لو أدرك السودانيون أن (العافية الاقتصادية) التي عاشتها البلاد في السنوات الماضية هي ثمرة تخطيط اقتصادي لرجل (أبكى السودانيين) وبكوا الآن عليه اسمه عبد الرحيم محمد حمدي، لطالبوا الرئيس اليوم بعودة عبد الرحيم حمدي كوزير تخطيط اقتصادي، واليبقى د. عوض أحمد الجاز وزيراً للمالية، والدولة التي كانت تعقد المؤتمرات الاقتصادية وتنفذ سياسات اقتصادية لهدف بعيد أصبحت اليوم (منكفئة) على نفسها، كل جهدها ومبلغ عملها في كيفية توزيع عائدات البترول، و(إطفاء الحرائق) في دارفور والخرطوم والجنوب، وتجربة الإنهيار العالمي للأسواق وتدني أسعار النفط عالمياً أدخلت الحكومة في مأزق كاد أن (يسكت) قلبها، لولا سياسة عوض الجاز في (القبض) على المال وتوزيعه بمعلقة صغيرة للولايات كرواتب، ومخصصات دستوريين بعد إيقاف المباني وشراء الاثاث والسيارات، وقد أفلح د. عوض الجاز في إدارة المال الذي بيده واستخدم نفوذه وعينه الحمراء لايقاف إهدار المال من قبل المؤسسات، لكن د. عوض الجاز كإداري لم نشعر حتى اليوم بوجوده كمخطط اقتصادي لتدارك ما هو مقبل على بلادنا في السنوات القادمة من آثار سالبة لتغيرات المناخ، وانفصال مرتقب لجنوب البلاد، تذهب معه 70% من العائدات جنوباً.. وكل (تعويل) عباقرة الاقتصاد السوداني على العجز المتوقع لحكومة الجنوب المنفصل تسويق بترولها، بغير نافذة السودان القديم (بورتسودان). هل فكرت حكومتنا حتى اليوم في الآثار الاقتصادية الناجحة عن الانفصال على الدولتين؟ وكيف تغطي الحكومة الفاقد من ايرادات النفط إذا انفصل الجنوب عام 2011م؟ وهل خططت الدولة لاستخراج النفط من كردفان الشمالية ودارفور والجزيرة والبحر الأحمر؟ وإذا نظرنا لأزمة الغلاء الفاحش الحالية لسلع السكر والدقيق والذرة، إلى متى تعتمد الدولة على مشروع وحيد لانتاج السكر (كنانة)، ولا تنفق المال للنهوض بصناعة السكر في النيل الأبيض، الذي بشرنا وزير الصناعة د. جلال يوسف الدقير بانتاجية وفيرة بحلول العام القادم، ولكن المشروع حتى اليوم يقف في محطة تعويضات مواطني قرى الأعوج والهشابة!!. تهدر حرب دارفور كل يوم ملايين الدولارت، وتهدر الأزمات الداخلية مثلها، ولا تدفع الدولة حتى مقدم (القرض الصيني)، ليبدأ العمل في طريق الإنقاذ الغربي الذي وحده كفيل بحل نصف مشكلة دارفور، والنصف الآخر ماهو إلا قطيعة نفسية أحدثتها الأفعال وردودها في حقبة الأحتراب التي كادت أن تبلغ نهايتها، ولكن مع شح الأمطار الذي ضرب إقليمي كردفان ودارفور هذا العام، فإن التمرد والنهب المسلح وأشياء أخرى تطل برأسها، إذا لم يتم تدارك الأوضاع الاقتصادية قبل حلول يناير القادم، ويستنهض الرئيس البشير بنفسه القطاع الاقتصادي في الحزب والحكومة، لوضع معالجات تدرأ عن البلاد شر الجوع القادم!. في أسواق الخرطوم اللبن المستورد، والجبنة المستوردة، والحلويات، والثياب السويسرية، وإعادة تصديرها للسودان، والسمك المستورد، والطماطم السورية والأردنية، وغداً نستورد العجور من تشاد، والبصل من سنغافورة، والدجاج من تركيا، ولحم الضان من أستراليا، ولكننا نظل نتحدث عن السودان المستهدف، ونهتف (أمريكا لحمى جدادك) وجداد السودان تقتله (أم جيقي) في المزارع، فكيف الخروج من هذا النفق الاقتصادي المظلم، في غياب التخطيط وسيادة أهل الفعل على أهل النظر؟.