اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سرطان متفشٍ وقصر مشيِّد..!!
نشر في السودان اليوم يوم 03 - 02 - 2015


بسم الله الرحمن الرحيم
سرطان متفشٍ وقصر مشيِّد..!!
الأرقام المفجعة التي ذكرها التقرير الطبي الخاص بمرضي السرطان، تشكل صدمة وكارثة حقيقية، ليس علي مستوي الوجدان الوطني والحس الإنساني فقط! ولكن بشكل أساس لأنها تعبر عن الحالة المزرية التي يرزح تحت نيرها المواطن السوداني في الداخل، وكذلك لكمية الإستهانة والبرود الإنفعالي والإهمال المتعمد الذي تقابل به محنه وفواجعه! علما بأن مصدرها هو فشل الطبقة السياسية وقصور وعدم أهلية الحكام وتعالِ وإنعزال النخبة! وعجزهم جميعا عن إستثمار ما بين أيديهم من معرفة وسلطات ومكانة، في إحداث تغيير إيجابي وحقيقي في حياة المواطن البسيط! والأسوأ أن هذه الأرقام تشكل الواجهة من الغابة، او جبل الجليد الذي يحجب أوضاع أكثر مأساوية! بتعبير آخر، أنه ومقابل كل حالة مصابة ومعلومة لدي السلطات او الجهات الطبية، هنالك عشرات الحالات غير المعلومة لديها! إما بسبب الموت أو بسبب عدم قدرتهم علي الوصول الي المراكز الصحية او المستشفيات العلاجية، نتيجة لتردي أوضاعهم المادية! والأصح عدم وصول الخدمات الصحية إليهم في أماكنهم وفي متناول جيوبهم، كما تقتضي المسؤولية المهنية والوطنية، وهذا إذا كانت لهذه الكلمات قيمة من الأساس في هذا العهد الجاحد!! والمؤسف أن المسألة أسوأ من ذلك بكثير، أي إن الإشكالية لأ تتوقف علي المريض ومأساته الإنسانية فقط، ولكنها تطاول أسرته وتمس عصب أحوالهم الصعبة أصلا! لتدخل الأسرة كلها في نفق مظلم، يحيل الحياة الي ظلام دامس، من جهة التعامل مع مرض عضال كهذا! وأيضا من جهة تحمل أعباء تكاليفه العلاجية الباهظة والمتزايدة بإضطراد! أي المرض يشكل نكبة أسرية بقدر ما هو مأساة إنسانية تخص المريض!
ولكن السؤال الجارح هل أصبح السودان بوضعه الحالي مقبرة حقيقية للمواطنين؟! أي إضافة الي تقبير أحلام المواطن البسيط في الحصول علي عمل مستقر ومسكن مريح وطعام نظيف ومشرب نقي وحياة آمنة من المنغصات الحياتية البدائية! أصبح المواطن نفسه عرضة لفقد حياته البائسة من الأساس! سواء عارض السلطة أم لم يعارضها! أي سواء بأمراض الفقر والأهمال وتردي البيئة، او برصاص الحكومة وقنابل طيرانها وهجمات مليشاتها!! أي أصبح الوطن ساحة للموت المجاني، ومقبرة مفتوحة علي مصراعيها بإمتداد البلاد وهي تنادي هل من مزيد! أي إذا نجا الفرد مصادفة من المرض العضال او الموت المحقق، فمؤكد أن فرص النجاة معدومة لأحد أفراد الأسرة او الجيران او المعارف!! وهكذا يكون الجميع مشدودين تجاه الموت وأشباحه من مرض او رصاص او خلافه، وتاليا في هكذا مجتمع او بيئة قاتمة ومشبعة برائحة الموت كهذه، يستحيل الإحتفاء بالحياة او تعميرها او معالجة إحباطاتها! أي ثقافة الموت ثقافة معادية للحياة والإبداع ووائدة للطموحات، فوق أنها تقتل الرغبة في الإنجاز الفردي والجماعي! ونتيجة لذلك، تكون الحياة معرضة بشدة للتردي والنزول من سئ لأسوأ بمتوالية هندسية عكسية او سالبة! ويصبح بؤس اليوم والآني نعمة مقارنة بالغد وما يحمله من نذر الشؤم والمخاطر! وما أسوأ العيش، عندما تكون نعمة الحياة مقدمة للموت الزؤوم!!
