثورة في دارفور أما جهراً او مفترياً في العواصم المختلفة لن يزوغوا مرارة المعاناة ولو للحظة مع أهلينا المشردين في الإقليم ولم يناضل اغلبهم مع رفاقهم في الميدان وبالتالي ليس لهم شرف تمثيل شعب دارفور الصابر كما ان شخص لم يعش المعاناة لا يمكن أن يعبر عنها بالصورة الحقيقية المطلوبة وبالتالي يمكن أن يقدم تنازلات في أشياء لا يمكن التنازل عنها كما ان هنالك ثوابت لم يتطرق لها هؤلاء في وثيقتهم الفطيرة في الدوحة عدم الحديث عنها حتماً سوف يؤدي الى عدم تأييد الشعب لخطواتهم هذه وهي حق العودة للنازحين وحق التعويضات العادلة وحق طرد المستوطنين الجدد وحق نزع سلاح الجنجويد .. كما ان سلوكهم في الدوحة يسئ لدارفور ولشعب دارفور فالكل يتحدث الآن عن الفواتير الخيالية للمشروبات الكحولية وتلبية رغباتهم الشخصية كأولوية قبل حسم أمر النازحين والمشردين وهذا السلوك لا يدل على أي قدر من المسئولية تجاه القضية والشعب وبالتالي على الوساطة اذا كانت حريصة على حل قضية دارفور ومعاناة الشعب أن تلتفت الى الممثلين الحقيقين لشعب دارفور وهؤلاء الممثلين من القادة الميدانيين الموجودين الآن في دارفور والذين دشنوا صفوفهم وخدموا أمرهم بقيادة الدكتور عثمان عمر. وأخيراً المهزلة التي تسمي حركات مسلحة في دارفور لأنه ليس من الحق أن يكون شعب دارفور شعب واحد وله أكثر من حركة وأكثر من قيادة واحدة فعلي د. تجاني سيسي اذا كان حريصاً على شعب دارفور أن يوقف مفاوضات الدوحة وعلى عبد الواحد أن يترك عناده واعتصامه غير المبرر في باريس وعلى خليل إبراهيم أن يترك كبرياءه الزائف بأنه الحركة الوحيدة في دارفور وعلى غيرهم من القادة، عليهم جميعاً أن يجلسوا في ((ضل شجرة)) ويحسموا أمر هذا التشتت حتى يقنعوا شعب دارفور قبل العالم بأنهم حركة واحدة تستحق أن يقف معها هذا الشعب ويؤيدها سلماً كان ام حرباً فهذا ما يريده شعب دارفور وهذا ما يجب أن عليه الحال. نقلاً عن صحيفة التيار 31/5/2010م