كيلو اللحم بلغ (30) جنيهاً، كل البهائم اغتربت، السوق لم ينتظر (9) يوليو لكي تتقافز أسعاره دون توقف، فوزير المالية منحها الضوء الأخضر، وسرى بين الجشعين التجار، ان خروج بترول الجنوب سيحتم- بحسب إفادة الوزير- اللجوء إلى زيادة الضرائب(أفقياً!!) وزيادة الجمارك أفقياً وعمودياً، وفوق ذلك رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية وأهمها الوقود. ومن جانبنا لا نملك إلا التبرم من نزعة الجشع التي تلازم تجارنا دائماً، وبجانب التبرم لا نستطيع أن نضع اللوم كله بعيداً عن الحكومة، ممثلة في السيد وزير المالية الذي تبرع ففتح باب التكهنات السالبة والمتشائمة على مصراعيه، وهذا طبعاً بمثابة إعطاء الإشارة الخضراء للسوق النهم حتى يرفع أسعاره إلى الحد الأقصى. في الماضي كان التجار، صغيرهم وكبيرهم يتذَّرع بارتفاع الدولار حتى يضع السعر الذي يعجبه، ويختصر له طريق الثراء الفاحش، وأما الآن فإن إشارات وزارة المالية ستكون المبرر القوي والأهم، فسيقولون: عشان الانفصال، وبترول الجنوب وما أدراك. الواقع أن الميزانية سوف لن تخسر شيئاً، وما يقال حول خسران هذه النسبة أو تلك من مجموع موارد الخزينة العامة إنما هو خداع، لشيء في نفس يعقوب، لأن ما سنخسره من ريع بترول الجنوب لن يتعدى 25% من موارد الميزانية الحالية(بدون أية ضرائب إضافية أو وقف دعم سلع). هذه هي الحقيقة التي يخفيها السيد الوزير واتباعه، ودليلنا على ذلك هو أن موارد الموازنة من نفط الجنوب في الحقيقة (نصف نفط الجنوب باعتبار أن الجنوبيين كانوا أصلاً يأخذون أكثر من نصف بترولهم كاش) أقول إن موارد الموازنة العامة من هذا القبيل لم تكن تمثل أكثر من 25% من مجمل موارد اقتصاد الشمال، الذي يشمل دخلاً واسعاً من (الضرائب والجمارك ورسوم الانتاج وقيمة صادرات اللحوم والمواشي والمحصولات النقدية والمنح الأجنبية وبترول الشمال الخ). بترول الجنوب الذاهب، كان يساوي ثلث دخلنا من البترول، بغض النظر عن المصادر الأخرى المذكورة بين قوسين آنفاً. والأن ستفضي مفاوضات القضايا العالقة إلى حصول خزينة الشمال على قيمة 20% من بترول الجنوب (على الأقل)، نظير عمليات النقل والتصدير الخ... ثم أن الدخل المتأتي من التجارة البينية بين دولتي الشمال والجنوب سيغطي الفرق، خاصة إذا كانت التجارة بالعملة الصعبة، كما هو العرف في نظم التجارة الخارجية بين الدول (نظام فتح خطابات الاعتماد والضمان البنكي). ففيم الوعيد؟ ولماذا فتح شهية التجار الجشعين لترتفع الأسعار دون رادع أو وازع ضمير، والسبب هو وزير المالية هذا.. والآن أقول وأعيد.. إن كيلو الضأن بلغ (30) جنيهاً اليوم وقبل (9) يوليو، فما الذي ينتظرنا؟ سيدي وزير المالية أنت تتلهى عن دخل الذهب الذي فاض وفاق التوقعات، وبما يغطي فجوة نفط الجنوب ويزيد، بصرف النظر عن هذا نلحظ سعياً حثيثاً من جانبك نحو رفع الدعم عن البترول والسكر (ما بقي من دعم طبعاً) وسعياً نحو رفع الضرائب الجمركية وضرائب الأعمال والتجارة، وكل ذلك سينعكس حتماً على المواطن، بعد أن يحمِّل التجار تلك الرسوم على السلع والخدمات التي تليهم.. يحملونها على ظهر المستهلك المسكين. أنت تغض الطرف عن ارتفاع أسعار القطن وتعطش الأسواق العالمية إليه، في ظل زيادة إنتاجية الفدان، وزيادة حجم الإنتاج الكلي من هذه السلعة المهمة بما سيوفر لك حوالي مليار دولار سنوياً، كل هذا تتلهى عنه لكي تحقق بغيتك في اسقاط النظام قبل نهاية هذا العام، حينما تطبق خططك القاسية والسيئة ضد المواطن الغلبان. الشعب السوداني الآن على الحافة، وقد تحمل كثيراً من الأعباء، بينما الحكام والقادة يعيشون عيشة الملوك، وأنت منهم، وهذا وضع ظالم وغاشم، ولا يليق بنظام يرفع شريعة الله وخلق الإسلام، حيث الرفق بالناس والأخد بأيديهم وعدم التضييق على أولادهم وحاجات معيشتهم.. اسمعني.. الشعب سيسقط النظام أو ستندلع الفوضى التي تراها.. فحذار حذار من خططك غير المبررة وغير مضمونة العواقب.. وانصحك بفكرتين. الأولى إنشاء أكبر جمعية تعاونية في البلاد، شراكة بين الحكومة والمصارف وعامة الشعب(شركة مساهمة عامة)، هدفها تثبيت الأسعار بعد تخفيضها بخصوص السلع الاستهلاكية الرئيسة، وتكون لها فروع في كل الولايات، وتمتلك مشاريعها الانتاجية الخاصة من مزارع ومعاصر ومصانع نسيج وأحذية، وتكون معفاة من أية ضرائب أو زكاة، على ألا يزيد هامش ربحها على 20% من التكلفة، وهذه الجمعية- الشركة تستقطب لها مساهمات المغتربين بالعملة الصعبة، بدلاً عن فرض ضراب طالما تحملوها من قبل، وبجانب ذلك أقترح عليك مساواة رواتب ومخصصات الدستوريين برواتب ومخصصات القيادات العليا في الجهاز التنفيذي، دون زيادة كبيرة عليهم.. وكل هذا حتى يشعر الشعب أنه وحكومته في سفينة واحدة لمساكين يعملون في البحر، حتى إذا خرقتها ياسيدي الوزير بسياساتك المتوقعة، نغرق معاً.