أيام معدودات قبيل إعلان جمهورية جنوب السودان في التاسع من يوليو الماضي ، و علي إثر زيارة الرئيس السوداني إلي الصين مؤخرا ، أثارت بعض وسائل الإعلام السودانية ضجة إعلامية من دون مسوغ و محتوي، كان بطلها و ضحيتها في آن الرئيس السوداني ، و مفاد تلكم الضجة ، أن طائرة الرئيس السوداني الأمريكية الصنع قد تتعرض ل " قرصنة جوية أمريكية مرتقبة " - وفق الخطاب الحكومي - و من ثم يقع الرئيس السوداني تحت الأسر جوا ، ليتم تسليمه لمحكمة الجنايات الدولية قصد المثول للعدالة ، بإعتباره وفق التصنيف القانوني هاربا من العدالة الدولية و ما زال يمارس مهامه ، و تلك لهي جدلية السؤال!! حيث عاد الرئيس إلي الخرطوم سالما و لربما " فاتحا" بعد "غزوته" إلي الصين ، لتسقط معها و ببساطة شديدة كل التكهنات و التخوفات لأن شروط وقوع الحدث و إنفاذه لم تكتمل بعد ، كما ليس هناك ما يستدعي إيقافه جوا أو أرضا أو بحرا في ظل الراهن السياسي السوداني و مطلوباته دوليا ، و أيضا ما الذي يدفع أصلا إلي قرصنة طائرته و هو المنتظر أمريكيا بعد أيام - أي بعد عودته - للإعتراف بإعلان جمهورية جنوب السودان و هو بذلك - ناهيك عن شرعية إستحقاق إستقلال الجنوب - مهد و إستنادا لسياساته في تنفيذ أحد أهم الإستراتيجيات الكبيرة للسياسة الأمريكية / الصهوينية في المنطقة في القرن العشرين و الحادي و العشرين و بدون مقابل غير الإبتزاز السياسي!! إن الأمر برمته في إعتقادي لم يقتصر علي تلك الجدلية فحسب بل تتعداها إلي السؤال التاريخي لماهية النظام السوداني و الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ إنقلاب 30 يونيو العام 1989 من القرن الماضي و إلي يومنا هذا. إسلامويو النجمة السداسية السودانيين ! في هذا السياق درج نظام الحكم في السودان منذ قدومه في أواخر ثماننيات القرن الماضي علي القول أن الدوائر الأمريكية و الصهوينة تتربص بها و تعاديها و تعمل علي تقويض نظامها ، لذا ما إنفكت و بشكل مواكب و مدروس و منظم وفق " سيستام" ، الترويج لخطاب دعائي/ تعبوي/ داخلي وصل لدرجة الملهاة في كونه نظاما إسلاميا و ثوريا وطنيا ، و يمثل أحد أنظمة دول المقاومة في العالم العربي التي تقف ضد المخططات الإسرائيلية و الامريكية و الغربية " الإمبريالية " بشكل عام في المنطقة ، كما يمثل من جانب ثان أحد أهم دول التحرر في أفريقيا و أنها ماضية لتحرير القارة الأفريقية من كل أشكال الهيمنة و الإستغلال الغربي و بالتحديد الأمريكي / الإسرائيلي.... إلخ ، و بالتالي إستمرأ- أي نظام الحكم في السودان - و دون حياء أو خجل سياسي/ ديني / أخلاقي إمتهان صناعة هذه التراجيديا لدواعي شرعنة الداخل ، أي معاداة أمريكا و أسرائيل إعلاميا فقط عبر مؤلفين و كتاب نصوص و سيناريو و مخرجين ينتمون إلي عقلية الإسلام السياسوي السوداني الإنقاذي و الذي بدوره شهد تطورا لافتا في العشرية الحمراء الأخيرة من تاريخ حكمهم لينتقل إلي ما أسميه بظاهرة إسلامويي النجمة السداسية السودانيين أمرا حقيقيا و واقعا ! إن بحث طبيعة هذه العلاقة ، أي علاقة الولاياتالمتحدة و إسرائيل و نظام إسلامويي النجمة السداسية السودانيين و الذي أخذوا أشكالا عدة من عديد الإنحرافات ، بدأت بالإنحراف