احتراق الورقة السلفية يزيد من عزلة النظام الإسلامي بين نفور التونسيين وتوحد المعارضة ونقابات العمال والمجتمع المدني ضده. رفض لأي وصاية على الدين تونس - من توم هينيجان ميدل ايست أونلاين نكان الشاب الذي يقف عند مدخل جامع الزيتونة وهو أقدم مسجد في مدينة تونس عنيدا. لم يعد بإمكان غير المسلمين دخول المبنى ولا حتى المتحف الخارجي الملحق بالمسجد الذي يطل على سوق مزدحمة. وقال "لا يمكنك ان تدخل الا اذا نطقت الشهادتين" أي عمليا اعتناق الاسلام.. تذكرة السماح الوحيدة لدخول المتحف الذي اعتاد الترحيب بالزوار غير المسلمين. وانتشرت مثل هذه الآراء المتشددة في تونس في العامين الاخيرين، حيث سيطر مسلمون متشددون على نحو خمس المساجد وهاجموا الليبراليين المتشبهين بالغرب وحاولوا فرض أفكارهم على المجتمع التونسي وهو واحد من أكثر المجتمعات العربية علمانية. وتعامل حزب النهضة الحاكم الذي يدعو رسميا الى شكل ديمقراطي من الاسلام، بلطف مع المتشددين الذين يعتبرهم حلفاء غير رسميين له في استعادة مكانة الاسلام في البلد الصغير الواقع في شمال افريقيا. لكن اغتيال اثنين من السياسيين العلمانيين هذا العام في حادثين القي بالمسؤولية فيهما على نطاق واسع على اسلاميين متشددين، ادى الى نفور كثير من التونسيين ووحد أحزاب المعارضة العلمانية ونقابات العمال القوية ومنظمات المجتمع المدني الاخرى ضد حزب النهضة. وقال أعلية علاني الباحث والمؤرخ بالدراسات الاسلامية بجامعة منوبة قرب تونس العاصمة "يدرك حزب النهضة الان ان السلفيين لا يتمتعون بشعبية وعليه ان يقبل طلب المعارضة بإجراء انتخابات جديدة." وأضاف "لن يكون (النهضة) حزب الاغلبية بعد الانتخابات المقبلة." وقال جيفري هاوارد محلل شؤون شمال افريقيا بمؤسسة كونترول ريسكس الاستشارية لمكافحة المخاطر ان حزب النهضة تراجع كثيرا عن 37 في المئة حصل عليها في اول انتخابات ديمقراطية عام 2011. وأضاف "لحق ضرر بالغ بالحزب نتيجة للأزمة الاخيرة."وكانت تونس أول بلد "في الربيع العربي" يطيح برئيسه زين العابدين بن علي في يناير كانون الثاني 2011 وأول بلد ينتخب حكومة يقودها اسلاميون في اكتوبر/ تشرين الاول. وكما هو الحال في مصر التي انتخبت الاخوان المسلمين وأوصلتهم للسلطة عام 2012، جلبت الحرية معها في تونس موجة من المتشددين المحليين والائمة الاجانب الذين يدعون الى تفسيرهم المتشدد للإسلام مستلهمين الفكر الوهابي السعودي ومدارس اخرى في الخليج. وسيطر المتشددون على نحو 1000 مسجد من مساجد تونس البالغ عددها خمسة الاف مسجد تديرها عادة وزارة الشؤون الدينية وقاموا بتحويلها من اماكن عبادة هادئة الى منابر تدعو الى الجهاد وتطبيق الشريعة. وقامت جماعات سلفية بأعمال شغب بسبب معرض فني اعتبروه مسيئا وتظاهروا خارج جامعة منوبة للمطالبة بان يرتدي النساء النقاب، ونظموا دوريات في بعض المناطق للضغط على السكان لكي يتحولوا الى شكل الاسلام الذي يروجون له. وفي الجمعية التي تصوغ دستورا جديدا لتونس، طالب اعضاء حزب النهضة بأن يستند الدستور الجديد الى الشريعة وان يلغي المساواة بين الجنسين التي نص عليها الدستور العلماني السابق ويتخلى عن الاشارة الى المعاهدات الدولية لحقوق الانسان. وقال الفقيه القانوني عياض بن عاشور في اغسطس/اب 2012 ان الدين هيمن على الجدل السياسي والاجتماعي حتى "أننا بدأنا نعاني من عسر هضم.. مشاكل البلد الحقيقية نحيت جانبا أو تأجلت الى أجل غير مسمى." وتعاني تونس من أزمة مالية حادة وبطالة مرتفعة وهي من العوامل الرئيسية الاخرى التي ساهمت في الاضطرابات الشعبية الاخيرة. وأكد وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي ان العاملين بوزارته تمكنوا في العام المنصرم من خفض عدد المساجد السلفية من خلال الإقناع والضغط والإجراءات القانونية. وقال "الان يوجد أقل من 100 مسجد." وأضاف "في حوالي 50 حالة اتصلنا بوزارة العدل للتدخل وحلّ المسألة." وفي حالة جامع الزيتونة الذي بني منذ 1300 عام، فان إمامه ليس سلفيا وانما محافظ متشدد يرفض سيطرة الدولة على الجامع الشهير. وقال الخادمي ان الحكومة سعت الى "تصحيح المشهد الديني" بعد خمسة عقود من الحكم العلماني المستبد، ووصف الهدف بأنه "التعايش المشترك بين الديمقراطية والاسلام".