يسعى المجتمع إلى الاهتمام بأطفاله إدراكا لأهمية الطفولة وهو مايعنى الاهتمام بحاضره ومستقبله وهو ماتنادى به شريعتنا السمحاء وكافة المواثيق الدولية من حرية وكرامة الإنسان ورفاهيته مع التركيز على الأطفال ، إلا إن ما يعانيه الأطفال في بعض مناطق العالم يبعد كثيرا عن ذلك وخاصة في دول العالم الثالث حيث تتزايد انتهاكات حقوق الأطفال والإساءة إليهم بشكل واضح. فى بلادنا يشكل عمل الأطفال قلقا للسلطات والمجتمع مما يجعل إمعان النظر إليه ضرورة قصوى بالرغم إن بعض أعمال الأطفال ليست سيئة لمساعدة ذويهم اذا كانت خالية من المخاطر للطفل ولا تتعارض مع الأنشطة المدرسية وغيرها من الأنشطة. الدكتور عمر إبراهيم كباشي من مجلس رعاية الطفولة وعضو الهيئة القضائية أوضح في ورقته التي قدمها أمام الورشة التى عقدت ضمن فعاليات مهرجان التشغيل الثالث تحت شعار (عمالة الأطفال أسبابها وبدائلها) والتى نظمتها وزارة الرعاية التنمية الاجتماعية أن المواثيق الدولية والإقليمية جعلت من اليوم الحادي عشر من يونيو من كل عام يوما للاحتفال باليوم العالمي ضد عمل الأطفال . مشيرا الى ان التشريعات الوطنية والولائية في السودان خاصة ولاية الخرطوم لاتوافق على عمل الأطفال . وابان ان ماتم اتخاذه من سياسات تنفذها السلطات الرسمية بولاية الخرطوم ، بالإضافة الى الأنشطة المختلفة التى تقوم بها منظمات المجتمع المدني لحظر عمل الأطفال ذات الطبيعة الخطرة حيث تزال ظاهرة عمالة الأطفال تشكل الخطر المحدق بمجتمع الولاية باستغلال أطفاله مما يبدد ثرواتها البشرية ويترك آثارا سيئة على هذا المجتمع وعلى أطفاله بشكل خاص وذلك بتسخير الأطفال في أعمال لايكونوا مؤهلين جسديا ونفسيا لأدائها وتعوق نموهم العقلي أو البدني أو المعنوي أو الاجتماعي . وحاول الدكتور عمر من خلال ورقته إبراز هذا الخطر الآثار السالبة لعمالة الأطفال من خلال طرح المشكلة عبر خمس محاور متمثلة في تعريفها واسبابها والمعايير الدولية والإقليمية والتشريعات الوطنية التي تحكمها وتفعيلها ومخاطرها ومحاولات سلطات ولاية الخرطوم تنفيذ سياسات للحد أو القضاء عليها ومن ثم الوصول لنتائج وتوصيات تعين حكومة الولاية ومجتمعها على حلول مناسبة لتلك المشكلة . عرفت منظمة العمل الدولية عمالة الأطفال بأنها تلك الأعمال التي تشكل ضررا على الطفل سواء بسبب طبيعتها أو ظروف تنفيذها .وهى التي تحرم الأطفال من طفولتهم وإمكانياتهم وكرامتهم وتؤذى نموهم البدني والعقلي ويقصد بها الأعمال التي يقوم بها الأطفال دون الحد الأدنى لسن العمل القانوني المناسب بحسب اتفاقية الحد الأدنى لسن العمل رقم 38 لعام 1973 التابعة لمنظمة العمل الدولية. وحددت منظمة العمل الدولية ثلاثة مستويات لأسوأ إشكال عمالة الأطفال وتضم الفئة الأولى الأنشطة الخطيرة التي يتعرض خلالها الطفل للأخطار البدنية والنفسية والأخلاقية ،والفئة الثانية تشمل الاتجار بالأطفال واستخدامهم في أعمال الرق والسخرة والتجنيد الاجبارى أما الفئة الثالثة وتضم كل عمل يقوم به الطفل قبل بلوغه السن القانونية المحددة والذي يعوق النمو الجسدي والعقلي السليم ويحرمه من تعليم أفضل. وحددت منظمة العمل الدولية ثلاثة أعمار دنيا للتشغيل ابتداء من سن الثامنة عشرة وهى سن الالتحاق بالأعمال الخطيرة يليه سن الخامسة عشرة وهو للاستخدام في الأعمال غير الخطيرة ثم سن الثالثة عشر للإعمال الخفيفة التي لاتعرقل التعليم فقد أتاحت المصادقة على الصكوك الدولية فرص تعليمية مناسبة لجميع الأطفال وان يكون التعليم الابتدائي مجانيا وإلزاميا والعمل على تخفيف أو إلغاء الرسوم أو التكاليف غير المباشرة التي تمثل عقبة في التحاق بعض الأطفال بالمدارس . ويعتبر الفقر من أول وأهم أسباب عمالة الأطفال لان تزايد حدة الفقر الذي يصيب الأسر في المجتمعات النامية أو المتحضرة يجعل الأطفال يزجون رغبوا أم كرهوا فى ميدان العمل بكل قسوته حتى يشاركوا في إعالة الأسرة ، فالفقر خطر يتهدد المجتمعات لذا كان حريا بها أن تشمر عن ساعد الجد في التخفيف من حدته وانتشاره لما يولده من مآس وخراب على المجتمع وخاصة على الأطفال. كما أن البطالة أيضا هي أحد أخطر المشكلات حيث ترتبط عمالة الأطفال عادة مع مستوى دخل