بعد 9 يوليو أصبح سكان السودان (القديم) يقطنون دولتين ولا يحق لمواطنيهما دخول الدولة الأخرى إلا بوثائق ثبوتية تتم إجراءاتها فى أروقة وزارتي داخلية البلدين .. وبما أن ما يربط البلدين أكثر مما يفرقهما، جلست (آخر لحظة) إلى السفير رحمة الله عثمان وكيل وزارة الخارجية وقلبت معه عدداً من الملفات المهمة التي تربط البلدين مستقبلاً في أول حوار له عقب انفصال جنوب السودان، وهو من السفراء الأكفاء الذين أستعين بهم في تأسيس معالم دولة السودان الجديدة والتي تنتظرها تحديات كثر، وتطرق رحمة للملفات الشائكة المتعلقة بإستراتيجية الدولة الخارجية والعلاقات السودانية الأمريكية والعلاقات مع حكومة الجنوب ووزارة خارجيتها وكيفية التنسيق المستقبلي بينهما حول الملفات المشتركة. كيف استفاد السودان من محطة الاتحاد الأوربي في بروكسل، سيما أن هناك مواقف مناوئة للسودان فيما يتعلق بقضية المحكمة الدولية؟ - العلاقات بين الاتحاد الأوربي والسودان قديمة جداً، حيث بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي عقب انضمام السودان لتجمع الدول الأفريقية الباسفيكية الكاربية عام 1975م، عندما دخلت تلك الدول في تعاقد وشراكة مع الاتحاد الأوربي وقتها كان اسمها السوق الأوربية المشتركة التي تحولت فيما بعد إلى الاتحاد الأوربي، وبموجبه تم توقيع اتفاقيات تنظم هذه الشراكة مثل اتفاقيات لومي1- 2- 3 ولومي 4، وعند تحويل السوق إلى اتحاد تم التوقيع على اتفاقية بعاصمة بنين، أطلق عليها اتفاقية كتنو، وتنص الاتفاقات على ترتيبات مالية معينة تمنح للدول الأعضاء في المجموعة الأفريقية الكاريبية الباسفيكة من بينها السودان، والمضمون العام لاتفاقية كتنو أن مدتها عشرون عاماً ولكن تتجدد المخصصات المالية التي يوفرها الاتحاد الأوربي لتلك الدول كل خمس سنوات، وبالتالي تحدث بعض التعديلات في بنود الاتفاقية وليس في مجملها، وكانت هناك اشتراطات لدول المجموعة. مثل ماذا؟ - كان هناك شرطان، الأول أن تعترف دول المجموعة بالمحكمة الجنائية الدولية ونظامها الأساسي، بالإضافة لشرط الصحة الإنجابية، وهذان الشرطان تحفظ السودان عليهما، ورأى السودان أنه إذا أصر الاتحاد الأوربي على الربط بين الشرطين ومخصصاته والاستفادة من مخصصات لومي، فإن السودان لا يستطيع التوقيع عليها، وكان هذا قراراً قديماً حتى قبل إصدار المحكمة الجنائية قرارها بحق الرئيس البشير، ووصلنا إلى طريق مسدود. هل رفض السودان التوقيع؟ - رفضنا التوقيع على اتفاقية لومي والتعديلات الخاصة بكتنو، وصار السودان خارج إطار المخصصات المالية الممنوحة للدول الموقعة على الاتفاق. هل توقف الحوار مع أوربا؟ - نحن ما زلنا أعضاء في المجموعة الأفريقية الكاربية الباسفيكية، ولدينا حوار مستمر مع الاتحاد الأوربي، وزيارة وزير الخارجية للاتحاد هدفت لمواصلة الحوار، لأن الخرطوم على استعداد للحوار مع الاتحاد الأوربي خارج إطاراتفاقية كتنو.. والاتحاد لديه قنوات تعاون خارج الاتفاقية، ونحن نسعى للتوصل لتفاهمات حول القنوات حتى يتمكن السودان من الاستفادة من إمكاناته، والخدمات التي يمكن الاستفادة منها المساعدات التي يقدمها الاتحاد للدول النامية، والحوار مستمر ونأمل أن نصل إلى نهايات مرضية، وهناك إشارات أنه على استعداد للحوار للتوصل لتفاهمات في هذا الاتجاه. السودان مقبل على مرحلة صعبة بعد الانفصال؟ - نعم مرحلة الانفصال، أحياناً هناك أشياء غريبة (في الدنيا)، فهناك أشياء لها مردود إيجابي رغم صعوبتها، فكل الدول والاتحاد الأوربي وغيره يعتقدون أن من المهم جداً وجود دولتين راسختين مستقرتين في المنطقة، ولابد من استقرار جنوب وشمال السودان، لأن أي عدم استقرار سيقود إلى ظلال سالبة على مجمل المنطقة، والمجتمع الدولي حريص على الاستقرار، لذلك سعى المجتمع الدولي والاتحاد الأوربي للحوار (على مستوى العلاقات الثنائية)، للمساعدة فى حل المشاكل الاقتصادية على الأقل، ومن هنا ظهرت مسألة معالجة الديون وإعفائها بالنسبة للسودان كآلية لخلق دولة مستقرة قوية لا تعاني مشكلات، والانفصال شيء مؤلم ولكنه واقع يجب أن نعيشه، ونريد أن نرسي علاقات وطيدة مع حكومة الجنوب، ولا نرغب في الحديث عن الماضي، بل نريد التحدث عن الحاضر وتناسي مرارات الماضي. ما هي إستراتيجية حكومة الشمال للتعاون مع حكومة الجنوب الوليدة؟ - سنتعامل معها كدولة ذات خصوصية بالنسبة لنا، فهي جارة خاصة جداً. ذكرت آنفاً رغم أن الانفصال شيء صعب، لكن هناك مردود إيجابي ، كيف يتحقق ذلك؟ - المردود الإيجابي يتمثل في فتح قنوات تعاون مع المجتمع الدولي، وذلك من منطلق حرصه على وجود دولتين قويتين مستقرتين لا توجد بينهما (مشاكل)، هذا الجانب الإيجابي من الانفصال وبالتالي هناك أعباء عليه في خلق ودعم الاستقرار، من بينها حل مشاكل الديون وتقديم مساعدات تنموية والاهتمام بها وهذا ما كان ينادي به السودان طويلاً لكن لم تكن هناك استجابات، ولظروف الانفصال انتبه المجتمع الدولي إلى أنه من الضروري مساعدتهما وعدم تركهما لوحدهما. ولكن المجتمع الدولي درج على عدم تنفيذ وعوده، فمن الذي يضمن أنه سيستجيب؟ - هذا صحيح حسب تجربتنا لكن اعتقد إن هناك اهتماماً واضحاً منه بأن يكون هناك استقرار للدولة الجديدة.. حيث إن الحرص على استقرار الجنوب ألقى بظلاله على الشمال، لأن استقرار الأخير استقرار للجنوب.. والعكس. ونحن نرى النكوص يظهر واضحاً من الولاياتالمتحدة، فهي أطلقت وعوداً برفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب وإعفاء الديون، فإذا بها في اللحظات الأخيرة تنسف وعدها بتهديدات جديدة؟ - هذا صحيح، على الأقل خلال الفترة التي أعقبت التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، ولكن نحن في وزارة الخارجية نتابع التزام واشنطن على المستوى الرسمي، برفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، حيث شرعت الإدارة الأمريكية في الخطوات لتحقيق ذلك، وهي مسألة لا تتم بجرة قلم، فهي ترتيبات تتم عبر الكنونغرس الأمريكي، وحسب ما بلغنا من واشنطن رسمياً فإن هذه الإجراءات بدأت ونحن في انتظار نهاياتها، وذلك لا يجعلنا نقول بأن الإجراءات تمت أو سوف تتم، لكن وفقاً لطبيعة العمل الدبلوماسي، نتمنى أن تنفذ على أرض الواقع وتصل إلى نهاياتها. ذكرتم أن لكم تجربة سابقة فيما يتعلق بفتح أول سفارة للسودان في دول أمريكيا اللاتينية، كيف استفدتم من ذلك في فتح أول سفارة في جوبا؟ - من خلال موقعي كوكيل لوزارة استفدنا من تلك التجربة في فتح السفارة بجنوب السودان واعتقد أنها سفارة مهمة جداً للسودان في المرحلة المقبلة. من أين أتت أهميتها؟ - إن دولة الجنوب ليست جارة عادية، لأن هناك دولاً ورثناها بالجغرافيا، إنهم جيران ولكن جنوب السودان تجربة مختلفة كجارة، وأنا أسميها جارة (+) بالإيجاب.. وكما يقول أهل الاقتصاد إذا كانت دول الجوار (100)، فأنا أرى أن دولة الجنوب 100+ يمكن أن تصل إلى أقصى حد، يعني أن العلاقات مع الجنوب ستسعى الوزارة للعمل ولزيادة العلاقات، لأنه مهما حدث ورغم مرارة الانفصال وقسوته في الآخر لدينا أشياء مشتركة كثيرة عبر التاريخ الطويل، المعرفة بيننا عميقة جداً، قد لا توجد بين دول الجوار المجاورة وأرى أنه مدعاة لتطوير العلاقات بالدولة الجديدة. ولكن الجنوب قد يرى غير ذلك؟ - نعم بعيداً عن مرارات الحرب والخلافات السياسية ومحاولات (تكبير) في المفاوضات، نحن كوزارة الخارجية سننأى عن المسألة .. وسنحرص على تطوير العلاقات مع دولة الجنوب، واعتقد أنها علاقة وطيدة جداً، لأنه كما أسلفت أن أمن الجنوب من أمن الشمال، وأمننا من أمنهم، ومن الضروري جداً وجود تفاهمات لتجاوز ذلك، ونشعر أن هناك حالة من عدم الثقة خلال المرحلة الانتقالية، فنحن نرغب في تجاوز عدم الثقة، لأن بناء الثقة مطلوب، بجانب الحالة التبادلية في الاقتصاد، الثقافة والتجارة لا نستطيع إلغاءها، بجانب ذلك توجد أطول حدود مع دولتين جارتين يعيش على الحدود المشتركة ثلث سكانهما، وأن هناك تواصلاً موجوداً أصلاً بينهما سواء كان ثقافياً، اجتماعياً ونمطاً اقتصادياً مشتركاً للحياة لا يمكن تجاوزه. متى شرعتم في إجراءات تشييد سفارة في جوبا؟ - منذ ثلاثة أشهر، وكان ذلك في أول زيارة قمت بها إلي الجنوب، والتقيت فيها بوكيل وزارة التعاون الإقليمي لحكومة الجنوب السابقة الأستاذة سلوى جبريل. هل تمت تسمية سفير السودان بجوبا؟ - لا لم تتم تسميته. ما هي مواصفاته؟ - عادة نحن كوزارة خارجية نكون طرفاً في تعيين السفراء بترشيح من رئاسة الجمهورية، لكن الظرف دقيق والدولة حديثة، وفي رأيي أنه إذا كان المرشح معروفاً لدى دولة الجنوب له صلات مع مسؤوليها، فهذا المعيار سيساعد فى نجاح مهامه. مم يتكون الطاقم الدبلوماسي العامل في سفارة السودان بجوبا؟ - عدد معقول تحكمه طبيعة المهام التي سيتم تكليفهم بها، فكلما زادت المهام زاد العدد والعكس، عموماً أكبر سفارة للسودان بالخارج لا يتجاوز عدد طاقمها سفيراً وأربعة دبلوماسيين وفق نهجنا. يعني سفارة السودان بجوبا تتكون من سفير وأربعة دبلوماسيين.. هل تم توفير كافة الاحتياجات؟ - ليس كلها، لأن ذلك يتوقف على الميزانية. هل تتوقعون صعوبات دبلوماسية مع الجنوب؟ - لا.. كما ذكرت لك الاتصالات التي ابتدرت بين وزارتي الخارجيتين تهييء مناخاً طيباً للسفارتين بجوبا والخرطوم.