ولكن هل يكفي إصدار مثل هذه التقارير رغم أهميتها من جانب الأطباء او الإعلام! أم إن المسؤولية تتعدي ذلك، لممارسة فضيلة البحث والتقصي لسبر أغوار هذه الظاهرة المرضية المتفشية، بقصد وضع حد لها او التقليل من آثارها التحطيمية. وهذا بدوره يقودنا الي ما ذكرناه في مرة سابقة، وهي نزوع الوعي او الهم الطبي تجاه وصف الحالة وفي أحسن الأحوال تشخيصها، وهو نزوع لا يخفي سهولة التناول من جانب والربحية العاجلة من الجانب الآخر!! أي تمدد وسيادة الوعي الطبي الوصفي علي حساب الوعي الطبي التحليلي الشامل، الذي يتقصي جذور الأمراض، بقصد التخلص منها نهائيا! بمعني رد الإعتبار للطب الوقائي او العلاج الإستباقي علي وزن الحرب الإستباقية، لو جاز التعبير. وبكل ما يعنيه ذلك من أهمية صحية وإقتصادية للمواطنين والبلاد. وللأسف وعي كهذا، رغم أهميته الإنسانية والوطنية والمهنية ونبل مقاصده، إلا أنه وعي مضاد لوعي الترف الطبي السائد، الذي تعيشه الغالبية العظمي من الأطباء! والذي يعتاش بدوره علي تفشي المرض وتوافر عوامله وعوالمه، او مسببات الأمراض المادية والنفسية! بمعني، إن التخلص من الأمراض او تقليل منسوبها لأدني درجة، هو ما يجعل الأطباء ماديا في مستوي أقل، علي الرغم أنه علي المستوي المهني والإنساني أعلي مردودا!! أي هنالك علاقة تناسب طردي بين تردي الأحوال الصحية، وبين زيادة حجم الأموال وتكدسها لدي الطبقة الراسمالوطبية المستحدثة! والمتماهية بشكل او بآخر مع حالة تحرير الخدمات الطبية والصحية، التي تبنتها الطبقة السياسية الإسلاموية التجارية المسيطرة علي البلاد! ويكفي هذا التحالف السري وضاعة وطفيلية، تسنم نموذج الطبيب الراسمالي مأمون حميدة وزارة الصحة الولاية كملك عضوض! وفي هكذا وضع فاسد، يحق للأمراض القاتلة أن تستشري ولجيوب الفقراء أن تفرغ وللمروءة أن تنزوي وللكرامة أن تهان!!
ولكن هل مسؤولية رفع الوعي الطبي والحماية من الأمراض تقع علي عاتق الأطباء وحدهم وبصورة حصرية! أم الإعلام نفسه له دور في التصدي لمثل هذه الأمراض المستعصية(ليس لدي علم عن قيام إحدي الصحف المحلية بعقد ندوة بخصوص المرض او تبني قضية السرطان او غيره من الأمراض القاتلة من أجل تسليط الضوء عليها!) وهذا بالطبع دون قول شئ، عن تورط السلطات نفسها في تفشي هذه الأمراض! سواء عبر صمتها المريب علي التمدد الكارثي لها، او عبر السماح إن لم نقل المتاجرة بمسببات الأمراض نفسها!! ورغم عديد كليات الطب المنتشرة في طول البلاد وعرضها، لم نسمع عن كلية واحدة خصصت جزء من همومها او مواردها، او نذر باحثيها أنفسهم، لإستقصاء جذور هذا المرض وأسباب إنتشاره بهذه الكيفية المزعجة، وخلال فترة وجيزة! وتاليا تهديد حياة كل المواطنين داخل الوطن! او مجرد حصر أعداد المصابين بطريقة صحيحة! ومن ثم الخروج علينا بنتائج دراسة علمية منضبطة وواضحة، لنستبين جلية الأوضاع الكارثية لهذا المرض اللعين وإتجاهات التعامل معه مستقبليا! وذلك من أجل فك الإشتباك مع الإجتهادات الشخصية والعامة، مع حقائق هذا المرض! وهي إجتهادات رغم براءتها ومحاولاتها ملء الفراغ الناجم عن غياب المعلومات الموثوقة، إلا أنها غير مثبتة علي أرضية الواقع او ما يستحقه هذا المرض من معلومات بالغة الدقة والمصداقية! وهي إجتهادات تدور معظمها في فلك، الإستخدام العشوائي للمبيدات والأسمدة، وطريقة عرضها في الأسواق دون وجود ضوابط علمية او تجارية او قانونية، او رقابة في طريقة إستخدامها(قد يعضد هذا الإحتمال أعداد المصابين الغفيرة في ولاية الجزيرة!) او بسبب إستخدام محسنات ممنوعة في صناعة الخبز او بسبب النفايات المدفونة في الولاية الشمالية او ولاية دارفور!! أو بسبب إنتهاء صلاحية كثير من الأطعمة والوجبات المعروضة في الطرقات والمحلات التجارية! أي التردي الشائع في عملية إنتاج وتخزين الأطعمة والمواد الغذائية الحساسة، وذات التماس المباشر بصحة وحياة المواطن اليومية..الخ من الإجتهادات! وعموما هي إجتهادات أقرب الي الصواب، ويتقاطع فيها تدني الوعي الصحي الخاص(إزدراء نصائح الأطباء وعلماء التغذية!) والعام( تدهور الأحوال المادية وتردي الخدمات الغذائية والصحية في بيئة تعاني من التردي العام!)، وهذا دون قول شئ أيضا، عن تحول البيئة المحلية لمكب نفايات عالمية/صينية تحديدا، وتزامن ذلك مع ضعف قنوات الضبط والمراقبة، إن لم نقل تورطها في دخول كثير من البضائع والخدمات الغير مطابقة للمواصفات ذات المعايير العالمية او الثابتة!!