الأسرة وبطالة البالغين فيها حيث تزداد معدلات بطالة البالغين داخل الأسرة وفى المجتمع باعتبار إن عمالة الأطفال عمالة رخيصة ويلي البطالة النظام التعليمي حيث لاتستطيع الأسر دفع تكاليف التعليم فيدفعون بأبنائهم إلى العمل لان الأعباء المالية للمدارس أصبحت كبيرة وليس بمقدورهم دفعها . ومن أسباب عمالة الأطفال أيضا الأزمات ويقصد بها الحروب والكوارث الطبيعية التي من أهم إفرازاتها مقتل الآباء والأمهات وتشريد العديد من الأسر من مأوى عيشهم إلى أماكن يصبحون فيها عالة على الآخرين وبالتالي يتسرب الأطفال من المدارس للبحث عن لقمة العيش لهم ولأسرهم. ويتجاهل المجتمع آثار عمالة الأطفال وخطرها على حياتهم وهم يتجولون ببضائعهم وسط العربات لتسويقها ، وحمل الأثقال الأمر الذى يهدد حياتهم رغم ان للمجتمع مسؤولية مشتركة في عمالة الأطفال وذلك بالشراء منهم لبضائعهم المعروضة وعدم مساءلتهم على مستوى المدارس حول أسباب عدم ذهابهم للمدارس . وأعطت الاممالمتحدة اسما لأطفال الشوارع بأنه كل بنت أو ولد يصبح الشارع بأوسع معاني الكلمة بما في تلك الأماكن غير المسكونة وغيرها بالنسبة له مكان إقامة أو مصدر للمعيشة والذى لايتمتع بالحماية والإشراف والتوجيه الكافي من جانب المسئولين الكبار وهم الأطفال الذين يقيمون في الشوارع ويعملون بها في بعض الأعمال الهامشية مثل مسح زجاج السيارات أو جمع القمامة أو بيع السلع التافهه أو التسول لجلب الرزق أو يخالطون أصدقاء السوء وعادة مايفتقد هؤلاء الأطفال إلى من يقوم بتربيتهم أو توجيههم إلى أنماط سلوكية سليمة . أما الإطار القانون الدولي والاقليمى والوطني الحاكم لعمالة الأطفال فقد قامت منظمة العمل الدولية وبعد سلسلة من الاتفاقيات الدولية بوضع اتفاقيتين دوليتين هامتين بشأن عمالة الأطفال هما اتفاقية الحد الأدنى لسن عمل الأطفال رقم 238 في العام 1973 م واتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال رقم 182 وقد اعتمدت في المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 17-6-1999 م ولاتدعو المنظمة لاستئصال عمل الأطفال بكافة أشكاله، بل القضاء على أسوأ أشكاله . أما في السودان فان المادة 14-2-1 من دستور السودان الانتقالي 2005 فتوجب على الدولة وضع السياسات وتوفير الوسائل لرعاية النشء وتنمية المهارات وكذلك المادة 15 التي تعتبر الأسرة هي أساس المجتمع وتضطلع الدولة بحماية الأمومة وتحمى الدولة حقوق الأطفال كما وردت في الاتفاقيات الدولية وأهمها اتفاقية حقوق الطفل 1989 بما فيها من حقوق للأطفال وقانون الطفل لسنة2010 وهو الذي يطبق على كافة حالات عمل الأطفال باعتباره القانون الخاص واللاحق على قانون العمل 1997 م وقد حظر عمل الأطفال فيما دون الرابعة عشر وليس دون السادسة عشر كما حدد قاعدة أساسية لتطبيقه لتتكفل الدولة برعاية وحماية الأطفال وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم الصحيحة من كافة النواحي في إطار الحرية والكرامة الإنسانية والقيم الروحية والاجتماعية . وأوصت الدراسة بضرورة دعم الأسر الفقيرة من خلال توفير الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية المختلفة والتأكيد على إلزامية ومجانية التعليم والمتابعة اللصيقة لإنفاذ ذلك عبر وسائل محددة من قطاعي التعليم العام والخاص حتى يمكن تقليل نسبة الجهل وبناء قدرات المجتمعات المحلية في أطراف الولاية لمكافحة عمالة الأطفال بالإضافة إلى زيادة الجرعات التربوية والدينية في مجتمعات الولاية الطرفية والغير طرفية للتقليل من عمل الأطفال ونلك في فترات الإجازات المدرسية من خلال الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية ووضع خارطة طريق لعمل قواعد بيانات خاصة بولاية الخرطوم للأطفال بصفة عامة وعمالة الأطفال بصفة خاصة حتى يتم وضع البرامج الكفيلة اتساقا مع الإستراتيجية الوطنية والدولية للقضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال في 2016 م ثم تعريف الشركات بمفاهيم المسؤولية الاجتماعية للشركات في سياق مشاريع المنظمة لمكافحة عمل الأطفال وتشجيع الشركات الوطنية والدولية العاملة في البلاد على المشاركة طويلة الأمد في مكافحة عمل الأطفال في البلاد .