د. محمد بدوي مصطفى [email protected] قرأت مقال الأخ الفاتح جبرا عادي بالزبادي الذي نشر قبل سنوات وأعيد نشره الآن، كإحدى المراسيم المصاحبة لتولي بروف بجامعة طبية مرموقة مقاليد وزارة الصحة (التي، لا صحة فيها على الإطلاق). تطرق الزميل الفاتح لموضوع مهم إلا وهو موضوع تعريب المناهج الجامعية الذي يريد أن يتصدى له البروف المذكور، علما بأن كليته تدرس المناهج بالإنجليزية ولم يكن في ذاك شك منذ التأسيس، فمالكم كيف تحكمون؟ أن موضوع التعريب موضوع شائك ووعر ولقد تصدت له مجامع اللغة العربية المغبرة ببغداد، دمشق، القاهرة، الأردن وأكاديمية التنسيق للتعريب بالرباط ولم يفلحوا إلا في إخراج بضع معاجم تُجَمِّلُ رفوف مكتباتها وهي لا تسمن ولا تغني من جوع إذ أن اللغة كائن حي يحكمه في هذا وذاك قوانين طبيعية ولا تتخبط في سيرها خبط عشواء. أقول هذا الكلام وكنت قد عالجت اشكاليات التعريب بأطروحة الدكتوراه وزرت المجامع المذكورة أعلاه وناقشت في ندوات علمية إشكالياتها العامة والخاصة ووقفت على خلاصة ما أخرجته هذه المؤسسات التي تخضع تحت اسم الألسكو (المنظمة العربية للثقافة والعلوم) وكان رئيسها السابق الدكتور محي الدين صابر، استاذنا الجليل. لكن كل ما أخرجته للأسف فهو نقطة في بحر بلا شط؛ والعبرة لمن اعتبر. هل تعرفون أن شركة القواميس الفرنسية لاروس قد وضعت لجنة من 300 عالم لوضع معجمها الأخير وكل في مجاله والطب علم فيه الفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلم النفس والأحياء ووو فمن بربكم يستطيع ترجمة هذه "الآفة العلمية"؟ كما أسلفت لقد عجزت كل هذه المؤسسات فضلا عن جلّ القوانين التي صاغتها الحكومات اللغوية العربية بصورة تعسفية لتسيير اللغة مسارا آخرا غير مسارها الطبيعي الذي كتبه الله لها، ذاك برفض وتفنيد كل ما دخل بصورة طبيعية عبر استعمال البشر من لغة الاصطلاح الغربية جملة وتفصيلا؛ ليصنعوا لنا قوالبا شتى يعتقدون أنها جديرة بحل المعضلة وأنها قديرة باستيعاب ملايين المصطلحات التي تصلنا عبر الإعلام وغيره، منها: 1. الاستنباط: وهو أن نستنبط من لغة العرب القدامى كلمات قد اندثرت لنطلقها على مفاهيم حديثة، فكلمة (قطار) كانت تعني (قافلة الجمال)؛ سيارة (كوكب)؛ البسط، المقام، القاعدة، الخ 2. الاستعارة: فأرة (لفأرة الحاسوب)؛ 3. النحت: قبمداري (قبل ومداري) وقبمدرسي (قبل مدرسي – التعليم)؛ 4. التعريب: جوال لموبايل، وتلفاز لتلفزيون، وحاسوب لكمبيوتر وووالخ. ربما تكون قد نجحت هذه المنهجية الصلدة في تعريب حفنة قليلة لا تذكر مقارنة بالكم الهائل للمفاهيم الآتية من حضارة الغرب، لكن اللغة العربية لا ولن يمكنها استيعاب الكم الهائل للأفواج المصطلحية التي تولد آنيا في كل لمحة ونفس. إذ أن مورفولوجيتها أي بناءها السامي (كلغة ساميّة كالعبرية والحبشية والآرامية) يعتمد على الجذور الثلاثية (جلس، قعد، الخ) والرباعية (تلفن، فاكس – خماسية مثل دمقرط شبه معدومة) لا يشابه البناء الهندوأوربي للغة المعطاءة التي تعتمد في بناءها الصرفي على اللواحق