ولكن أكثر ما يثير الحيرة والإحتقار في هذا النظام، هو عكس مدلولات التعابير والمصطلحات وجدوي المؤسسات! بتعبير آخر، في حين تتكاثر كليات الطب كالفطر في كل جنبات القطر ويزداد أعداد الأطباء! في نفس الوقت تشاهد تردي الخدمات الصحية علي كل المستويات إن لم نقل حتي في تلك البيئات التعليمة المعنية برفع المستوي الصحي!! وهو الأمر عينه الذي ينسحب علي كل المجالات والتخصصات والشعارات! أي توسع في التعليم يترافق مع ضعف في مخرجاته وأهميته وأهليته وتاليا مردوده! مما يدل علي أن القصد من التوسع ليس ترقية العملية التعليمية مما ينعكس علي ترقية الخدمات المقدمة! ولكنه توسع يتيح مجال للتكسب المادي والوظيفي والإجتماعي للأتباع، او لشراء صمت بعض الأفراد المتعلمين والمتطلعين لخدمة مآربهم الشخصية حصريا، عن طريق بيع معارفهم بثمن بخس(معرفة سلعية وذات أبعاد كمية ومعاكسة للبناء والتغيير والمضامين الإنسانية!). وهم غير معنيين أصلا بكارثية النظم الإستبدادية التي تدفع لهم، وتستهويها بيئة الأسواق وعلاقاتها وأخلاقها! وهذا إذا لم نقل أنهم أكثر تشبها بها وتاليا ميلا لها! فهي علي الأقل تعفيهم من مغبة منافسة غير مأمونة العواقب! مما يصح معه، إدراج مؤسسات التعليم العالي ضمن وزارة المالية، كغيرها من البنوك والشركات التجارية الربحية، وتاليا قطع صلاتها بأي أبعاد خدمية تنموية او تنويرية! حتي تتضح الأمور وينتهي هذا التشويش والتهويش العالي!
