لا ينقطع اهتمام اهل السودان بتتبع ورصد مسارات الأحداث السياسية ببلادهم واستكشاف آفاق الحلول الممكنة لما يرونه على أرض الواقع من أزمات سياسية بالغة التعقيد، سواء تعلق الأمر بتحديات ايجاد التسوية النهائية المنشودة لأزمة دارفور، أو البحث عن صيغ للمعالجات الواقعية لارساء الاستقرار بالجنوب، مع ترقب تصويت أبنائه في يناير المقبل، لترجيح كفة أحد خيارين لا ثالث لهما : تأكيد الوحدة أو الانفصال. ان من بين أهم الملاحظات التي تسترعي اهتمام وانتباه المراقب للشأن السوداني في المرحلة الحالية، اكتشاف تزايد اهتمام واشنطن بقضايا السودان الرئيسية، وفي هذا الصدد يتجه المراقبون بأبصارهم صوب نيويورك التي ستشهد في 24 سبتمبر الحالي انعقاد اجتماع حول قضايا السودان سيشارك فيه الرئيس الاميركي باراك اوباما، وهو ما يجعل التحليلات تتجه لاختبار مغزى تزايد اهتمام اميركا بالسودان الآن. ان خلاصة التقارير الاخبارية وما تتضمنه التحليلات السياسية العديدة المتعلقة بواقع السودان على خارطة الاعلام الدولي تشير الى أن واشنطن متخوفة من احتمالات انزلاق علاقة الشمال والجنوب في السودان الى «متاهة حرب أهلية جديدة». وذلك التخوف عكسته العديد من تصريحات صناع القرار الاميركي على مدى الاسابيع والايام الاخيرة. ومن بين ذلك تصريحات أدلت بها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية قالت فيها ان استفتاء الجنوب قنبلة موقوتة وان انفصال الجنوب «مسألة حتمية». وهي تصريحات اثارت جدلا لا يزال متصلا في الاوساط السياسية والاعلامية. وقد اعتبر مسؤولون في الحكومة السودانية ان تصريحات كلينتون تمثل خرقا لاتفاقية السلام السودانية المعروفة اصطلاحا باسم اتفاقية نيفاشا، نسبة الى منتجع نيفاشا الكيني. ويرى هؤلاء المسؤولون ان اميركا احدى ضامني سلام جنوب السودان اذ وقع وزير الخارجية الاميركي الاسبق كولن باول على اتفاقية الحركة وحكومة السودان ببروتوكولاتها الستة الموقعة بالعاصمة الكينية نيروبي في 9 يناير 2005. فليس مقبولا في نظر الحكومة السودانية ان تدعو واشنطن بشكل استباقي الى فصل الجنوب بينما الاتفاقية تنص على أن يعمل الشريكان بكل ما في استطاعتهما لجعل الوحدة خيارا جاذبا للناخب الجنوبي. ان التقارير الاعلامية تقول بأن واشنطن تدرس رفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ورفع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها عليه منذ سنوات طويلة. وتشير تحليلات بعض المحللين المبثوثة عبر المواقع الاعلامية العديدة الآن الى أن واشنطن لا ترغب في تأخر استحقاق استفتاء جنوب السودان، وسط اشارات ضمنية بأن اميركا ترغب في رؤية السودان، بعد أشهر معدودة سودانين ! ووسط الكم الهائل من فقرات التحليلات المرتبطة بعلاقة واشنطن - الخرطوم، عبر هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان، تأتي اشارات لبعض المحللين بأن أوباما لا يرغب بتدخل عميق في قضايا السودان، وذلك بسبب اهتمامه بأفغانستان وغيرها من الملفات الدولية ذات الأولوية للبيت الابيض الاميركي حاليا. كما ان مسؤولا سابقا في ادارة بوش وهو أندرو ناتسيوس يقول : ان قدرتنا «أميركا» على توجيه الاطراف «في السودان» مجرد وهم.. لكننا نستطيع تسهيل العملية باقتراح وسائل مختلفة أو بديلة للتطرق للمسائل «المتعلقة باستفتاء جنوب السودان». على كل حال فإن أهم ملمح يستقيه أو يستشفه المراقب لدى تحليل الاشارات المتعلقة بالاجتماع المرتقب في نيويورك حول «قضايا السودان»، هو أن التحدي المرتبط بتقرير مصير جنوب السودان يدخل منعطفا خطيرا. ولهذا فإن الدعوات المتواترة على الساحة السودانية المتجهة نحو بلورة وفاق وطني لا يستثني أحدا لها مبرراتها الآن.. فالسودان يدخل تحدي ان يكون او لا يكون.. والمؤسف أن أطرافا خارجية في مقدمتها الولاياتالمتحدة ترى بأن السبيل لتأمين السودان من الاحتمالات المفزعة لعودة الحرب في الجنوب يكمن في «تسهيل الانفصال». ان خطورة المرحلة الحالية من عمر السودان تتطلب تجاوز المكايدات السياسية بين بعض اطراف المشهد السياسي.. فإذا خلصت نوايا السياسيين حاليا في التوجه الى تأمين وتأكيد وصون وحدة السودان فإن كل جهد خارجي مهما بلغ من القوة والتأثير لن يكون صاحب القرار المباشر والحاسم، بشأن ما يريده اهل السودان لبلدهم حاضرا ومستقبلا. ولا بد من تقديم بعض الاشارات الموجزة هنا بشأن ما ينبغي التمسك به سودانيا لمواجهة اخطار وتحديات الظرف السياسي الراهن.. وفي مقدمة هذه الاشارات تأكيد أهمية الانحياز الى مربع العمل السياسي بالوسائل السلمية.. وهذا يدفعنا لتوجيه النداء مجددا لبعض القيادات الدارفورية، مع كل تقديرنا لها، والتي لايزال بعضها بعيدا عن التجاوب مع نداء تحقيق السلام في اقليم دارفور وما يفرضه الواجب الوطني عليها من مسؤوليات كبيرة الآن، النداء لها لتمعن النظر في خارطة التحولات الملأى بالتحديات التي باتت تظهر للعيان واضحة في مشهد السياسة السودانية.. فالنظرة الواقعية للتحديات والاخطار المحيطة بالسودان تفرض على كل الفرقاء الانحياز بإخلال وتجرد الى خيار تأمين الوطن في وجه أعاصير الأخطار المحدقة به من كل صوب وحدب.. فالطرح المنطقي يقول بأنه لا مجال للتفريط في وحدة السودان، وهو طرح ينبني على مواصلة التبشير بالوحدة الجاذبة وفقا لما أتاحته اتفاقية نيفاشا من فرص لتعزيز وصون وتأكيد وتأمين وحدة السودان. المصدر: الوطن القطرية 16/9/2010