محوار: هارون محمد آدم - تصوير: سفيان البشرى: حطات عديدة مر بها الحزب الشيوعي السوداني منذ إنشائه في أربعينيات القرن الماضي، حيث تم حل الحزب وطُرد أعضاؤه المنتخبون من البرلمان في الديمقراطية الثانية بعد ثورة أكتوبر التي أطاحت بنظام الفريق عبود في عام 1964م، كما تعرض الحزب لعمليات تصفية قيادية خلال فترة حكم الرئيس الراحل جعفر نميري بسبب الخلافات التي نشبت مع الحزب حول نظام الحكم، فيما ظل قادة الحزب مختفيين عن الأنظار لما يقارب العقد من الزمان خلال فترة حكم الإنقاذ، ومع ذلك ظل الحزب من أحزاب المعارضة القوية على الساحة السياسية في مواجهة حكومة الإنقاذ التي أتاحت قدراً من الحريات السياسية عقب توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل عام 2005م، التي أنهت حرب الجنوب التي استمرت لأكثر من عشرين عاماً، فالحزب الشيوعي عضو فاعل في تحالف قوى الإجماع الوطني الذي يضم أحزاب الأمة القومي والاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبي وحزب البعث الاشتراكي، فالتحالف يسعى لإسقاط نظام الإنقاذ بالمظاهرات الشعبية التي فشلت حتى الآن قوى الإجماع الوطني في إخراجها للشارع. . صحيفة « آخر لحظة» جلست للأستاذ/ محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني وأجرت معه الحوار التالي: الاستسلام للبنك الدولي هل تعتقد أن هناك أخطاء في التخطيط الاقتصادي أدت لارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية؟ - السياسات الحكومية استسلمت لشروط ومواصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فحدث تدهور في الاقتصاد السوداني بسبب خصخصة القطاع العام بصورة فيها كثير من المخالفات الإجرائية والقانونية، فالقيادات السياسية التي وافقت على تنفيذ سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمعونة الأمريكية، تتحمل تردي الأوضاع الاقتصادية، فالحكومة لديها فرص لتغيير الوضع بإعادة النظر في السياسات الاقتصادية الحالية ما دام استطاعت استخراج البترول بدون قروض أجنبية. إعادة النظر في السياسات الاقتصادية، ألا تعتقد أنها تؤدي إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية جديدة؟ - لا يوجد حل سحري يطبق دفعة واحدة، وكذلك لابد من ترتيب الأولويات، ففي السابق كان الشعب السوداني يستعين على الغلاء والتشريد بالنقابات، ولكن النقابات حالياً فُطست من قبل الحكومة، ومع ذلك النقابات تناضل من أجل حماية حقوق أعضائها، فهناك عدة مؤسسات اجتماعية واقتصادية انهارت وأصبح بعضها غير موجود بسبب السياسات الحكومية، ولذلك إعادة النظر في السياسات الاقتصادية يجب أن تتم من خلال الخبراء الاقتصاديين وليس التخبطات السياسية. ما هو تصور حزبكم لمعالجة الأوضاع الاقتصادية؟ - الحزب الشيوعي دخل في تحالفات متعددة مع الأحزاب الأخرى مثل الأمة القومي والاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبي، وأصبحت الأحزاب تقدم رؤية جماعية لكل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولكن سياسة الحزب الاقتصادية تركز على احتياجات الأسرة الأساسية وتركيز الأسعار وتخفيضها، بالإضافة إلى أوضاع العمالة المشردة وتشجيع المنتجات السودانية الزراعية والصناعية، لأن الاعتماد على الاستيراد يقضي على الإنتاج المحلي. كما أن سداد الديون يؤثر على ميزان المدفوعات، فالديون ظلت تتراكم عبر كل الحكومات المتعاقبة على السودان منذ الاستقلال، كما أن هناك صعوبات في التعاملات الدولية ولذلك على السودان مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية من خلال التكتلات الإقليمية الاقتصادية، لأن المعالجات الأحادية باتت صعبة في عالم اليوم. ما هي التكتلات الاقتصادية التي يمكن أن يلجأ إليها السودان لمواجهة الأزمة الاقتصادية؟ - الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي تكتلات إقليمية فاعلة في الجانب الاقتصادي، فأغلب دول الجامعة العربية ترتبط بها حركة الاقتصاد العالمي لأنها تمثل مصادر رئيسية لإنتاج الطاقة لاحتوائها على مخزونات البترول الإستراتيجية، فدول الجامعة العربية تستطيع الضغط على الغرب وأمريكا من أجل معالجة ديون السودان، كما أن تطوير علاقات السودان بالدول الأفريقية يفتح أمامه منافذ اقتصادية جديدة بعد أن أصبح الاتحاد الأفريقي قوة اقتصادية وسياسية تضم أكبر تجمع إقليمي حول العالم. هل تتوقع انفراج أزمة ارتفاع الأسعار بالسودان قريباً؟ - أزمة ارتفاع الأسعار ليست أزمة بالغة التعقيد ولكن المعالجات تحتاج إلى تنسيق السياسات الاقتصادية، ففي الداخل كل المواطنين ملمون بأسباب الغلاء والأخطاء الاقتصادية، وهي قضايا متشابهة في كل الدول العربية، فيما توجد منظمات عربية وأفريقية تساعد الحكومات على تطوير الاقتصاديات المحلية. هل تعتقد أن الإجراءات التي اتخذتها الدولة لتخفيض الأسعار كافية لمواجهة الغلاء؟ - الغلاء نوع من الأوبئة المرضية، إذا لم تتم محاصرته بصورة سريعة سوف يتسبب في إهلاك الموارد ويهدد حياة المواطنين واستقرارهم، فالسودان يواجه غلاءً طاحناً وديوناً كبيرة تصبح عقبة أمام الاستيراد، فالدائنون من وقت لآخر يغيرون أساليب السداد، الأمر الذي يجعل السياسات الاقتصادية غير مستقرة. هل الاقتصاد حالياً يحتاج لإعادة هيكلة؟ - الاقتصاد يحتاج لإعادة صياغة السياسات الحالية، فإذا تمت إعادة هيكلة الاقتصاد، فإنها تتيح فرصاً لبعض النافذين بالدولة وتمكنهم من الاستيلاء على المؤسسات الاقتصادية وتحويلها إلى مؤسسات خاصة تدر الأرباح على الافراد، كما أن القطاع الخاص عندما تكون سياسات الدولة واضحة بالنسبة له، يستطيع تحمل جزء كبير من المعالجات الاقتصادية الحالية، فالوضع الحالي أحدث ارتباكاً في السياسات الاقتصادية التي جعلت استغلال النفوذ الحكومي وسيلة مهمة لتحقيق الأرباح والحصول على تسهيلات خاصة. علة سودانية في مؤتمر أهل المصلحة الذي عقد بالدوحة حول أزمة دارفور، وجهت نداءً لكل القوى السياسية بالانخراط في معالجة الأزمة، هل تجاوبت القوى السياسية مع ندائكم؟ - هناك سؤال مطروح: لماذا أصبحت كل القضايا السودانية مسرحاً للتدخلات الدولية والإقليمية، فهناك علة لابد من معالجتها، فالسودان كشعب وكيان فشل في صياغة السياسة العامة منذ بداية الاستقلال رغم أن هناك نماذج عملية لحلول مشاكل الدولة السودانية متمثلة في الهند وجنوب أفريقيا ولكن القادة السياسيين في الهند وجنوب أفريقيا أشرفوا على العملية السياسية حتى النهاية، ولذلك توفر الحد الأدنى لحقوق المواطنة، فيما السودان لم تتوفر فيه الإرادة السياسية منذ الاستقلال، الأمر الذي أدى إلى تطور المشاكل بصورة درامية، فالحكومات العسكرية والمدنية التي حكمت السودان لم تحسم الأمور بصورة واقعية، فلم يحدث أن طرحت أي حكومة برنامجاً عملياً تفاعل معه الشارع، بينما كل الحكومات ظلت تقدم وعوداً دون برنامج عملي. هل أزمة دارفور انعكاس لأزمة السياسات الحكومية منذ الاستقلال؟ - استمرار أزمة دارفور والتدخلات الدولية والإقليمية التي حدثت، تؤكد أن أزمة دارفور انعكاس مباشر لأزمة السياسات الحكومية المختلفة، فأزمة دارفور فتحت مجالاً للتدخل في شؤون السودان الداخلية للذين يستحقون والذين لا يستحقون، والذين يعرفون تاريخ دارفور والذين لا يعرفونه، فالعالم بأسره أصبح يتابع قضية دارفور بعد انتهاء الحرب في فيتنام، وزوال النظام العنصري في جنوب أفريقيا. ما هو تصوركم لحلول أزمة دارفور؟ - مؤسسات الحزب على صلة بمنظمات دارفور في سبيل البحث عن حلول متكاملة للأزمة، ولذلك الحلول الحقيقية يجب أن تلبي مطالب أهل دارفور في المقام الأول، فأهل دارفور يستحقون التمثيل العادل برئاسة الجمهورية ولابد من أن تكون لهم أسبقية في الوظائف الإقليمية، بالإضافة إلى توفير التعليم والخدمات الأساسية بالمناطق الهامشية، فحلول أزمة دارفور لا زالت عرجاء، ولذلك على مؤسسة الرئاسة التركيز على السياسيات العامة بدلاً من تقديم الوعود للمواطنين في المناسبات والاحتفالات الجماهيرية، كما يجب أن تناقش قضايا التنمية مع القادة المحليين حتى يكون لها مردود إيجابي، وأن تنفذ المشاريع التنموية وفق الاحتياجات لكل منطقة، فالتخطيط الاجتماعي في السودان بدأ منذ فترة الاستعمار الإنجليزي، فهناك تجارب موجودة ولكن الخطط لم تنفذ بصورة متكاملة، فلابد من مجالس تخطيط متخصصة تتابع كل الخطوات العملية. دارفور مثلت حالياً في مؤسسة الرئاسة، هل تعتقد أن العدد التنازلي للحلول الواقعية بدأ في التنفيذ؟ - التمثيل الحالي لدارفور في مؤسسة الرئاسة غير كافٍ لمعالجة الأزمة، فالحكومة إذا كانت جادة في وضع الحلول، عليها مخاطبة أهل دارفور والاستماع إليهم على أرض الواقع ومعرفة توجهاتهم العامة. فلا زالت المنطقة غير مستقرة، والحركات المسلحة لم تتخلَ عن نهج القتال رغم توقيع اتفاقية الدوحة، فالحركات الرافضة غير مطمئنة لتحقيق السلام في الوقت الحالي. وعود الإنقاذ ما هي قراءتك لاتفاقية الدوحة؟ - اتفاقية الدوحة خطوة إيجابية في تحقيق السلام والاستقرار بولايات دارفور.. ولكن تحتاج لجهد كبير لإقناع كل الحركات المسلحة بالتوقيع عليها، فالحركات تعتقد أن الحكومة تلعب على العامل الزمني في حل الأزمة. كيف تعامل حزبكم مع الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق؟ - الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق لم تندلع بمساعدات جهات خارجية كما يشاع حالياً، كما أن الذين يحاربون الحكومة ليسوا أجانب ومطالبهم مشروعة لم تظهر خلال حكم الإنقاذ، إنما هي مظالم تراكمت منذ بداية الاستقلال.. ولكن حكومة الإنقاذ زادت في الوعود التي تعلقت عليها آمال المواطنين في إحداث التغيير الذي لم يحدث، كما أن توقيع اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية التي أنهت الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، لم يُشعر أهالي جنوب كردفان والنيل الأزرق بحدوث تغيير للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية عملياً، الأمر الذي أدى إلى التذمر. ما هو تصوركم لحل أزمة جنوب كردفان والنيل الأزرق؟ - الحلول ليست سهلة ومبسطة ولكن إذا جلست الأحزاب والقبائل وكل منظمات المجتمع المدني، بالإضافة للحركة الشعبية قطاع الشمال والحكومة، وناقشت القضية بصورة موسعة وراجعت مواضع الخلل عبر متخصصين في مجالات الاقتصاد والخدمة المدنية لمعرفة أسباب فشل الاتفاقية، سوف تتوصل الأطراف إلى حلول عملية تجنب الأطراف مخاطر الحروب، كما أن إشراك أهل المنطقة في الحلول يقوي الثقة بين الأطراف المتصارعة، فكل خطط الحكومات السودانية لمعالجة الأزمات كانت غير قابلة للتنفيذ واقعياً، فقضايا السودان تتطلب تخطيطاً طويل المدى يتكيف مع الإمكانات المتاحة وإقناع المستفيدين من المشروع بذلك. كيف ستعالج قضايا التخطيط لتحقيق السلام بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في نظركم؟ - التخطيط الناجح يحتاج لشفافية في التنفيذ تعتمد على مبدأ المحاسبة بغرض إحداث تغيير واقعي يعيشه المواطن، وذلك لم يحدث في كل خطط الحكومات المتعاقبة، فالخطط الإستراتيجية لابد أن تراجع سنوياً حتى لا يجد النفعيون فرصة لتبديد المال العام وتحويله لمصالح ذاتية، فإنجاح الخطط الإستراتيجية طويلة وقصيرة المدى، يتطلب إزالة البروتكولات البيروقراطية التي تحول بين المسؤولين الكبار والمواطنين المستفيدين من المشروع، كما أن الصحافة السودانية لها دور كبير في مراقبة تنفيذ المشروعات الإستراتيجية وحمايتها من المتلاعبين بالمال العام، وتحقيق ذلك يتطلب بسط الحريات العامة حتى يستطيع الصحافيون أداء مهامهم دون خوف أو مجاملة.