والمؤكد في كل ذلك، إن إستشراء مرض السرطان هو الوجه الآخر لإستشراء السرطان السياسي المتمثل في نظام الجبهة الإسلاموية بمكونه المدني والعسكري! فهذه الجماعة ومنذ ميلادها الفاجع، فقد دخلت علي الجسم السياسي الوطني ككائن غريب! يصعب إنسجامه او تعايشه مع خلايا الجسد السياسي الطبيعية! فوق أنها تستعلي علي معارف مكوناته وتراكم خبراتهم وموثقية صلاتهم بالإمتداد الشعبي! وذلك نتيجة إعتقادها السمو والرفعة! فقط بسبب توهم أعضاءها إمتلاك مشروع إسلامي! كما صور لهم خيالهم المريض وهشاشة معارفهم وتدني منسوب خبراتهم الحداثية!! وما زالت تستهين بالسياسة والسياسيين وتزدري الواقع والمواطنين وتترفع علي مطالب الجمهور وللعجب سلوكياته!! حتي حلولها في القصر الجمهوري خدعة وإستغفالا للشركاء! لتحكم البلاد بقوة الحديد والنار والدعاية واللعب علي التناقضات السياسية والإجتماعية والإقتصادية!! وعندها عم الفساد وضرب الخراب كل جنبات البلاد وأصاب الوهن جسد الدولة الوطنية وتاليا فقدت أي نوع من المقاومة لطوفان التردي المادي التنموي والأخلاقي المعنوي! وفقدان هذه المناعة هو ما أنعكس في شكل تفشٍ موحشٍ لمرض السرطان والإيدز والفشل الكلوي..الخ من المحن والمصائب من كل شكل ولون! بتعبير آخر، في ظل نظام يشكل عبء علي الدولة والسياسة والمواطن، لا يسع أي تحليل جاد او تفكير موضوعي، إلا أن يتوقع مثل هذه النتائج، بل الأسوأ منها! أي لا يمكن مقاربة هذا النظام بأدوات السياسة او مناهج العلوم او المعرفة النظرية او مجرد الذوق والفطرة السليمة، لمعرفة كنهه او كارثية تأثيره علي كل المجالات! ولكن عبر إستخدام مناهج علم الجريمة وأدوات الجرائم وسلوك المجرمين فقط، يمكن إستيعاب أمثال هذا النظام وطبيعة آثاره الكارثية!! والحال هكذا، يصبح ليس بمستغرب تزامن أوجاع مرض السرطان، مع مباهج إفتتاح قصر الرئاسة الفخم. بل الإستغراب الحقيقي ألا يتم ذلك وبتلك الكيفية!! بمعني، هذا الإحتفال يشكل بيان بالعمل، في كيفية إشتغال عالم الحكام والقياصرة وعوالم المحكومين والبؤساء! وهي عوالم تفتقد لأي نوع من الجسور او التفاهم او الأحساس المتبادل او التواصل علي أي مستوي! إلا من خلال تفسير والأصح تبرير تكريس إمتياز الطرف الأول وإنسحاق العالم الثاني! بمعني، إن الإمتياز لا يوجد في الفراغ، ولابد من وجود ما يمنحه معناه وقيمته! وبكلام اكثر وضوح، تحويل الطرف الثاني الي مجرد أرقام باردة وباهتة في وعي وذاكرة وبال الطرف الأول، وبما فيها أرقام أعداد المصابين بمرض السرطان رقم كارثيتها! وكأنها لأ تحمل في جوفها كل أنواع المتاعب والعجز والمآسي لهم ولعائلاتهم المنكوبة! في هذا المعني، تصبح مسألة بناء القصر او الإحتفاء به ليست سابقة غريبة او سلوك شاذ! بل هي المحصلة المتوقعة لوعي الترف الذي يشكل آليات عمل وإشتغال تلك الطبقة السلطوية! أي كتعبير عن حالة الإنشغال والهموم التي تعيشها، كطبقة تحوز كل الأموال(إمتلاك الدولة كغنيمة حرب او محصلة ذكاء وحيلة!) وسلطات مطلقة(غير مسموح بتواجد معارضة جادة وفعَّالة ومؤثرة!)، وفي نفس الوقت ليس عليها مسؤولية أدبية(أخلاقية) او مادية(خدمية) تجاه المحكومين، إلا من مدخل المنة والحسنة المرادفة للتشهير بهم!! بمعني، وظيفتها كطبقة حاكمة ومترفة هي تراكم الأموال والسلطات علي الدوام! وتاليا تصبح مسألة بناء القصور او الطرقات ومن ثم إستيراد العربات والآثاثات..