خروج عائدات صادر النفط الذي كان يتم إنتاجه من الحقول الواقعة في جنوب السودان من ميزانية البلاد سيكون له أثره السالب إلى حين - أي إلى أن تتم معالجة الأمر باستثمار الآبار الجديدة في الشمال أو إيجاد بدائل تعمل على تغطية الفجوة الناتجة عن خروج تلك العائدات التي لن تعود مرة أخرى بخروج الجنوب نهائياً عن إطار الدولة الأم. الحكومة الذكية هي التي تعمل على توفير تلك البدائل، بل وعلى صناعتها، وذلك لا يتم إلا بالاستغلال الأمثل للموارد المُتاحة، واستغلال الموارد غير المتاحة، وعدم الاعتماد الكلي على الموارد الناضبة، أو التي لا تنعكس إيجابياتها على قطاعات كبيرة من المجتمع. التنقيب الأهلي عن الذهب وبقية المعادن يمكن أن يكون بديلاً (وقتياً) للكثيرين لكن المستقبل سيكون للتنقيب المنظم الذي تقوم به الشركات الكبرى في مساحات تحددها لها الدولة. الزراعة هي البديل الحقيقي للنفط إذا ما تمّ استغلال الأراضي الزراعية مع توفير المدخلات المعفاة من الضرائب والرسوم وابتعاد «الجباة» عن الحقول ولو إلى سنوات عديدة.. وإذا ما توفّر التمويل اللازم للزراعة.. لأنه ورغم اهتمام الدولة بالزراعة المتمثل في مشروع النهضة الزراعية، إلا أن المزارع مازال يشكو من بطء الإجراءات والتمويل. السياحة يمكن أن تكون بديلاً دائماً متجدداً يمتد عائده لأكبر عدد من العاملين في مجالات الخدمات المختلفة مثل الفنادق والنُزل وشركات النقل والطيران واللموزين وسائقي سيارات الأمجاد والركشات، ومُربي الخيول والحمير والجمال، إضافة إلى الخدمات الأخرى التي توفرها المطاعم والأسواق والكافتيريات والمنتزهات ومراكز الجذب السياحي ومناطق الآثار وغيرها. الدولة السودانية ومنذ نشأتها لم تول أمر السياحة الاهتمام اللازم، لذلك ظلت هذه الوزارة (تتخبط) فتارة تتبع للثقافة، وتارة تكون مصلحة تتبع لوزارة لا علاقة لها بعملها وتارات تتأرجح في حبال عديدة (دائبة) قد تنقطع بها بين لحظة وأخرى. السياحة جزء من حل مشاكل السودان السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والحكومة - عفا الله عنها - مشغولة عنها بأمور الصراعات والترضيات والبحث عن حلول للمشاكل التي تتسبب هي نفسها فيها، وربما لم يهتم مسؤول رفيع بأمر السياحة وآمن بها كقضية أساسية ومصيرية في كل عهود الحكم الوطني، إلا نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه، الذي تجاوز اهتمامه بها ما يُمليه عليه واجبه كمسؤول عن ملف الدولة التنفيذي، فقد اهتم بها اهتماماً شخصياً وسعى لأن يوفر لها المناخ الصحي حتى تزدهر، ولكن هذا لن يتم إلا بتغيير القوانين والتشريعات المنظمة لهذا النشاط الاقتصادي الضخم. بالأمس دخلت «السياحة» البرلمان وأجاز المجلس الوطني بيان الدكتور أحمد بابكر أحمد نهار وزير السياحة والآثار والحياة البرية - بالله عليك انظر لطول هذا الاسم - وقد أسعدنا وأسعد كل مهتم وحادب على مصلحة الوطن مطالبة النواب للدولة الاهتمام بالسياحة والاهتمام بالبنيات التحتية وسفلتة الطرق المؤدية للمناطق السياحية، الاهتمام بالآثار والمتاحف، ثم مطالبتهم بضم وزارة السياحة للوزارات السيادية. من المصادفات الغريبة والعجيبة أنني أمضيت جزءاً من سحابة يوم الأمس معي الأخ الأستاذ علي محجوب عطا المنان وكيل وزارة السياحة والأخ الدكتور جراهام عبد القادر أحد المسؤولين بالوزارة، دون أن أعلم بأن الوزير كان وقتها في البرلمان، ودار حديث طويل حول السياحة وضرورة النهوض بها، وأشرتُ في حديثي مع السيدين الجليلين إلى أن الحل يكمن في أن تتحول (السياحة) إلى هيئة عامة مستقلة تُشرف عليها رئاسة الجمهورية.. وهذا أفضل مما ذهب إليه السادة النواب المحترمون في البرلمان بأن تكون تبعيتها لإحدى الوزارات السيادية.