بينما تستعد دمشق لاستقبال طلائع المراقبين العرب، ما زالت الكثير من الاسئلة تحيط باحتمالات نجاح مبادرة الجامعة العربية والنوايا التي يبيتها النظام السوري تجاه هذه المبادرة. فهل يدل التصعيد الاخير وخصوصا في محافظة ادلب المحاذية للحدود مع تركيا الى محاولة اخيرة يقوم بها النظام لتصفية اي اثر للمقاومة في هذه المنطقة المهمة استراتيجيا قبل وصول المراقبين ووقف العنف؟ إن كان الامر كذلك، فهذا يشير الى ان الرئيس بشار الاسد وبطانته جادون بالالتزام بالمبادرة العربية. الا ان قلة قليلة من المحللين، وقلة اقل من معارضي النظام، يفترضون ذلك. ويعتقد هؤلاء ان تنفيذ المبادرة العربية سيعني نهاية النظام، لأنه سيضطر الى التخلي عن القمع المسلح، الطريقة الوحيدة التي تمكنه من بسط سيطرته على الكثير من المناطق في سورية. يقول مسؤول عربي بارز ذو خبرة طويلة في التعامل مع الشأن السوري: "ليس لبشار اي بديل، فهو لا يستطيع الانفتاح حتى مع المبادرة العربية. فاذا فعل، سيسقط. الامر بهذه البساطة، ولذا فسيستخدم كافة الحيل لتقويض المبادرة." صمود تنص المبادرة على ان يسحب النظام السوري كافة قواته من المدن والقرى، وان يطلق سراح المعتقلين، ويسمح للمئات من المراقبين العرب - اضافة الى الصحافة العربية والدولية - بالتجول في ارجاء البلاد دون عائق. يذكر ان النظام دأب على الاعلان في الايام الاولى للانتفاضة انه سحب قواته من المدن (كدرعا وحماة) ولكنها كانت سرعان ما تعود اليها بعد ان يفقد النظام سيطرته. ولذا فالتوقع السائد يفيد ان النظام سيفقد السيطرة على اجزاء كبيرة من البلاد اذا ما تم تنفيذ المبادرة العربية. ولم تسلم من العنف من المدن السورية سوى مدينتا دمشق العاصمة وحلب، وحتى هاتان المدينتان بدأتا تشهدان عنفا متصاعدا رغم محاولات النظام قمعه. فهل اعترف النظام بالامر الواقع ورضي بقدره نتيجة تصاعد الضغوط الدولية والداخلية وقرر التنازل عن الحكم او البدء في عملية نقل السلطة؟ يصعب تصور ذلك. فالزعماء العرب الآخرون الذين ووجهوا بثورات شعبية كانوا يعيشون في وهم، وكانوا يؤمنون حتى اللحظة الاخيرة ان شعوبهم تحبهم وانه يمكنهم التمسك بالحكم عن طريق الصمود بوجه من يصفونهم بالمتطرفين او الارهابيين. ويبدو ان القيادة السورية لا تختلف كثيرا عن هذا النموذج. فالتلفزيون السوري الرسمي يعرض بشكل يومي تقريبا صورا لتمظاهرات "مليونية" مؤيدة للنظام في دمشق وغيرها من المدن ترفع شعارات تندد بالتدخل الخارجي في شؤون البلاد وتدعم "استقلالية القرار السوري." وفي حقيقة الامر، ومهما كان مآله الاخير، فإنه يبدو ان الرئيس الاسد يستند الى ارضية اكثر صلابة مما استند اليها بعض الزعماء العرب الذين راحوا ضحية الربيع العربي. فثمة قطاعات من الشعب السوري، كالعلويين الذين ينتمي اليهم الاسد والمسيحيين وغيرهم، يشعرون بقلق بالغ ازاء احتمال سيطرة الاغلبية السنية على مقاليد الامور، ويشاركهم هذا الشعور الطبقة الوسطى السنية وطبقة التجار المستفيدة من النظام. ولكن بتدهور الاوضاع الاقتصادية، يضمحل التأييد الذي يتمتع به النظام من جانب هذه القطاعات، ويقول محللون إن الانهيار الاقتصادي قد يكون العامل الذي يطيح بالنظام في وقت اقصر مما يعتقده كثيرون. وقد استأنف الجيش السوري في الآونة الاخيرة اجراء تمارين بالذخيرة الحية وسط تغطية اعلامية واسعة الغرض منها اظهار وحدة القوات المسلحة وقدرتها على مواجهة اي تهديد داخليا كان ام خارجيا. وفي حقيقة الامر، ورغم الضغوط التي لابد ان يكون قد تعرض لها الجيش السوري اثناء مواجهته للمنتفضين، لا توجد اي اشارات الى احتمال انشقاق وحدات عسكرية كاملة او ان يقوم الجيش بانقلاب عسكري وهو امر صعب المنال على اي حال خصوصا وان الوحدة العسكرية الوحيدة المسموح لها بدخول العاصمة هي الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر شقيق الرئيس السوري والمشهود لها بالولاء للنظام. مماطلة؟ يشير ما ورد اعلاه الى ان الاسد وبطانته قد يعتقدون انه سيكون بامكانهم الاحتفاظ بالسلطة فيما لو اظهروا تعاونا مع المبادرة العربية لكسب الوقت بينما يواصلون قمع المعارضة بدعوى "محاربة الارهابيين." هذا على الاقل ما يخشاه الناشطون ومنظمات حقوق الانسان بينما يستعد المراقبون العرب لاطلاق مهمتهم. فقد ناشد المرصد السوري لحقوق الانسان جامعة الدول العربية عدم السماح لبعثة المراقبين برمي "طوق نجاة" للنظام بالسماح له بكسب الوقت. وقال المرصد إنه من المستحيل ان تتمكن فرق صغيرة من المراقبين لا يتعدى عددها الكلي بضع مئات من مراقبة العشرات من المناطق الساخنة ومئات السجون والمعتقلات التي تديرها اجهزة النظام الامنية ال 17 في طول سورية وعرضها. وكان الامين العام للجامعة نبيل العربي قد اكد ان مدى جدية النظام ستتضح خلال اسبوع واحد من انطلاق مهمة المراقبين. وليس ثمة ما يشير الى ان الامريكيين والاتراك وغيرهم سيكونون مستعدين لمنح الاسد المزيد من الوقت، خصوصا عقب اعمال القتل التي وقعت في اليومين الماضيين. وفي حقيقة الامر، فإن النظام اعترف بحراجة موقفه عندما وقع على بروتوكول الجامعة العربية يوم الاثنين الماضي، رغم ادعاءاته وتحديه الظاهر للضغوط والعقوبات. فنظريا على الاقل، الزم النظام نفسه عندما وقع على البروتوكول بانهاء كل اشكال العنف والتحرك نحو تأسيس "نموذج سوري معاصر للديمقراطية والتعددية" حسب ما صرح به وزير الخارجية وليد المعلم. ولكن يصعب على الناشطين والمعارضين الذين خبروا الجانب المظلم من القوة التي تبقي النظام في الحكم تصديق ذلك. جيم ميور