الخ هو نوع من عملية تدوير الأموال بين أفراد تلك الطبقة! أي تبادل نوع من المنافع الإستهلاكية بين طبقة الحكام والدائرة اللصيقة بها من المنتفعين! وبهذا يصبح الجمهور المحكوم، هو الأدوات والأرقام التي تتعامل بها تلك الطبقة الأصيلة والمزيفة الملتصقة بها! وتاليا لا معني لعملية التبرير التي يقدمها أتباع النظام عن مصدر الأمول! من الحكومة الصينية كمنحة مرة، وبإشتراك مع الحكومة مرة أخري! او لعملية الإعتراض التي أبدتها الغالبية العظمي من المعارضة او الرافضين لنظام الإنقاذ! بحجة الخلل في ترتيب الأولويات! رغم صدقية هذه الحجة!! بمعني، إن الإشكالية الحقيقية في خلق تلك العوالم وتبرير وجودها! وليس في وجهة النظر التي يبديها كل عالم منهما!! أي ليست الإشكالية في تبرير بناء القصر بأموال صينية او محلية او تصدع القصر القديم وحاجته للصيانة! بمعزل عن رؤية تصدع عالم الحكام وكفافه عن رؤية آلام وحاجات ومشاكل عوالم المحكومين والبؤس المقيم فيها، بسبب إستحواذ العالم الأول علي كل الفضاء الوطني حصريا! ومن الجهة المقابلة يصبح النقد الموجه لتضارب الأولويات، هو من باب الطشاش والعمي الليلي، من دون نقد عالم الحكام ورفضه مبدئيا ومن ثم السعي لتغييره! أي وعي القصور وعي قاصر إذا ما تم النظر إلي الإشكالية، من خلال منظور الأولويات المضلل او الصرف البذخي المشاهد! وكما ذكرنا أعلاه الإشكالية ليست في إفرازات عالم الحكام(وهي مبررة بمنظار عالمهم!) ولكنها في وجوده اولا، وفي تقبل شرعيته المزيفة سواء بالصمت او الإعتراض الخجول ثانيا! لذلك المطلوب ليس التبرير ل/او نقد هذه العوالم فقط! ولكن الأهم والأصلح هو هدمها ومساوتها بالأرض، ومن ثم التأسيس علي أنقاضها لنظام يهتدي بأسس بناء الدولة الحديثة في جذورها المبكرة او مرجعيتها الأساس! أي تأسيسها علي الديمقراطية وحق المواطنة والمساواة والمشاركة والحرية. أي إتاحت الفرصة للعامة او الكافة للمساهمة في بناء الدولة الوطنية، ومن ثم حق التمتع بفوائدها وعوائدها المرجوة منها! أي منع تخصيص الفضاء العام او إحتكار حق التصرف فيه بالمطلق لأيٍ كان! أي إما دولة تسع الجميع وتتيح فرص التطور للجميع. وإلا فلا دولة، وإنما سجن إستبدادي رهيب وعقم سلطوي عميم، وتاليا التراجع لحالة اللادولة واللاإستقرار والإنزلاق لمرحلة ضيق القبيلة وجرح الجهات وعصبية الأعراق، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وهذا بدوره يقودنا لنقطة جوهرية أخري، وهي إن عملية بناء القصر او الإحتفاء به، هي إنعكاس لعقلية القصور(كمبني وكمعني) التي تسم قطاع كبير من النخبة السودانية، ولأ يمثل البشير ورهطه، إلا أقصي وأسوأ تجلياتها! بتعبير آخر، إن مفهوم بناء القصور او الإهتمام بالصرف البذخي والحياة الإستهلاكية المادية الفارغة، مقابل البناء التنموي والهاجس الخدمي والسعي الحقيقي لتغيير أوضاع المجتمع المحلي. هي سمة غالبة في نخبنا المتعلمة، التي حازت السبق التعليمي والتحسن المادي مبكرا! ولكن يؤرخ لهذه البداية من الإستعلاء النخبوي وبالأخص طبعته الإقتصادية المادية الإستهلاكية، منذ الإحتكاك بدول البترودولار! فهذا الإحتكاك يبدو أنه زاد من أزمة الهوية والتهافت العروبوإسلاموي الذي تعاني منه النخبة سلفا! سواء في بعده التفاخري الإيجابي( لأصحاب المكون العربي، داخليا بالطبع!) او الإنهزامي السلبي(رفض المكون العربي، والإحتفاء بالمكون الأفريقي، ليس عن قناعة، ولكن كردة فعل علي إستعلاء أصحاب المكون العربي!) المهم قاد الإتصال بالخليج، الذي يعاني بدوره