الإنقاذي و من ثم إنحراف المؤتمرجيه الوطنيين ، و بعده إنحراف كل شيء لله " أي للجيب بإسم الله" ثم إلي الإنحراف الإنتباهي ... إلخ ليتمدد إلي إنحرافات الخلان و الأعمام و الأصهار و الأبناء بالتبني و كذا المنتمين إلي أيدولوجيا دولة "الحجرين" السودانية ، كلها لتؤكد من حيث بنيتها و فعلها أن نظام الحكم في السودان سجل رقما قياسيا في تعاطيه بل تنفيذه للسياسات الأمريكية إن كانت في السودان أو في المنطقة أو علي مستوي دولي . بن لادن نفد بجلده من الخرطوم !! التقارير كثيرة في هذا الصدد و كما تشير إليها الأحداث و علي سبيل المثال لا الحصر نجد أن التعاون الأمني و الإستخباراتي و السياسي لنظام الحكم في السودان و الدوائر الأمريكية الصهيونية بلغ أقصي درجاته ، حيث نجد تورط النظام السوداني في تسليم أغلب الإسلاميين العرب إلي أمريكا سرا ، خصوصا عندما خدع إسلامويي السودان الإسلاميين العرب المتشددين في أن الخرطوم تشكل الملجأ و الملاذ الآمن لهم سواء من حكوماتهم أو الغرب الأمريكي ، ليتم إصطيادهم واحدا يلو الآخر و في عمليات إستخباراتية سرية ، تغلق فيها المطارات و الأجواء من الخرطوم ذاتها و فيها تتحول عاصمة " الخلافة الإسلامية" الخرطوم إلي ثكنة تجسس و عميل للغرب ، و هنا نشير إلي أن أسامة بن لادن نفسه لولا هروبه المبكر من السودان بناءا علي إرشادات مقربين له لتم تسليمه نهارا جهارا " فنفد بجلده" بعدما تم النصب علي قدر كبير من أمواله وفق حوارات سابقة أجريت معه ، فكان سليقي نفس مصير كارلوس الذي سلم إلي قصر الإليزيه في إطار صفقة أمريكية فرنسية سودانية ، في هذا الإطار تشير أحدث التقارير أن تسليم الزعيم الكردي عبدالله أوجلان إلي أنقرة تم بدور سوداني مع السلطات الكينية، إلي ذلك لا يخفي علي أحد الدور الواضح للتعاون بين أجهزة أمنية سودانية وإسرائيلية في إغتيال عدد من شخصيات المقاومة الفلسطينية عبر ضربات جوية أسرائيلية خاطفة علي شريط البحر الأحمر ، حيث ينتهي الأمر في كل مرة إلي صياح ديكة من الطرف السوداني في أن إسرائيل مست بالسيادة السودانية و أن الدولة سوف تتابع ذلك عبر الأممالمتحدة و مجلس أمنها ، و يسافر وزير دفاع جمهورية الحجرين السودانية إلي موقع الحدث و يطمئن الناس هناك " بأن هجوم إسرائيلي غادر تعرض له شرق السودان و المضادات الأرضية السودانية لم تكن جاهزة أثناء وقوع الهجوم أو بالأحري التنسيق "!! الخرطوم و نحر الجمل الإسرائيلي !! أما فيما يتعلق بالمحيط السوداني ، فالأحداث و الوقائع كثيرة و آخرها تقسيم السودان عبر نهج التشدد في سياسات معينة لتنشأ دولة سودانية جارة ، فيما النظام علي أستعداد لإستكمال إستراتيجية تقسيم السودان الشمالي إلي أكثر من ثلاثة أو أربعة دول قادمة ، و مؤشرات الواقع في مشروع الدولة الشمالية لا تقول بخير ذلك، حيث مسلسل التشتت السوداني مستمرا و بفعالية إنتاج عالية من مهندسي إسلامويي النجمة السداسية السودانيين ، ليقتصر التنفيذ علي أيدي الكبار بلغة القانون الدولي و إسرائيل هنا واحدة من الكبار عبر التبني الغربي طبعا . و جدير بالذكر أن نشير أيضا إلي ذلك الحدث الجلل و الكبير و المرتبط سياقا و فعلا بما سبق ،حيث و في تعبير ينم عن غبطة و