*في العام 2000 تم فصلي من عملي كموظفة علاقات عامة من احدى شركات البترول بسبب قصة قصيرة كنت اكتبها في زاويتي الراتبة (أيقاع الناس ) بمجلة الدستور وكان عنوان القصة ...الشغالة وأنا ..! * القصة كانت على لسان سكرتيرة في القطاع الخاص تحكي ظلم واستغلال اصحاب الشركة لها وتقارن نفسها بالشغالة في بيتها التي تعاملها والدة السكرتيرة بذات الظلم والاستغلال ... وتحاول دائما استغلالها لتقوم باصعب الاعمال بأقل مقابل مادي .. ومغزى القصة هو الخلل في ميزان العلاقات التعاقدية في القطاع الخاص لصالح المخدم ولو كان هذه المخدم مدير شركة يحمل درجة علمية رفيعة أو ربة منزل لا تحمل أي شهادة علمية وتستخدم شغالة في بيتها ... *ما أن نشرت القصة حتى وجدت نفسي اقبع (في منزلنا ) عاطلة عن العمل ..لانتبه بعدها لشيئ هام جدا في القطاع الخاص في بلادنا أو عالمنا الثالث ..وهو أن رب العمل يتعامل على أنه سيد ومالك لموظفه وليس مخدِّم ورب عمل لفرد كامل الاهلية الانسانية ..وأن كرامة وحرية الموظف هذه هي ضرب من الاحلام الوردية ....فمديري أو مديرتي على الاصح مالكة الشركة وسيدة الاعمال اعتبرت ماكتبته استهداف شخصي لها .... وكان قرار فصلي هو الفصل الاخير الواقعي الذي لم اكتبه في قصتي الخيالية البريئة حسنة النية بالقطاع الخاص وسوءه ... * والشغالة المنزلية من أهم الوظائف والمهن في حياتنا الاجتماعية ...وتقوم بأهم أجل الاعمال خاصة لو كانت الأم عاملة وتترك معها أطفالها ... *والعمل المنزلي في ذاته ليس عملا (حقيرا) ..ولا (ذليلا ) ولا يحط من كرامة الانسان إمرأة كانت أم رجلا ..مثله مثل عمل الفراش والكناس والعامل والغفير وهي جميعها أعمال قد لا تتطلب قدرا من التعليم والمعرفة ،لكنها اعمالا كريمة وشريفة ولاتعيب صاحبها ولا تنتقص من قدر انسانيته أو كرامته .... *سبب كتابتي هذا المقال هو ما أثير مؤخرا عن نية المملكة العربية السعودية ملء فراغ العمالة المنزلية التي أوقفت بعدد من الدول بالعاملات من السودان وغضب كثير من السودانيين من هذا التصريح ...وقبل عامين أثير هذا الموضوع وقيل أن السعودية ترغب في ملء الفراغ بشغالات من السودان واليمن ..وقراءت حينها قصيدة لشاعرة يمنية تذم فيها كل السعودية وآلها وتبعهم (من التابعية)، غضبا من ذلك التصريح الذي ورد على لسان احد المسئولين ... *وفي اعتقادي أن المشكلة ليست في طلب السعودية (شغالات) سودانيات بدلا عن الاندونيسيات والاثيوبيات ...وليس في الخدمة المنزلية ما يعيب أساسا ويُغضب وهناك آلاف السودانيات اقتضت ظروف حياتهن البائسة أن يتركن المدارس من أعمار مبكرة ويعملن شغالات في المنازل داخل وخارج السودان بمرتبات أجزى... ويصبح من حق الشغالة المنزلية أن تتطلع للعمل في السعودية براتب مجزى كما يفعل الطبيب والمهندس والغفير والطباخ وكل المهن والحرف .. *لكن المشكلة في التعامل مع هؤلاء الشغالات وتعرضهن للقهر والاضطهاد و التعنيف وأكل حقوقهن المادية وانكارها في بلد كالسعودية يعيش جميع مواطنيه فوق الحد المتوسط للحياة... وعلى المملكة العربية السعودية ان تتعامل مع قضية (الشغالات ) هذه كقضية أنسانية حقوقية ،وتجعلها مدخلا لدراسة لماذا تتعامل مجتمعاتها بهذه القسوة مع شغالات يقمن بخدمات جليلة وحساسة لتلك الاسر وهذه المجتمعات ؟ بل أن أيقاف جلب الشغالات من تلك الدول بسبب مشاكل المخدمين لهو أجحاف بحق تلك الفئة بأكملها ... نواصل بأذن الله .