من طغيان الجانب الحداثي العمراني والتكنولوجي وخفوت الجانب العقلاني والتحرري الإنساني! الي حدوث نوع من الأزمة المركبة للنخبة المهاجرة! أي أضيفت الي أزمة الهوية المتنازعة والمهزومة او المصدومة خارجيا، أزمة الفوارق المادية والبشرية الهائلة بين المغترب(دخيل أقل مرتبة) وصاحب الدولة(مواطن الدولة الأصل أعلي مرتبة)! أي تدنت سوية المهاجر المادية والمعنوية مقارنة بالمواطن الأصلي من جهة! ولكنها للمفارقة إرتفعت بينه وبين المواطن المحلي من الجهة المقابلة! بسبب تدني أحوال المواطن المحلي المادية بإستمرار(وهل ترك الطغاة وعصاباتهم له شيئا ليقيه شر الفقر وإنكسار الذل)!! والحال كهذه، حاول المغترب السوداني أن يعالج أزماته بخلق أزمة في المجتمع المحلي! وذلك عبر الإهتمام بالحياة الإستهلاكية المادية الشكلية(نوع من التعويض الحرماني!) من بناء عمارات وإقتناء عربات ولبس أزياء جديدة ومكلفة، ولا تتناسب مع طاقات وإمكانات الإنسان المحلي! أي بدلا من أن يقوم المغترب النخبوي، بدور تنويري تطويري خدمي لمجتمعه المحلي، صاحب الفضل في تعليمه وتأهيله وإكسابه ما يتمتع به من قيم إيجابية! فإنه أحدث نوع من الأزمات الإضافية في مجتمع لا يشكو القلة من الأزمات والمحن!! وذلك عبر تبنيه لثقافة إستهلاكية مادية مكلفة، ليس في وسع الإنسان المحلي مجاراتها! كما أنه لا يمكن أن يسلم من تبعاتها وآثارها علي الجانب الإجتماعي خصوصا! أي بعد أن كان الإنسان المحلي يقاوم فقره بنوع من قلة التطلعات الثانوية والتكيف مع معطيات البيئة المحيطة بشكل او بآخر! مما يشكل له حماية من الضغوط النفسية الهائلة! ليجد نفسه محتاج لطاقات ومقاومات خرافية او شبه مستحيلة! لتشكل له حاجز من الإنزلاق الي مهاوي الإنحراف والفساد، ليواكب الثقافة الإستهلاكية الجديدة، حتي لا يوصف بالتخلف وغيره من النعوت الإستحقارية! وأصبحت الثقافة الإستهلاكية تتصاعد عاما إثر عام، وزادت قوة الجذب لدول الخليج والطرد من البيئة المحلية! ومع كل عودة للمهاجرين، تعود الأموال والعادات الإستهلاكية أكثر ضراوة! وعموما هي أموال وعادات مجردة من أي بعد تنموي او خدمي او تكونولوجي او مسعيً حقيقي لتغيير الواقع المحلي للأفضل!(أفضل من تناول ظاهرة إستشراء الحياة الإستهلاكية والتبدلات الحادثة في المجتمعات والمصري منها بالتحديد، خلال تبدل العصور والفترات والحكام! هو المفكر والإقتصادي المصري الكبير الدكتور جلال أمين مد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية) والأسوأ أن المغترب السوداني يستبطن بقاء تلك الجموع الكادحة علي حالها!! وهذا ما يؤكده أولا، حصر الإمتياز المادي والمعرفي في حدود الفرد وتاليا عائلته الخاصة، وبدرجة أقل أصحابه ومعارفه وأبناء تنظيمه إذا وجد! وثانيا، تدني الإهتمام بالقضايا العامة والدعم المادي المخفف تجاه بعض القضايا العامة والمحلية، وبعد إلحاح وطلبات ورجاءات ليس لها حدود! أي يشارك بقصد دفع اللوم والحرج، وليس عبر مبادرات ذاتية ولدوافع إنسانية او وطنية بحتة ولا ينتظر من وراءها مقابل ولا حتي كلمة شكر! وهذا دون قول شئ، عن أحاديث التذمر والشكوي من الأقرباء وكثرة مطالب أهل الداخل الكسالي المكلفين! وثالثا عدم السعي الجاد لإتاحت فرص العمل او التدريب او الترقي او التحسن المادي والمهني، للمواطنين في الداخل! أي قتل إحتمال المنافسة او الأسبقية او التفوق في مهدها(بلاش تكاليف ووجع دماغ!) وتاليا إحتكار الإمتياز في حدود الفرد وعائلته وهذا في حال المغترب الجيد!! وفي الحقيقية هذا ينطبق أيضا علي المغتربين في الدول الغربية اوربا وأمريكا وكندا واستراليا..