وما زلت حضوراً «نشازاً» داخل أسوار النادي الكاثوليكي.. وسط الأحبة «الأخوان» في المؤتمر الوطني.. في اليوم الأول كنت أنظر واراقب.. من الضفاف.. وفي اليوم الثاني خضت قليلاً في الماء «الضحلة» وبدأت أنظر وأسجل.. واليوم دعوني أزحف قليلاً نحو المقدمة.. واتسلل خفية حتى «اتوهط» على مقاعد الصفوف الأولى.. توطئة لاهتبال أي سانحة لأقفز بالزانة.. في حرق لكل المراحل.. حتى احتضن وامتلك «المايك».. وكل ذلك يحتاج إلى تنظير وتفسير.. وعنه أقول.. إني وفي «قوة قلب» استلف تلك المقولة الإنجليزية الشاهقة.. المحفورة في وجدان أبناء المملكة المتحدة.. وهن ثلاث استحالات في عرف الخواجات في ذاك الزمان.. مثل لو كنت ملكاً لقتلتك.. أو لو كنت عصفوراً لطرت أنقلها عنهم ولكن بتصرف.. قليل يعكس المستحيل تماماً ليصبح ممكناً.. إذن دعوني أحلم.. أحلم بأني عضو في مؤتمر الأحبة الثالث.. ألبس جلابية.. واعتمر عمامة وعلى الكتف شال وفي يميني «عصاية».. هذا رغم أن الذي بيني وبين المؤتمر الوطني بيد دونها بيد.. بل المسافة أبعد من كلفورنيا عن طوكيو.. وليس ذلك مقتاً أو «كراهية» أو حقداً.. إنه اختلاف برامج وتضاد منهج.. وصراع أفكار.. فالأحبة الأخوان «والأخوان» تحديداً.. وليس بقية الأعضاء من المؤلفة قلوبهم.. أو أولئك المفتونين بجيوبكم.. أقول إن الأحبة الأخوان تاريخياً وعملياً وحقيقة.. متزمتون حتى حواف الطالبانية.. وأنا اشتراكي حتى حواف الستالينية.. لذا نحن خطان متوازيان لا يلتقيان إلا على كراسة بليد.. «أها» أنا الآن أحد أعضاء المؤتمر الوطني في مؤتمرهم هذا.. أرفع يدي للمنصة للحديث.. تستجيب المنصة.. أتقدم وأنا «أهز» «بعصاتي».. للحضور.. الذي يهتف.. من تجاويف صدره وملء أفواهه «هي لله.. هي لله.. وما لدنيا قد عملنا».. أصل المنصة.. أمسك بالمكرفون.. لأقول بعد البسملة والحمد لله.. مخاطباً الجمع.. أيها الإخوة الأحبة.. تالله أنها لم تكن لله مطلقاً.. بل كانت لدنيانا المترفة.. التي أقمنا فيها شاهق الدور والتي تحفها روعة الجنان وبهجة وبهاء الزهور.. وأقسم برافع السماء بلا عمد.. إننا قد عملنا للدنيا.. ونحن نتزوج مثنى وثلاث ورباع.. أحياناً اتقاء للفتنة.. وأحياناً للتناسل الذي نباهي به الأمم.. ومرات كثيرة لفشلنا في كبح جوامح وأمطار وعواصف الحب والذي هو معنى خالد وياريت الناس دوام.. والذي لم نستطع له مقاومة ولا صداً.. أقول ذلك اعترافاً.. ونقداً ذاتياً ومراقبة لأنفسنا.. وهو المطلوب من أهل القبلة.. كيف لا ننتقد ذواتنا الفانية وأرواحنا التي حتماً يوماً ستفارق أجسادنا وحتماً سيضمنا لحدٌ لا يزيد عن شبر واحد ثم إهالة أكوام من التراب عليه.. ألا نخجل من أنفسنا.. والشيوعيون أنفسهم هؤلاء الأبالسة لهم بند ثابت عند كل لقاء أو اجتماع.. وهو ممارسة النقد والنقد الذاتي حيث يمطر العضو أو الزميل أو الرفيق حتى نفسه بسيل من الأوصاف أقلها الانتهازية.. والحمق.. والتقصير.. وكل نعت يحويه المعجم.. أيها الأحباب إن بالنقد والنقد الذاتي يكتمل النجاح.. ثم.. ألسنا الحزب الرائد والقائد.. ألسنا من امتلك الدولة بالكامل.. حتى أدق وأصغر مفاصلها.. حتى مؤتمرنا هذا.. هل طلبنا الإذن لإقامته من مسؤول أو جهة أو شرطة.. وهل يجرؤ حزب واحد أن يوظف كل إمكانات ومرافق الدولة.. وكل وسائل الإعلام من صحافة صديقة وأخرى«ابنة» وإذاعة وتلفزيون لثلاثة أيام حسوماً كما فعلنا نحن.. ألم نحكم هذه البلاد لاثنين وعشرين سنة وتزيد.. ماذا أنجزنا.. أقر واعترف أن إنجازنا كان في استخراج النفط و إحلال السلام عبر نيفاشا و«بس».. تعالوا لإخفاقاتنا.. أقول ذلك واعترف بذلك حتى نضئ طريقنا إلى المستقبل.. حاشا لله أن ابتغي تشهيراً فقط لأن الاعتراف بالذنب أكثر إشراقاً من العناد والمكابرة.. إخوتي في الله.. ألم ينشطر الوطن الجميل العزيز البهي النبيل في عهدنا.. ألم تسل دماء نزفه أنهراً وجداول.. وسكين حادة الحواف تذبحه من أعالي النيل وحتى الغابات وراء تركاكا.. ثم ظللنا وما طفقنا وما فتئنا.. وما زلنا نقسم بفالق الحب والنوى أننا إنما نحكم تحت بيارق الشريعة وتحت ظلال شرع الله المطهر.. انظروا جيداً إلى الشارع.. والمجتمع وإنسان السودان.. هل يمكن أن يفرز أو يلد شرع الله المطهر الرادع.. أيها الأحبة «أنا خلوني» راجعوا دفاتر الشرطة ويوميات الأحوال.. ثم ما هذا الترف الأسطوري والعز المترف والحياة الناعمة المخملية التي نتقلب فيها.. و.. وقبل أن أكمل.. يضرب أحد أكثر قادة الإنقاذ قوة وشراسة التربيزة بيده وهو يصيح «هذا أحد المندسين».. ولا تمر ثواني حتى يهتف الدكتور الخضر.. «ما هذا التخذيل يا مؤمن».. ولكن يأتي صوت هادئ وغازي صلاح الدين يقول.. دعوه يكمل.. دعوه يكمل.. وسوف أكمل غداً.