توقع الشباب السوداني، الذين شاركوا بفعالية في الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، أن تعمل الحكومة الانتقالية على معالجة القضايا الحياتية التي من أجلها واجهوا سُلطة أمنية عقائدية لا تعترف بالآخر ناهيك عن طموحاته. غير أن الحكومة تعمل ببطء، مهتمة بالجوانب السياسية وتنظيف مؤسسات الدولة من الإسلاميين أكثر من اهتمامها بأمور الخبز والمواصلات والبطالة والعدالة الانتقالية. ونقلت صحيفة (الشرق الأوسط)، في الرابع من سبتمبر، عن مسودة القطاع الخاص السوداني للإصلاح الاقتصادي، التي طرحت على الحكومة الانتقالية، إن العاطلين عن العمل ارتفع من ثلاثة ملايين إلى ثمانية ملايين خلال السنوات السبع الماضية. وذكرت أنها استندت في تلك الإحصائية إلى تقرير صادر من وزارة المالية في 2017، الذي قال إن نسبة البطالة بلغت 32.1 % من حجم القوى العاملة في البلاد البالغة نحو 25 مليون شخص. ونقلت عن الفاتح القرشي، المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات ومقرر مبادرة القطاع الخاص السوداني للإصلاح الاقتصادي، قوله إن النسبة ستزيد 4% في 2018، الذي لم تكتمل إحصاءاته ومعلوماته بعد. حديثي عهد بالسياسة تقول سهي خالد، 24 سنة، وتعاني بسبب عجم الحصول على عمل، إن الحكومة الانتقالية غير مكترثة لأمر البطالة، وهو أمر ينبغي أن تقف عنده، خاصة وأن العهد البائد كان يعتمد في الوظائف العامة على من يدينون له بالولاء السياسي. كما تنوه لبطء الإجراءات المتعلقة بالعدالة الانتقالية، سواء القصاص للقتلى الذين سقطوا في التظاهرات وقتلى فض الاعتصام، علاوة على العدالة الخاصة بضحايا الحرب بالنازحين في معسكرات إقليم دارفور. وفضت قوات محسوبة على العسكري في الثالث من يونيو، اعتصام أمام محيط قيادة الجيش بالخرطوم، أدي إلى مقتل "118" شخصًا، بحسب لجنة الأطباء المركزية، وجرح نحو ألف شخص. وقالت اللجنة أنها وثقت حالات اغتصاب عديدة وقعت على الجنسين. وشكلت الحكومة الانتقالية لجنة مستقلة للتحقيق في فض الاعتصام في أكتوبر، وبدأت نشاطها في بداية نوفمبر، ويتوقع أن تنهي أعمالها في نهاية يناير. والحكومة الانتقالية شُكلت بناء على اتفاق سياسي بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، الذي أزاح عمر البشير، تحت وطأة ثورة شعبية. ويري مكي خليل، وهو شاب شارك في معظم مواكب الثورة، أن الحكومة بطيئة في تنفيذ المطالب الخاصة بالعدالة وحل المشاكل التي تتطلب حلول عاجلة كالمواصلات والخبز. ومع ذلك يشدد على أنه "يجب الضغط عليها بالوسائل الدستورية المتاحة مع أخذ الحيطة والحذر من فخ التخوين في هذه المرحلة الحساسة". ويضيف ل "سودان تربيون": أن بعض رفقاءه يملكون الصبر والبعض الآخر لا يملكه، ووجد لهم العذر في: "معظم الشباب حديثي عهد بالسياسة، لم تعركهم الساحات السياسية وجل ما كان لديهم من أسلحة هو الهتاف والمتاريس والتي كانت أسلحة فعالة في المرحلة السابقة"، ويتابع: "عندما تقل الفعالية في المرحلة الحالية يصاب العديد بالإحباط". الهجرة لا زالت خيارا يمضي خليل في حديثه، ويلقى بطموح أكبر، بضرورة زوال الديكتاتورية حتى من الأذهان، والوصول إلى حكومة مدنية ديمقراطية، يتمتع فيها الفرد بكافة حقوقه المفقودة في العهد البائد. يقول أحمد محمد إبراهيم، 31 سنة، إن سبب بطء الإجراءات الخاصة بالعدالة الانتقالية واستعادة الأموال التي سطا عليها رموز العهد البائد هو العقلية السياسية التي تدير الدولة. ويبدي، في حديثه ل "سودان تربيون"، عدم رضاه لأداء الخدمة المدنية، ويضيف: " بالنسبة لي يجب أن يستغنوا عن كل العقليات لتي تعطل هذه الدولة، ويعاد سن المعاش الي 60 عام مع استقطاب كوادر شبابية متخصصة تعمل على بناء البلاد". وعلى النقيض تُشدد سارة إبراهيم، 28 سنة، على التواجد داخل البلاد، ومواصلة النضال حتى تحقق مطالب الثورة. وتقول إن بطء الإجراءات غير مقبول لكنها تبدي التفهم للمعضلات التي تعترض عمل الحكومة الانتقالية: فهي لم ترث أزمات متراكمة من العهد البائد وحسب وإنما منذ الاستقلال، بحد تعبيرها. وتضيف: "لا يزال السودان يُحكم عبر عقلية الاستعمار. ضباط الجيش والنخبة المهيمنة الآن على الساحة السياسية عقليتها استعمارية بحتة"، ثم تتراجع وتقول "توجد استثناءات، لكنها غير كافية لترجيح الكفة، ولذا أدعو الشباب لعدم مغادرة البلاد، ولنعمل معًا على بناء دولة ما بعد الاستعمار".