الخ، أي يخص كل المغتربين في الدول المترفة والغنية، والتي زادت وتيرة الهجرة إليها بمقدم الإنقاذ وتضييقها علي فرص الترقي والتميز، لكل الخارجين علي برامجها وسياساتها الإجرامية! وذلك بالعكس من كثير من المجتمعات، التي يسعي مواطنوها وبالتحديد مغتربيها، الي الإستفادة القصوي من الظروف المتاحة في دول المهجر، ومن ثم توظيفها في خدمة مجتمعاتهم المحلية، سواء بإتاحت فرص التدريب والدراسة والتحضير لمواطنيهم في الداخل، او بتشجيع دول المهجر علي المزيد من الإستثمار وتقديم الخدمات لمجتمعاتهم المحلية. او بتوظيف علاقاتهم وخبراتهم في المنظمات الدولية وتوجيهها او تنبيهها لإحتياجات مجتمعاتهم المحلية وفي حدود القانون والأعراف الدولية! أي المنافسة بجدية للحصول علي نصيب الأسد من وظائفها وإهتماماتها، لمصلحة المجتمعات المحلية، وتاليا مفارقة حائط الإنقاذ القصير او حائط مبكي اللوم والندب والتخلص من الإحساس بالذنب! بمعني، إنهم أقل المجتمعات مسهامة في تغيير واقع مجتمعاتهم المحلية رغم كثرة النقد والصياح علي الإنقاذ وسواها!! وبعد المرحوم الشريف حسين الهندي، يندر أن نجد فرد قام بدور مؤسسة كاملة! في إتاحت الفرص للآخر، للتغيير والمعرفة والترقي والإفادة العامة، في بلاد المهجر! والأكثر ندرة أن نجد سوداني ترك عمله وإمتيازاته في بلاد المهجر، وعاد الي السودان محملا بخبراته وأمواله من أجل غاية، تغيير أوضاع مجتمعه المحلي! إلا في حالة تقدم به العمر او إنتفت الحاجة إليه في مكان عمله، وعاوده الحنين لمراتع الطفولة ومرابع الصبا ليقضي فيها بقية شيخوخته! وعموما هذا ليس عيبا في حد ذاته، ولكنه أيضا ليس بفضيلة او مصدر فخر! كما أنه أقل جذرية في التعامل مع واقع كالواقع السوداني، أكثر كارثية وأقل فرصا للنجاة!! وبالصدفة البحتة، تابعت قبل فترة جزء من برامج علي قناة النيل الثقافية المصرية، إستضافت فيه شخصية مصرية للأسف سقط إسمها من ثقوب الذاكرة الخربة! المهم، هذا الشخص المحترم، كان ملحق إعلامي او ثقافي بالسفارة المصرية في روسيا، وللعجب أثناء فترة مبارك(الإستبدادية المرفوضة) فهذا الملحق وخلال فترة عمله التي تتعدي العشر سنين ببضع سنوات، قد أتاح عبر علاقاته الشخصية والمهنية عشرات فرص الدراسة للمصريين في روسيا! وتوج مجهوده بإنشاء جامعة روسية مصرية في مصر، ذات كفاءة تتجاوز كل كليات القارة في تخصص الهندسة تحديدا، أو هذا ما أتذكره من حديثه المُشرِّف! وقس علي ذلك عشرات الأمثلة، كنموذج الدكتور أحمد زويل وغيرهم!
وفي الحقيقة هذه الوضعية لا تخص المغتربين في الدول الغنية فقط! ولكنها تمس بشكل أساس، شرائح من المعارضة وقطاع كبير من الأفراد في المجتمع المحلي أيضا، والذين لا يختلفون عن الإنقاذ كثيرا، سواء في نمط حياتها وبذخها او في طبيعة الحياة التي يرغبون ويتطلعون إليها او في نظرتهم المتعالية لبقية أفراد المجتمع المقهور! أي هم أقرب نفسيا وإمتيازيا للإنقاذ من بقية قطاعات الشعب! وتاليا ليست لديهم مصلحة حقيقية، في هدم هذا النظام الإمتيازي الإجرامي، او تعريض إمتيازاتهم الحصرية، لخطر التغيير المجهول! وهم يتدثرون ويتعللون بمصير الربيع العربي (والمقولة الخائبة، جنا تعرفو أخير من جنا ما بتعرفو! مع إن الحياة تحتمل الملائكية أيضا، أي تبعات التغيير متروكة لصناعه وكفاءتهم وإخلاصهم!)
