- الهجرة من العوامل التي تؤثر علي التغيير السكاني في المجتمع ولها تاثير علي حجم السكان ولها علاقة واضحة بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدث بالمجتمع ، و للهجرة أهمية في التوزيع الجغرافي للسكان بين المناطق الإدارية وبين المدن الكبيرة والمدن الصغيرة والقري والأرياف علي مستوي الولايات وتأثيرها علي التمدن والنمو الحضري وما يترتب علي ذلك من تغيير في التركيب النوعي والاقتصادي والنمو السكاني الكلي. وأصبحت هنالك ضرورة الي دراسة الهجرة من حيث اسبابها وابعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية بهدف معرفة هذه الظاهرة وتوفير بيانات كافية تساعد واضعي السياسات السكانية من اتخاذ القرارات المناسبة ووضع سياسات تنموية سليمة لمواجهة احتياجات الحاضر والمستقبل . تعرف الهجرة بانها تحرك الأفراد من منطقة الي أخري فاذا كان هذا الانتقال داخل الحدود الإدارية لمنطقة معينة فهذا يسمى حراكا سكانيا اما اذا كان الانتقال للأفراد داخل حدود الدولة وفيما بين المناطق المختلفة في هذه الدولة فيسمي في هذه الحالة بالهجرة الداخلية ، اما اذا تعدي الانتقال للأفراد الحدود القطرية لاي دولة فهي هجرة دولية. اما الحراك السكاني فيتم دائما من منطقة الي أخري داخل الحدود الإدارية وقد يكون ايضا فيما بين الولايات ولكن بعدم نية الاقامة في المنطقة التي يصل اليها الفرد وغالبا ما تتم العودة في نفس اليوم او اليوم الذي يليه كذلك فان الحراك السكاني للتجارة والتعليم والزيارات القصيرة كلها تعتبر حراكا سكانيا خاصة لو لم تكن هنالك نية الاقامة في المنطقة التي يصل اليها الفرد. أما الهجرة الداخلية فهي الحركة التي يتحرك فيها الأفراد فيما بين الحدود الولائية او الاقليمية لنفس القطر وغالبا ما يتبع ذلك الاقامة في منطقة الوصول لفترة طويلة او دائمة بغض النظر عن تحديد هدف معين من الاقامة الذي قد يكون الحصول علي فرص عمل او تحسين ظروف المعيشة. ان النمط السائد للهجرة الداخلية يكون دائما من المناطق الريفيه والأقل حظوظا في التنمية وأقل تحضرا الي مناطق المدن ذات الخطوط المميزة في النماء حيث تكون هناك الفرص المتاحه للعمل والحياة المعيشية الافضل وفرص التعليم للأبناء أكبر وفي كل الحالات فان الدافع الأكبر للهجرة الداخلية هو دافع اقتصادي في المقام الأول فاذا شمل هذا الدافع عامل جذب للمهاجرين في منطقة ما داخل القطر من خلال توفر فرص العمل والكسب أكثر من المناطق الأخري، يتحرك الأفراد اتجاه تلك المنطقة بشتي وسائل الحراك طلبا لتحسين وضعهم الاقتصادي. ولهذا فان الهجرة تعتبر من الوسائل المتاحه الي أي فرد لتحقيق ما يصبو اليه من أهداف ومرامي خلال فترة حياته. أن الهجرة من الريف الي الحضر ومن الحضر الي الحضر هو الاتجاه السائد في السودان وبالتالي العوامل الأكثر تأثيرا في توزيع السكان بين الولايات وان ولاية الخرطوم ومن خلال الدراسات للهجرة هي الولاية الأكثر استقطابا وجذبا للمهاجرين من الولايات الأخري وتشير الدراسة الي ان للهجرة دور مؤثر في التوزيع الجغرافي للسكان بين مختلف المناطق مما يحتم علينا ضرورة دراسة وتحليل وتقييم الوضع الحالي لحجم ونمط الهجرة والحراك السكاني. ومن خلال الدراسة نجد ان هنالك حجم واتجاهات للهجرة الداخلية فمن المعلومات المتوفرة من نتائج تعداد السكان (2008)م تشير الي ان حجم الهجرة في ازدياد مضطرد منذ التعداد الثاني في العام 1973 حيث بلغ عدد المهاجرين مقدار 0,7مليون مهاجر ثم ارتفع العدد بالنسبة للمهاجرين الذين غيروا مواقع سكنهم فيما بين تعدادات 1973 -1983م الي 1.3 مليون ثم ظل العدد في تنامي واضح حتي بلغ 3,4 مليون عند تعداد السكان الرابع 1993م. ومن واقع تحليل بيانات الهجرة حسب نتائج تعداد السكان الخامس 2008 فقد تلاحظ ان عدد المهاجرين قد وصل 3.7 مليون فرد وهذا ان دل انما يدل علي ان هناك كثير من العوامل التي ساعدت علي الحراك السكاني منذ 1973م والمتمثلة في سهولة المواصلات وحداثة وسائل الاتصال اضافة للوعي المتنامي بين المهاجرين وفرص العمل المتوفرة بمناطق الحضر وعلي رأسها ولاية الخرطوم. كل هذه الوسائل ساعدت كثيرا في تشجيع الحراك السكاني داخل حدود الدولة فبلغ عدد الأفراد اللذين شاركوا في هذا الحراك السكاني