والسوابق والدواخل. إضافة إلى أننا نسبة لهيمنة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي نستورد من لغتين مختلفتين (الإنجليزية والفرنسية). فالمغرب العربي مثلا يدرس هذه المناهج باللغة الفرنسية وعندما يعرب فهو يعرب انطلاقا من اللغة الفرنسية التي تعتمد في بنيتها النيورومانية طرقا أخرى مختلفة عن اللغة الإنجلوساكسونية. وعموما المغاربة يدرسون حتى في المدارس المواد العلمية بالفرنسية وهذا يؤهلهما لمواكبة الركب وإمكانية الدراسة أو البحث العلمي في أروبا وهذا فائدة كبيرة يجب أن توضع بعين الاعتبار. لكن لغة الأغراض الخاصة في العربية المغاربية تختلف عنها في عربية أهل الشرق ولا مجال للنقاش في هذا الصدد، إذ أن كل فئة تودّ دفع مصطلحاتها دون الأخرى. سيدي الوزير، إن الاختراع والنمو الفكري هو الحل الوحيد لإنتاج المصطلحات العلمية. وأنت أعلم مني بأن العرب عندما كانوا في أوج حضارتهم استعار منهم أهل أروبا كل المصطلحات والتقنيات ولغات الأغراض الخاصة التي أدت بدورها إلى بلوغ أوربا أوج حضارتها وكانت العربية لغة العلم والتقنيات الحديثة. وكمثال لهذا التمازج العلمي اتخذ منهجيّ الطب لابن سينا والرازي وهي كتب من 8 مجلدات كأول مناهج للطب في جنوبفرنسا وإيطاليا وكان آنذاك الملك فريدريك الثاني الذي حكم جزيرة بليرمو الإيطالية في القرن الثالث عشر يستقطب علماء العرب ويجزل لهم العطاء لكي يوطدوا مناخا علميا ومعرفيا في مملكته حتى بلغت هذه الأخيرة أوجها وصار يضرب بها المثل في العلم والحضارة. لماذا لا نستقطب هؤلاء البشر لنستفيد من علمهم ودول الخليج فطنت منذ عهد بعيد لهذا فابصر ماذا تفعل قطر فاونديشن وأمراء الخليج في استقطاب أرباب العلم والمعرفة إلى جامعاتهم ومؤسساتهم العلمية، والنتيجة بينة وسوف تتضح الرؤى أكثر وأكثر في القريب العاجل ونرى الفرق بيننا وبينهم كالفرق بين السماء والأرض. لا ضير أن تعرب بعض المصطلحات لتسهيل الحياة اليومية أو أن تدخل بطريقة توافق صرف ونحو اللسان العربي، فكلمة "تلفاز" جميلة و"تلفزة" و"تلغراف" وكلها تحمل اللاحقة التي تعني "تل = الاتصال عن بعد). للغة العربية مقدرة فائقة في استيعاب الجذور "تلفن" و"تلفز" و"ترجم" و "أكسد" و"كربن" الخ. لكنها قد تكون عاجزة في استيعاب الألفاظ المنحوتة راديوفون وراديوفوب وراديوسكوب إلكتروغرام وإلكتروإنسفلوغرام الخ فترجمة تلك اللواحق تسبب اشكالا كبيرا في استيعابها في النظام الصرفي للغة الضاد. فيا أيها السادة القائمون على أمر التعليم بالبلد فالعيب فينا وليس في لغتنا فنحن ربما يمكن أن نترجم تاريخ الطب ولكن الطب الحديث من يمكن أن يتصدى لترجمة مصطلحاته وفروعه وتشعباته إذ أن الطب علم تخصصي وليس الطب الذي يعالج وجع الراس والسكري فقط. فيا بروف عالج الموضوع بالتوأمة مع جامعات مرموقة في هذا المجال ودع أولى الأمر والنهي بالبلد أن يرفعوا من ميزانية التعليم لأنها هي الألف والياء في توطيد مناخ معرفي بالبلد، تفتقد إليه بكل شدة – (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب)؟