والقصد من كل ذلك، ليس لوم المغتربين او تقييم دورهم او نوع من النقد الذاتي! وبالتأكيد ليس القصد التقليل من حجم مساهماتهم المقدرة، بل من قلة الإنصاف نسيان دور المغتربين في معالجة كثير من الأزمات والمحن الأسرية والوطنية! بل لا نتجاوز الحقيقة، إذا قلنا أنه وبفضل المغتربين، بقيت جذوة الأمل في الخلاص وتغيير واقع الحال، مشتعلة في ظل هذا الظلام الإنقاذوي الذي يخيم علي الواقع الداخلي! ولكن القصد، أولا، تطييب او معالجة جروح التقصير النازفة والتخلص من الدماء المتخثرة والأمراض في الجسم المعارض، ولأ ينكر إلا مكابر بائن عناده، أن جزء كبير من أسباب إستمرار النظام الإنقاذوي بكل فساده وأخطائه، يعود بشكل أساس للعيوب الكبيرة في الجسم المعارض! ومن ضمنه بل ركن أساس في تكوينه وبناء هياكله هو جناح المغتربين بمختلف طوائفهم ومهنهم. ومعلوم أنها شريحة هامة وموهوبة ومبدعة وتحت يديها قدر هائل من الفرص، التي لو تم التعامل معها بطريقة مثلي، لكانت خير عون لمعارضة الداخل! ولكنها شريحة لم تقم بمواجهة الذات بطريقة جادة! بسبب الإنكار او الإستعلاء او الإنتظار وهي نفس الأمراض التي أودت بالبلاد الي الهاوية! وعلاج الذات هو أول درجات التعافي الوطني! وذلك من أجل تقوية الجسم المعارض وتوحيده حتي يشمخ ويعتدل ويصبح مرعب ومهاب عند حضوره في الساحة، وتاليا التوجه للحسم الفصل في المعركة الفاصلة مع نظام أخطبوطي شبحي إجرامي مجرد من إخلاق الفرسان كنظام الإنقاذ، إمتهن الإستثمار في خلافات المعارضة ونقاط ضعفها وتخاذل النخبة بصفة عامة!
وثانيا، لأن مفهوم التغيير أكبر من نقد الإنقاذ أو إنتظار الفرصة للتعبير عن مكنونات النفوس والإندفاع للعمل والإصلاح! ولكنه يتجلي بصورة أوضح، في الإستفادة من إمكانات التغيير المتاحة، والتوسع فيها بزيادة فرصها وممكناتها. بغرض توسيع دائرة الوعي، لإستيعاب أكبر قدر من المواطنين، وتمليكهم أدوات التغيير الشامل، المعرفية والتقنية والحياتية..الخ! أي المساهمة بما هو متاح والآن، لتجهيز بيئة التغيير وإعداد تربة الإنتقال، لأوضاع أكثر حرية وإنسانية ومشاركة. وذلك عبر زيادة فرص العمل والتعليم والتدريب والتطوير والتوعية الديمقراطية، لأكبر قدر من المواطنين في الداخل والخارج. سواء بمعالجة عقبات الداخل او الإستفادة من فرص وممكنات الخارج. وعبر المبادرات الفردية او الجماعية والمؤسسية. تحت شعار إصلاح فرد إصلاح أمة ومساعدة مواطن مساعدة وطن! ولا أعتقد أن في هذا صعوبة او عبء يستدعي الإنتظار!! وبتعبير أخير، التغيير عملية شاقة وشاملة ومتتابعة ومفتوحة علي المستقبل، ويمكن للكل أن يساهموا فيها، وبما يمتلكونه من أدوات وبما يتاح لهم من فرص. فكل المطلوب (تبيِّض النية) ودفع الإرادة الي مناطق الصدق والصلابة والفاعلية العامة! علي الأقل مثل هذا المفهوم كفيل بتجنيبنا نكسة الثورات وإهدار التضحيات، التي تعقب التخلص من الديكتاتوريات! او تجعل الإستبداد كمفاهيم وأدوات ومظاهر وخفايا، حالة منكرة، إن لم نقل جريمة وبيئة أمراض شاملة!
كلمة أخيرة
يبدو أن البشير تلبسته الحالة الأردوغانية في نسختها السلطانية الأردأ! وهو يتعامل مع القصر الجديد كاملاك شخصية! ولسان حاله يقول، لكم القصر القديم أما هذا فشُيِّد لي! وهذا ناهيك عن أنه بإحتفاءه (بقصره!) يمد لسانه ساخرا للإنتخابات القادمة، وهو يستبق نتائجها، برحيله الي القصر مبكرا، وهو يضمر الإقامة الدائمة فيه، بعد أن مل القصر القديم بجدرانه وأثاثاته وشخوصه وسلطاته! (ويبدو أنه همس في أذن الأصم بأن يذهب الي إعداد الإنتخابات أما هو فسيسبقه علي القصر!! وفي قول آخر دي آخر إنتخابات يا ولد وبعدها شوف ليك شغلة تانية!!)
عبدالله مكاوي
بريد إلكتروني [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.