ما يعادل حوالي 10% من جملة سكان السودان. وبينت الدراسة ارجاع هذه الكثافة في الحراك السكاني لعدة عوامل علي رأسها العامل الاقتصادي وبحث المهاجرين عن تحسين الوضع المعيشي وعن العمل في مناطق الحضر حيث تنعدم هذه الفرص وبصورة واضحة في مناطق الريف، اضافة لذلك فهناك الظروف الطاردة من موطن المهاجرين الأصلي وأهمها الحروب والنزاعات القبلية وظروف الجفاف والتصحر وخاصة في الولايات الغربية. وأشارت الدراسة الى أن ولاية الخرطوم هي الولاية الوحيدة التي تستقطب السكان من جميع ولايات السودان وظلت القبلة الجاذبة لمعظم الحراك السكاني. وجاءت الهجرة الوافده الي الخرطوم من عدة ولايات علي رأسها ولاية شمال كردفان التي اوفدت ما يعادل 15.9% من جملة الوافدين الي ولاية الخرطوم ثم ولاية الجزيرة 14.9% فجنوب كردفان 11.2% والشمالية 10.9% ، النيل الأبيض 9.0% واخيرا نهر النيل 7.0% وهذه الولايات الست ترسل ما جملته 69% من جملة المهاجرين الواصلين الي ولاية الخرطوم اما من ناحية النوع فان 55.6% من المهاجرين الي ولاية الخرطوم من الذكور مقابل 44.4%أناث وهذا يدلي علي ان الذكور أكثر حركة وتجوالا فيما بين الولايات. وعن الداخلين والخارجين فيما بين الولايات ذكرت الدراسة ان هنالك فقط خمس ولايات التي استقطبت العدد الأكبر من المهاجرين علي رأسها ولاية الخرطوم التي استقطبت ما يعادل 49% من جملة المهاجرين بين الولايات حسب تعداد السكان والمساكن الخامس 2008 ، تليها بالترتيب ولاية البحرالأحمر (2.2%) ، القضارف (1.4%) ، النيل الأزرق (0.2%) وكسلا (0.1%) ، اما بقية الولايات فهي ولايات مرسلة فقط للمهاجرين. هذا الوضع يعبر عن عدم التوازن في توزيع المهاجرين مما سيؤثر علي توزيعات القوي العاملة وعلي الوضع الاقتصادي والخدمات خاصة بولاية الخرطوم حيث ظلت هي الولاية الأكثر استقطابا للمهاجرين علي الدوام ليس فقط بسبب توفر فرص العمل فيها اكثر من غيرها من الولايات، لكن ايضا لانها محط الانظار لكثير من المهاجرين الي الخارج اذ توجد كل إجراءات التعامل مع الهجرة الخارجية وفي بعض الحالات تستخدم كمحطة يرتكز عليها المهاجرين الي الخارج الي حين اتمام اجراءات سفرهم ، ويلاحظ من الدراسة ان الولايات الخمس المستقطبة للمهاجرين هي ولايات بها من المشاريع والمصانع التنموية مما جعلها تجذب اليها الكثير من المهاجرين خاصة الذكور ، لذلك ولأغراض تخطيط السياسة السكانية بالبلاد لابد من عمل الاحتياطات اللازمة لاعادة توزيع السكان وحراكهم بالصورة التي تضمن التوازن المنشود في القوي العاملة وهذا يستوجب إنشاء العديد من المشاريع داخل الولايات المرسلة حتي يتم خلق عوامل جذب فعاله واستقرار في تلك الولايات بهدف خلق التوازن الاقتصادي والديمغرافي بين الولايات. اما انماط الهجرة فمن واقع بيانات التعداد حسب نمط المعيشه والنوع من المهاجرين يتضح لنا ان من جملة المتحركين فيما بين العامين 1993 -2008م حوالي 72% توجهوا الي المناطق الحضرية وان ثلثي هذا العدد يتواجد في ولاية الخرطوم، ولهذا يمكن القول ان النمط السائد في الهجره الداخلية هو من الريف الي مناطق الحضر وان ولاية الخرطوم هي الولاية الأولي في جذب المهاجرين داخل السودان حيث ارتفع عدد المهاجرين إليها من 39% من جملة المهاجرين عام 1983و 1993 الي 42% في 2008 وبلغ عددهم حوالي مليونين وأتضح من خلال الدراسة ان اسباب الهجرة والحراك السكاني التنمية غير المتوازنة وتركزها في العاصمة وبعض المراكز الحضرية والتوزيع غير المتكافئ للموارد الطبيعية خاصة موارد المياه وتدهور البيئه الطبيعيه بسبب الجفاف والتصحر والتدهور الاقتصادي في الريف وتدهور الانتاج بالمشاريع الزراعية، كذلك من أهم الاسباب القهرية التي ادت الي نزوح الملايين من مناطقهم الحروب والنزاعات ، كما ان التطور في مجال التعليم جعل الريف غير مناسب للمعلمين. ومن الأثار المترتبه علي الهجرة هو ان الهجرة الداخلية أدت الي نمو سكاني بمعدل مرتفع في ولاية الخرطوم حيث تضم الولاية حوالي 13,5% من سكان السودان ويتوقع ان يزيد معدل الزيادة الطبيعية في العقود القادمة لان 44% من المهاجرين الي الولاية من الأطفال و48% من الفئة العمرية (15 -49) وهذه الزيادة الطبيعية ستقابلها خسارة في الولايات الطاردة.