.. [email protected] في يوم الفصل اياه 9 يوليو 2011 والعيون متسمرة علي شاشات التلفزيون والأصابع القلقة تتلاعب بجهاز التحكم انتقالا وهربا من تغطية قنواتنا الفقيرة وكأنها تستعرض حدثا عاديا يشرفه معتمد احدى المحليات .. وبحثا عن المهنية الاعلامية العالية ..اتفقنا مع نهجها أو اختلفنا ..ففي اطار احترامنا لاجتهادها ومتابعتنا لنقلها الحي لاحتفالات جوبا استوقفني استطلاع بثته الجزيرة القطرية علي خلفية انفصال الجنوب ..فتجولت كاميراتها في عدد من الدول العربية والتقت نفرا من مواطنيها لمعرفة رأيهم في انقسام السودان الي دولتين وأثره علي الأمن والسلم في المنطقتين العربية والأفريقية .. كانت معظم اراء المشاركين عاطفية تشوبها المخاوف على مستقبل الدولتين ..و تمني الكثيرون أن يكون في ذلك الجرح اخر أحزان السودان في كلا الشطرين ..فيما حذر البعض من مغبة تفشي الظاهرة ضمن مخطط لتقسيم المنطقة الي دويلات يسهل ابتلاعها.. المهم كانت جولة الكاميرا في مصر وتونس ثم عرجت علي لبنان..فلم يخرج سياق الحديث الشعبي عن المضامين أعلاه.. بيد أن أحد اللبنانين رد علي سؤال المذيع عن رأيه في قيام دولة جنوب السودان ..في حدة تشبه استنكار السؤال في حد ذاته.. قائلا..! السودان ..؟ شو بعرفّني ..أي ماذا أدري عنه..مابعرف عنه شيء .. أسألني عن لبنان .. عن البلاد العربية .. تسألني عن السودان ؟...مكررا..في اصرار وباستغراب.. مابعرفه..! بالطبع رغم انني قد شعرت بمرارة في قرارة نفسي اعتصرتني مع الدمعات التي كانت تنسكب لا اراديا في لحظة تلك الفجيعة المفصلية في تاريخنا وجغرافيتنا وانسانيتنا..الا انني وحيال وجعة الحدث نفسه رددت أجابة ذلك الرجل اللبناني الي جهل شخصى لاينبغي أن نعطيه بعدا اكثر مما يجب.. او هكذا حاولت ايهام ذاتي المفعمة بركام الأحباط في ذلك اليوم المشئؤم.. الآن يدور لغط في الاوساط الصحفية طرح نفسه علي مسئؤلي الدولة الجديدة والوليدة من رحم السودان العضو القديم في جامعة الدول العربية..حول امكانية انضمام جمهورية جنوب السودان للجامعة منتقلة من مقاعد المراقبين الي طاولة الأعضاء الفاعلين ..هذا ان كان في الجامعة أصلا ما يفعله الأعضاء!؟ ورغم ان اجابات حكام جوبا حو ل صحة من عدم حقيقة ذلك الشأن كانت مسكا للعصا من منتصفها ربما انتظارا لرأي شيخة العالم التي تفضّل بالطبع توهيط الأمورة اسرائيل اولا في قلب العاصمة القديمة الجديدة .. الا انني وجدت نفسي فجأة استرجع حكاية انضمام السودان نفسه صاحب الجلد والرأس للجامعةعقب حصوله علي شهادة ثانوية الاستقلال و اربطها في عقلي الباطن مع كلمات المواطن اللبناني الصادمة لوجداننا الذي كيفناه عربيا علي الأقل من الوجهة الثقافية .. فقد كان وهذه حقيقة تاريخية أول المعترضين علي قبول طلب انضمام السودان للجامعة هي الجمهورية اللبنانية ذاتهاالتي تطبع عاصمتها ما تكتبه القاهرة لتقرأه الخرطوم.. بدعوى عدم عروبة السودان !.. ولعلي لا أبخس بالطبع علي خلفية تعالي السياسيين اللبنانيين في ذلك االزمان الغابروجهل المواطنيين العادين تجاه السودان حتى في زماننا هذا ..