سرور شديدين عبر عنه مهندسي اسلامويي النجمة السداسية السودانيين في يوم الفصل السوداني ، و في أثناء لحظة رفع علم إستقلال الجنوب قاموا بنحر جمل إسرائيلي صهيوني قيل أنه- تم إستيراده خصيصا من إسرائيل و عليه علامة وشم النجمة السداسية وفق مقربين قاموا بعملية النحر في شوارع الخرطوم - لتتزامن عملية النحر مع إحتساء نخب إستقلال الجنوب السوداني عند الحكومة الإسرائيلية كما قالت بعض وسائل الإعلام إسرائيلية إبان حدث التقسيم / الإستقلال!! . إن المؤكد في حالتنا السودانية هذه ، أن مؤسسة الحكم الإسلاموية ذات النجمة السداسية مستعدة للإقدام علي أكثر من ذلك متي ما هي حاكمة و محتكرة و مستعمرة فيما تبقي من سودان ، و السودان الباقي من القسمة هنا يحمل فروقا مفاهيمية عديدة بين السودانيين ، معارضة و وطنيين و عاديين ، حيث يمثل لهؤلاء إرثا للبقاء الوجودي ، فيما هم - أي الإنتباهيين السودانيين الإسلامويين الجدد ذات مرجعية النجمة السداسية - بمثابة "غنيمة" إلهية، و هنا شتان ما بين الوطن كإرث وجودي و الوطن كغنيمة بفعل لاهوت النجمة السداسية القائل " بيهودية إسرائيل" !! إن الأمر سيان. أعود و أقول ومنذ فترة ليست بالقصيرة تقارب العشرين عاما ، ليست لدي أي قناعة بان نظام الحكم في السودان ، يعادي امريكا أو هي الأخري تعاديها ، إن حبال التلاقح و التأمر و التلفيق و المصالح مستمرة عبر سيناريوهات متعددة ، كما أن الحقيقة التي لا تقبل العكس لم تجد المؤسسات الرسمية الأمريكية أبدع و انفع من نظام الحكم في السودان في الخضوع وفي تنفيذ كل ما هو مطلوب رغم شكل التظاهر العلني بأن هناك مساحة و عداء مرجعياته فكرية و فلسفية ، و بالتالي أجد هنا صعوبة بالغة في تفهم بعض الرسميين الأمريكيين و الذين جمعتني بهم بحث ازمة دارفور منذ العام 2004 ، و هم كثر علي أية حال، فيما يقولونه لي ،هنا نلاحظ للغرب الأمريكي و الصهيوني أداة برغماتية علي الدوام و الهدف مصالحه فقط ، لتبقي كل قيم المساواة و العدالة و الديمقراطية و حقوق الإنسان تحركها هذه المصالح ، لذا هب كل الغرب عبر قضائه الدولي و مؤسساته العسكرية و في إسبوع واحد ، أو قل يوما واحد أو ساعات في حصار ليبيا بحجة "حماية" الإنسانية في بنغازي ، في حين أن أنسانية شعب دارفور علي المحك طوال قرابة العشرة سنوات ، حتي تحولت فيها الحكومة السودانية من طرف محوري في الصراع إلي وسيط بين مكونات شعب دارفور لحل الأزمة فيما بينهم . إن بحث هذه العلاقة تقول إن الخرطوم " الإسرائيلية" قد تنافس إسرائيل " الامريكية " و كلتاهما تسعيان للتموقع في صدارة الولاية الخارجية لأمريكا و هي الولاية رقم 51 للولايات المتحدةالأمريكية ، فلماذا إذن تسعي واشنطن في المساعدة علي تغيير الخرطوم أو قرصنة طائرة " رمز سيادته" في زمن السيادة للأشخاص و ليس للشعوب ؟! أيضا لماذا تسعي لتغيرها أصلا حيث نجمتها السداسية لم تظهر للعامة بعد كما هو الشان في تونس بن علي أو القاهرة حسني مبارك.و في إنتظار وقوع ذلك ستسمعون العجب العجاب، حينها سوف تكفرون بالإسلام السياسي السوداني ، و الذي لا يمتد قطعا إلي ديننا الإسلامي الحنيف محجوب حسين [email protected] رئيس الكتلة السودانية لتحرير الجمهورية- لندن