ما يحفنا به مثقفو لبنا ن والكثير من صحافييها وكتابها الذين يضربون بأهل السودان المثل في علو كعب الثقافة والأدب والفهم السياسي الراقي ويحفظون لهم مقامهم المتقدم في المواقف العربية..وكثيرا ما يستشهدون بمآثر الأزهري الذي تعلم في بيروت والمحجوب الذي تفرد في قمة اللاءات الثلاثة الخرطومية الشهيرة حيث ذكر جان عبيد ولعله كان وقتها وزير خارجية بلاده الذي حضر القمة بتلك الصفة فقال انه خرج مع رئيس وزراء السودان المحجوب وهو يقود سيارته بنفسه فيما بعد منتصف ليل الخرطوم فتوقف عند اشارة المرور الحمراء والشوارع خالية فقال له الوزير اللبناني لماذا تتوقف يا سيدي و المدينة شبه نائمة فرد عليه المحجوب وأبهره في حكمة ساخرة قائلا.. لقد تعلمنا من الاستعمار أن القانون يحترم بالنهار وبالليل أيضا ! وربما كان في موقف ابوعاج البطولي في قمة انقاذ المقاومة الفلسطينية واخراج أبوعمار في ما سمي بايلول الأسود 1970من معارك عمان تحت البارود والدخان واحدة من الوقفات التي سجلت للسودان بأحرف من نور.. و لا ننسي مكانة الطيب صالح والفيتوري وجمال محمد أحمد الذين سحروا بأدبهم صفحات بيروت ومجدتهم ايما تمجيد..والقائمة تطول بغيرهم من الذين نفاخر بهم أحياء وراحلين وعلي مختلف الأصعدة.. والحقيقة لقد اردت من هذه النقلات أن أبرهن علي اننا نحن الذين فرضنا احترامنا علي من كانوا يستخفون بعروبتنا الثقافية وحتي انتمائنا السياسي في عهود تفردت فيها الشخصية السودانية علي كل المستويات وفي كافة المحافل فردمت تلك الهوة مابين موقف لبنان الرسمي ذاك القديم وجهل ذلك المواطن البسيط الذي لم يسمع بانفصال جنوبنا أو حتي السودان نفسه.. ولست أدري كيف سيكون رأي لبنان الرسمي المشبوح اليوم بين دولة ميشال سليمان المسيحي الماروني..ودولة حسن نصرالله المسلم الشيعي في انضمام دولة الجنوب السوداء المنفصلة للجامعة العربية التي جربت عضوية السمار الأفريقي من قبل ..بدءا من السودان نفسه حينما كان موحدا ومرورا بالصومال المأسوف علي شبابه المتناحر..وجيبوتي المسالمة الوديعة ودولة جزر القمر الطرفية وخاطفة اللونين.. وعلي رأي المثل المصري .. فالسمار نصف الجمال .. وفيما أظن أن بقية العرب لن تضرهم زيادة مساحة شريط الجامعة الأبيض بالأسود بان تكون دولة الجنوب العضو الثالث والعشرين وهذا واضح في اعترافاتهم بها وجرافاتهم التي بدأت تتوافد علي جوبااستثمارا واعمارا واستباقا لصديقتها القادمة اسرائيل..والحشاش يملاء شبكته..! ولكّن كل ما نخشاه أن تكون عبقرية الانقاذ لازالت تحشد المزيد من الأعضاء الجدد للاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ليصبح للسودان فيها وحده عدد من الأصوات علي غرار منظومة دول الآتحاد السوفيتي الآفل التي خرجت من باب الدولة العظمي الواحدة وتسللت من النافذة علي بعضها لتصريف مصالحها المتشابكة في شكل آخر .. حمانا الله من زيادة الشتات وأزاح عنا غمة الساعين له .. انه المستعان .. وهو من وراء القصد.. نشر بتاريخ 14-07-2011